جويس كرم
بين أكثر من عشرين أمرا تنفيذيا وقعهم الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في الـ48 ساعة الأخيرة منذ دخوله البيت الأبيض، ما من أمر أو مذكرة تعيد واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني وما من رسالة لخامنئي تشبه ما قام به باراك أوباما في 2009.
بايدن الذي أعاد أميركا الأربعاء إلى اتفاق باريس المناخي ومنظمة الصحة العالمية كان باستطاعته وبشطبة قلم أن يعود للاتفاق الإيراني الذي أبرمه باراك أوباما وقوى دولية أخرى مع إيران في 2015 وخرج منه دونالد ترامب في 2018. التريث والحذر في التعاطي مع طهران هو وجه اختلاف أول اليوم بين عهد أوباما ورئاسة بايدن اليوم. فرسالة أوباما لخامنئي قبل انتخابات 2009 الإيرانية والتي أعقبها فيديو "البداية الجديدة" بمناسبة "النوروز" وصمت أميركي على التظاهرات يومها، طبع مرحلة مختلفة لمصالحة إيران عن التي أوصلت بايدن للحكم وتهدف لاحتوائها.
بالنظر إلى جلسات الاستماع لأبرز مرشحي بايدن هذا الأسبوع أمام مجلس الشيوخ، هناك استنتاج واضح بأن الإدارة الجديدة تريد العودة للاتفاق النووي مع إيران إنما هي غير مستعجلة للقيام بذلك. مديرة الاستخبارات أفريل هاينز قالت إن أمام واشنطن "طريق طويل" قبل العودة للاتفاق، فيما شدد المرشح لوزارة الخارجية، أنتوني بلنيكن، على أهمية التشاور مع الحلفاء الإقليميين بينهم إسرائيل قبل العودة. أما وزير الدفاع الجديد لويد أوستن فوصف الاتفاق كآلية لاحتواء إيران لأن حوزها السلاح النووي "سيفاقم كل مشكلة تنخرط فيها اليوم".
الرئيس بايدن، وبحسب البيت الأبيض، سيجري اتصالات في الأيام المقبلة مع حلفاء إقليميين حول الملف الإيراني. وهو منذ انتخابه لم يتصل إلا بالعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من بين قيادات الشرق الأوسط.
على أرض الواقع، أي عودة للاتفاق مع إيران ستتطلب من طهران وقف انتهاكاتها لبنوده والالتزام بنسب التخصيب والتفتيش الذي وقعت عليه في 2015. اليوم، إيران رفعت مستوى التخصيب، بدأت تقويض مفتشي الوكالة الذرية، وقد ترفع منسوب إنتاج المياه الثقيلة.
كل ذلك يعني أن أي رجوع عن هذه الانتهاكات سيتطلب أشهر من التفاوض وسيؤجل أي عودة للاتفاق للنصف الثاني من هذا العام أو حتى العام المقبل. تؤخر فرص هذه المفاوضات أيضا الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو المقبل والمبارزات بين الحرس الثوري والصف الأقل تشددا في التعاطي مع الغرب ومع بايدن.
هناك أيضا عامل البنية الداخلية لفريق بايدن ودور الكونغرس. فبين وزير الخارجية المنتظر بلينكن ووكيلته ويندي شيرمن ووزير الدفاع أوستن وويليام برنز وهاينز في الاستخبارات ومستشار الأمن القومي جايك سليفان ومبعوث التغيير المناخي جون كيري، قد تتفاوت الآراء حول الملف الإيراني. الحديث اليوم في واشنطن هو عن إمكانية تعيين روبرت مالي مبعوثا حول إيران، وهو شخصية تفاوضية وقريبة من اليسار كونه كان مستشارا لبيرني ساندرز خلال الحملة.
إضافة روبرت مالي تعني صوتا جديدا في المعترك الإيراني يختلف عن سليفان ومع بلينكن في بعض القضايا. وهي تضيف القضايا الإقليمية خصوصا اليمن التي يتابعها مالي إلى طاولة أي حوار أميركي-إيراني. أما دور الكونغرس فهو محوري بسبب قانون "إنارة" من 2015، والذي يعطيه الحق بمراجعة أي اتفاق.
العامل الأخير الذي يرجح الحذر من الجانبين في العودة للاتفاق هو ملف العقوبات. إذ أن إيران تريد رفع جزءا كبيرا من العقوبات الأميركية قبل الالتزام بالاتفاق النووي، فيما إدارة بايدن مستعدة فقط لرفع الشق المتعلق بأمور إنسانية، وليس تلك التي تطال الحرس الثوري والأمور النفطية.
عجلة المفاوضات الأميركية-الإيرانية والأميركية-الإقليمية بدأت تتحرك إنما ببطء وحذر شديدين، تستبعد أي عودة للاتفاق النووي في الأشهر الـ6 المقبلة، إنما ترجح فرضية العودة في فترة عام.