عدلي صادق
بعد أن أصبح جو بايدن المرشح الرسمي للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، حدث سريعا ما هو متوقع، وهو تصدر بايدن استطلاعات الرأي بفوارق كبيرة. وعندما نتذكر أن موعد الانتخابات هو الرابع من نوفمبر المقبل، وكذلك أن القانون الانتخابي يفسح المجال للمفاجآت المغايرة لاستطلاعات الرأي، يتوجب التعاطي بحذر مع فرضية فوز جو بايدن بمنصب الرئاسة.
في إطار هذا الحذر، في وسعنا الحديث عن كون بايدن، في حال فوزه، ستكون له قضيتان أساسيتان وعاجلتان، الأولى جائجة كورونا وانتشارها في الولايات المتحدة، والثانية تتمثل في ضرورة حسم أمره بشأن أزمة الملف النووي الإيراني، لاسيما بعد أن ذهبت إدارة ترامب، إلى الحد الأقصى من الضغوط، ولم تحقق بعدها فوزا أو إنها تعرضت لبعض الهزائم!
عندها سيصبح بايدن، في حال فوزه بالرئاسة، أمام اختبار صعب أو لحظة حاسمة، لاسيما وأن السؤال الكبير الذي سيُطرح عليه: ما الذي يتوجب عليك أن تفعله، بعد الهزيمة الساحقة لإدارة ترامب في مجلس الأمن الدولي؟ فقد خرجت إيران بعد فشل المشروع الأميركي في المجلس، فائزة برفع الحظر عن توريد السلاح التقليدي لقواتها المسلحة، وسيكون ذلك في شهر أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق يجدر التنويه إلى أن إدارة ترامب ستبذل محاولة أخيرة أو بالأحرى ستذهب مرة أخرى إلى مجلس الأمن، لكي تتلقى هزيمة ثانية في التصويت على مشروع فرض عقوبات سريعة.
فالشركاء الأوروبيون القدامى، لم يقفوا مع إدارة ترامب في أي تصويت من هذا النوع، وستكون لهم منهجية أخرى في التعاطي مع إيران، ويبدو أنهم حصلوا من إيران على تطمينات، غاية الإيرانيين منها إثبات عقم السياسة التي اتبعتها إدارة ترامب حيال إيران، من خلال مرونة أضمرتها إدارة الرئيس حسن روحاني. فالمشروع الأميركي الاستدراكي سيواجه أحد احتمالين: إما أن يصرف مجلس الأمن النظر عنه أو أن يلقى هزيمة مؤكدة. ومن المفارقات، أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران (وهي ليست الوحيدة فيه) يسلبها الحق في فرض التصويت عليه في المجلس!
ومن المفارقات الغريبة، أن ما أظهره ترامب في الآونة الأخيرة، من حماسة لتسهيل تحقيق أهداف إسرائيل في المنطقة العربية، جاء من خلفية امتنانه لتل أبيب، التي تمكنت من إحراج الإيرانيين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال تقديم ما وصف بأنه أدلة حصل عليها جهاز الموساد، عبر غارة على الأرشيف النووي الإيراني، وهذا عمل يعتبره ترامب إنجازا يعوضه عن فشله المتجدد. فالإسرائيليون يقولون إن إيران تعرضت لعشرة انفجارات في أواخر شهر يونيو وأوائل شهر أغسطس، ويزعمون أن هذه الانفجارات أسفرت عن إعطاب برنامج أجهزة الطرد المركزي في مفاعل “نطنز” الإيراني. وقد بدا واضحا أن مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، أولى أهمية كبيرة لهذا الحدث، وأصبح أكثر ميلا إلى استغلال العطب الإيراني لتحسين شروط الصفقة بما يناسب إسرائيل، بمفاعيل دبلوماسية، أو إن هذا ـ على الأقل ـ ما أوحى به مساعدوه والمقربون منه، من أمثال توني بلينكين، وجاك سولفيان وفلوروني، عبر ندوات شاركوا فيها مؤخرا، عبر تقنية الفيديو، وهؤلاء من بين الأشخاص الذين يتوقع تسلمهم مناصب مركزية في إدارة بايدن في حال فوزه.
وفي الحقيقة، يُعتبر الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، أمرا لا يزال ملغزا، وهو ذو صلة بمدى قدرة بايدن على التأثير في السياسة الدولية. وحتى الآن هو لا يعرف ما إذا كان سيعود إلى الالتزام بالاتفاق النووي كما يرغب قطاع كبير من مؤيديه ومنتسبي الحزب الديمقراطي، أم إنه سيقف بقوة وراء طلب “تنازلات” إيرانية جدية، ويستكمل سياق الضغوط التي بدأها سلفه ولم تؤد إلى نتيجة؟
من هذه الناحية، ترى الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن الموقف الثاني، المتشدد، سيكون خيار بايدن. وتقول المصادر الإسرائيلية إن ضابط استخبارات الموساد شاين المسؤول السابق المباشر عن الملف الإيراني، وكذلك إلداد شافيت من مخابرات الجيش الإسرائيلي يريان، كلاهما، وجوب فتح حوار مع الروس والصينيين، لإقناعهم بعدم بيع أسلحة “متطورة للغاية” لإيران، ودعا الرجلان السقف السياسي الإسرائيلي إلى الدخول فورا في عملية تنسيق مع إدارة ترامب ومع فريق بايدن المحتمل، حول ما يجب القيام به، بعد رفع الحظر عن تصدير السلاح لإيران.
ومن نافل القول أن تبعات خسارة إدارة ترامب في مجلس الأمن، لم تقتصر على رفع حظر السلاح عن إيران، وإنما جعلت فكرة التضامن الدبلوماسي بين دول الغرب غير واقعية، وأثبتت للرئيس الأميركي أن لا شركاء معه، في الضغط على النظام الإيراني في الموضوع النووي، بالطريقة التي اتبعها. فربما كان بعض الأوروبيين يفضلون تمديد الحظر لكنهم امتنعوا عن التصويت تحاشيا للتصعيد، لاسيما وأن القيود النووية الأساسية للاتفاق، لا تزال سارية من الناحية الفنية، وستظل سارية حتى العام 2030 أو قبله بقليل!
على الرغم من ذلك، تتحدث أوساط أوروبية أخرى عن تجاهل إيراني لبعض القيود، عن امتلاك طهران يورانيوم مخصب، يكفي لصنع قنبلتين نوويتين. وتقول أوساط أميركية أخرى، من الحزب الجمهوري، إن الموقف الأوروبي كان قبل الاتفاق النووي يفتح المجال للإيرانيين لكي يواصلوا استكمال مخزونهم من اليورانيوم، وإن إيران أصبحت تمتلك من اليورانيوم منخفض التخصيب، ما يكفي لصنع عشر قنابل على الأقل. ولعل هذا هو الذي جعل فريق المرشح الرئاسي جو بايدن، يتحدث عن ضرورة التعاون مع الأوروبيين، لإقناع الإيرانيين بتقديم تنازلات، على أن ينتهي التوتر على الأقل إلى حين انتهاء أمد القيود المفروضة على المشروع النووي الإيراني، في العام 2025 أو 2030. وغني عن القول، أن إدارة ترامب بدأت حملتها على إيران، بطلب تنفيذ خمسة شروط، وانتهت الآن، إلى التلميح بقبول شرطين اثنين، بينما الإيرانيون يعملون عكس الشروط الخمسة كلها وهي الإعلان عن قبول تمديد قيود الاتفاق النووي إلى ما بعد سنة 2030 والحد من تطوير واختبار الصواريخ الباليستية، وعدم التدخل في منطقة الخليح والبلدان العربية، ووقف تطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، والسماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية، بالوصول مجددا إلى المواقع العسكرية، وإلى موقعين كان هناك خلاف على تعريضهما للتفتيش.
قصارى القول، إن الأوروبيين يجعلون الفائز بالرئاسة الأميركية، أمام أحد الخيارين: إما أن يلتحق بدبلوماسيتهم في التعاطي مع الملف الإيراني، أو الاستمرار في منهجية ترامب العقيمة التي لم تصل إلى أي نتيجة. وفي حال الخيار الأول، يمكن للأوروبيين وإدارة بايدن في حال فوزها، إقناع الإيرانيين بالتراجع عن خططهم لرفع معدلات التسلح.