Skip to main content

صدور حكم المحكمة الدولية حول "الجريمة التي غيرت مسار لبنان"

لحظة أغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق
AvaToday caption
كان موكب الحريري عائدا من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة في وسط بيروت، عندما دوى انفجار ضخم استهدفه لدى وصوله قبالة فندق سان جورج على الطريق الساحلي، بعد دقائق، كانت شاشات التلفزة تنقل مباشرة صور سيارات مشتعلة
posted onAugust 3, 2020
nocomment

تصدر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في السابع من أغسطس حكمها في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في تفجير ضخم بسيارة مفخخة استهدف موكبه مقابل فندق سان جورج العريق في وسط بيروت في 14 فبراير 2005، كما قٌتل في هذا الانفجار 21 شخصاً وأصيب 226 بجروح.

ومنذ تأسيس المحكمة التي وجهت الاتهام إلى خمسة عناصر في حزب الله، أعلن الحزب أنّه لا يعترف بها ويعدّها "مسيّسة" وتخدم مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، ولطالما نفى كافة الاتهامات الموجهة إليه ورفض تسليم المتهمين محذراً على لسان أمينه العام حسن نصر الله من "اللعب بالنار".

وبعد نحو 13 عاماً على تأسيسها بموجب مرسوم صادر عن الأمم المتحدة، تنطق المحكمة بحكمها غيابياً بحق أربعة متهمين تقول إنهم ينتمون إلى حزب الله، في قضية غيرت وجه لبنان ودفعت لخروج القوات السورية منه بعد 30 عاماً من الوصاية الأمنية والسياسية التي فرضتها دمشق.

وتُعد هذه المحكمة، التي من المفترض أن تُطبق القانون الجنائي اللبناني، بحسب موقعها الإلكتروني، "الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها"، وكلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءاً منها.

وباستثناء مصطفى بدر الدين، القائد العسكري السابق لحزب الله والذي قتل في سوريا العام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية، ولا يُعرف شيئاً عن مكان تواجدهم حالياً.

ويترقب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يوم الجمعة الذي اعتبر أنه سيكون "يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان".

وجراء وباء كوفيد-19، أعلنت المحكمة أنه سيتلى الحكم من قاعة المحكمة مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت، يوم الجمعة، أما المتهمين الخمسة هم:

مصطفى بدر الدين

بدر الدين يُعدّ المتهم الرئيسي و"العقل المدبر" لجريمة اغتيال الحريري، وجاء في مذكرة توقيفه أنه "خطط للجريمة وأشرف على تنفيذها". وفي مايو 2016، أعلن حزب الله مقتل قائده العسكري قرب مطار دمشق عن عمر يناهز 55 عاماً، في هجوم اتهم جماعات "تكفيرية" بتنفيذه.

وفي يوليو من العام نفسه، أعلنت المحكمة الدولية التوقف عن ملاحقته بعدما تأكدت من مقتله، وانضم بدر الدين إلى صفوف حزب الله بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وانخرط في تنفيذ هجمات عدة، طال أبرزها في العام 1983 السفارتين الفرنسية والأميركية في الكويت حيث اعتقلته السلطات هناك.

وفي العامين 1985 و1988، تعرضت طائرتان واحدة تابعة للخطوط الكويتية والثانية تابعة لشركة خطوط جوية أميركية للخطف وتغيير مساريهما، وطالب الخاطفون بالإفراج عن المدانين بالاعتداء على السفارات الأجنبية وبينهم بدر الدين الذي تمكن عام 1990 من الهروب من سجنه خلال الغزو العراقي للكويت.

سليم عياش

 تتهم المحكمة عياش 56 عاماً، الذي قالت إنه مسؤول عسكري في حزب الله، بقيادة العملية، وجاء في مذكرة توقيفه أنه "المسؤول عن الخلية التي نفذت عملية الاغتيال وشارك شخصياً في التنفيذ".

وتشمل التهم الموجهة إليه، وفق موقع المحكمة الدولية، ووضع "مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي" و"ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة" وقتل الحريري و21 شخصاً آخرين "عمداً باستعمال مواد متفجّرة" ومحاولة قتل 226 شخصاً.

وفي سبتمبر 2019، وجهت المحكمة الدولية تهمتي "الإرهاب والقتل" لعياش لمشاركته في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.

واستهدف الهجوم الأول في العام 2004 الوزير السابق مروان حمادة ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة، وأودى هجوم في العام 2005 بحياة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، واستهدف الهجوم الأخير وزير الدفاع آنذاك الياس المر، ما أدى إلى إصابته.

حسين عنيسي وأسد صبرا

يحاكم كل من عنيسي 46 عاماً وصبرا 43 عاماً بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف يدعي شخص فيه مسؤولية "جماعة النصر والجهاد في بلاد الشام" عن عملية الاغتيال، وتبين لاحقا أن الفيديو مفبرك والشخص الظاهر فيه تم اختطافه من مسجد قرب منزله قبل فترة من عملية الاغتيال.

وتتضمن لائحة الاتهامات الموجهة لهما على صفحة المحكمة الدولية "التدخل في جريمة ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة" و"التدخل في جريمة قتل رفيق الحريري عمداً باستعمال مواد متفجّرة".

وفي مارس 2018، رفضت المحكمة طلباً بتبرئة عنيسي بعدما قال محاموه إنّ الادعاء لم يقدم أدلة كافية لإدانته، ووافق القضاة على أن معظم الأدلة المقدمة ضده، والتي يستند معظمها إلى تسجيلات من شبكات الهواتف النقالة وشرائح الهواتف المستخدمة في الهجوم، هي ظرفية.

إلا أن القاضية اعتبرت أنه "يوجد ما يكفي من الأدلة التي يمكن أن تستنتج المحكمة منها أن عنيسي... كان يعلم مسبقاً بطبيعة خطة اغتيال الحريري وبشكل خاص استخدام عبوة ناسفة في مكان عام".

حسن حبيب مرعي

قررت المحكمة الدولية ملاحقة مرعي 54 عاماً العام 2013، وضمته في فبراير 2014 قضيته إلى المتهمين الآخرين، ووُجهت لمرعي أيضاً اتهامات بـ"التدخل في جريمة ارتكاب عمل إرهابي" وقتل الحريري والقتلى الآخرين عمداً.

أغتيل الحريري يوم 14 شباط 2004

السجن المؤبد

وفي حال تمت إدانتهم، من المحتمل أن يتم الحكم بالسجن المؤبد، ويُتلى حكم العقوبة في جلسة علنية منفصلة عن جلسة النطق بالحكم، وأوضح متحدث باسم المحكمة أنه "إذا كان الشخص المدان طليقاً وغير حاضر عند تلاوة الحكم والعقوبة تصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرة توقيف بحقه".

ويحق للادعاء والمدان استئناف الحكم أو العقوبة، وفي حال توقيف أحد المتهمين يجوز له أن يطلب إعادة محاكمته، ولا يعني النطق بالحكم أو العقوبة انتهاء عمل المحكمة، كونها فتحت قضية أخرى العام الماضي موجهة تهمتي "الإرهاب والقتل" لعياش في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.

جريمة غيرت مسار لبنان

وبالرغم من مرور 15 عاماً على اغتيال الحريري في وسط بيروت، لا يزال اللبنانيون يتذكرون تفاصيل ذلك اليوم الذي غيّر مسار البلد الصغير.

كان موكب الحريري عائدا من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة في وسط بيروت، عندما دوى انفجار ضخم استهدفه لدى وصوله قبالة فندق سان جورج على الطريق الساحلي، بعد دقائق، كانت شاشات التلفزة تنقل مباشرة صور سيارات مشتعلة، بينما تسبّب تطاير الركام في تحطيم زجاج نوافذ في دائرة قطرها نحو نصف كيلومتر.

عمّت الفوضى والذعر لوقت قصير، قبل أن تعلن وسائل الإعلام أن المستهدف هو الحريري، بحسب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تولت التحقيق في الجريمة، فجّر انتحاري يقود شاحنة فان بيضاء من طراز ميتسوبيشي ما يعادل طنين من مواد شديدة الانفجار عند الساعة 12.55 ظهراً، بعد جزء من الثانية من مرور السيارة الثالثة في الموكب وهي من طراز مرسيدس "إس600" كان الحريري يقودها بنفسه.

سمعت بيروت بأكملها أو شعرت بالانفجار الضخم. ظنّ كثيرون أن زلزالاً ضرب المدينة فيما أحدث الانفجار حفرة بعرض عشرة أمتار وعمق مترين في المكان الذي أقيم فيه فيما بعد نصبا تذكاريا للحريري.

كانت الصدمة كبيرة، إزاء العملية التي قتلت رفيق الحريري، رجل ارتبط اسمه بشكل وثيق بلبنان وبمرحلة إعادة الاعمار ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990) وبشبكة علاقات دولية نسجها ووظفها لصالح بلده.

كان الانفجار قويا الى درجة تمّ العثور على إحدى الجثث بعد 17 يوماً نظراً لحجم الدمار الكبير الذي خلفه التفجير متسبباً أيضا بإصابة 226 شخصاً بجروح.

بعد ساعات على حصول التفجير، تفقد سعد الحريري، نجل رفيق الحريري الذي كان بعيدا في ذلك الوقت عن العمل السياسي، مكان التفجير، وسألته وسيلة إعلام أجنبية إن كان يعرف من يقف وراء اغتيال والده، فأجاب "الأمر واضح، لا؟". ووجهت أصابع الاتهام، على ألسنة سياسيين وأحزاب، الى دمشق.

علامة فارقة 

وجاء اغتيال الحريري، الذي استقال من منصبه في 2004، في فترة بالغة الحساسية وفي خضم توتر مع دمشق، التي كانت قواتها منتشرة في لبنان وتتحكم بمفاصل الحياة السياسية، وشكل اغتياله علامة فارقة في تاريخ البلاد، بعدما دفعت النقمة الشعبية وتحالف "14 آذار" السياسي الواسع الذي أفرزه، إلى انسحاب السوريين.

فقد نزلت أعداد ضخمة من اللبنانيين الى الشارع تحتج على الاغتيال وتتهم سوريا به، حصلت نقمة أسقطت على الفور الحكومة القريبة من دمشق برئاسة عمر كرامي، وهتف المتظاهرون في وسط بيروت "سوريا اطلعي برّا".

وفي 14 مارس 2005، نزل مئات الآلاف الى الشارع، كان يوما تاريخيا لعب دورا حاسما في خروج القوات السورية من لبنان في أبريل، لكن في غضون ذلك، كان حزب الله، حليف دمشق، دعا الى "يوم وفاء" لسوريا في الثامن من مارس شارك فيها أيضا مئات الآلاف.

وانقسم لبنان بعد ذلك لسنوات طويلة بين "قوى 14 آذار" المناهضة لسوريا و"قوى 8 آذار" المؤيدة لها، وفُتحت صفحة جديدة في تاريخ لبنان أخرجت دمشق من المشهد السياسي المباشر في البلاد.

وتوجه التحقيق الدولي أولا نحو سوريا، لكن ما لبث أن توقف عن ذكر دمشق، ووجّه الاتهام الى عناصر في حزب الله، بالتخطيط وتنفيذ الاغتيال، وتمكن حزب الله، القوة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بترسانة سلاح في لبنان الى جانب القوى الأمنية الشرعية، من ملء الفراغ الذي خلفه غياب دمشق سياسياً وتحوّل رويداً رويدا إلى قوة أساسية تتحكم بمسار الحياة السياسية في البلاد.

زلازل

وخلال المحاكمة، قال الادعاء إنه جرى اغتيال الحريري كونه كان يُشكل "تهديداً خطيراً" للنفوذ السوري في لبنان، الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية وترتبط قواه السياسية بدول خارجية، ويقر المدعون بأن القضية تعتمد على أدلة "ظرفية" لكنهم يجدونها مقنعة، وتعتمد أساساً على تسجيلات هواتف خلوية قالوا إنها تبين مراقبة المتهمين للحريري منذ استقالته وحتى الدقائق الأخيرة قبل التفجير.

وورد في القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة أنه يقوم على أدلة "ظرفية تقوم على الاستنتاج والاستدلال المنطقيين"، بحسب نص القرار بالعربية، وأبرزها "التلازم المكاني" لسلسلة طويلة من الاتصالات الهاتفية التي أجراها المتهمون من هواتف محمولة عدة.

وأكد سعد الحريري الأسبوع الماضي أنه "لم نقطع الأمل يوماً بالعدالة الدولية وكشف الحقيقة"، داعياً أنصاره إلى التحلي بالصبر و"تجنب الخوض بالأحكام والمبارزات الكلامية على وسائل التواصل الاجتماعي".

أما رئيس الوزراء الحالي حسان دياب، الذي شكل حكومته قبل أشهر بدعم من حزب الله، فحذر الأسبوع الماضي من "ارتدادات استحقاق 7 أغسطس"، وقال "بحسب معلوماتنا، المعنيون في هذه القضية سيتعاطون معها بشكل مسؤول لوقف الاصطياد بالماء العكر الذي قد يلجأ له البعض"، ونفى حزب الله الاتهامات الموجهة إليه ورفض تسليم المتهمين.