بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

"فتاة كازابلانكا"... رواية المهاجرين الأفارقة المشردين في المغرب

مهاجرون أفارقة في المغر
AvaToday caption
. "كراج" مشتبه في ضلوعه في موت "إشراق" لفشله في إخضاعها، والأمر نفسه ينطبق من وجهة نظر "سيسيه" على "داوودي" بما أنه فشل هو الآخر في جعل تلك الفتاة واحدة من محظياته
posted onApril 10, 2020
noبۆچوون

علي عطا

تقع أحداث رواية "فتاة كازابلانكا" للكاتب الكونغولي إن كولي جان بوفان (1954)، التي ترجمتها دينا علي من الفرنسية إلى العربية ( دار العربي – القاهرة)، في المدينة المغربية التي لطالما كانت موضوعاً لأعمال أدبية وفنية بلغات شتى. ومن بين تلك الأعمال التي يرد ذكرها في رواية بوفان، فيلم "كازابلانكا" للمخرج مايكل كورتيز، بطولة همفري بوغارت وأنغريد بيرغمان، من إنتاج عام 1942 ويحكي عن تدفق اللاجئين بعد سقوط فرنسا في يد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية على الدار البيضاء، باعتبارها نقطة الانطلاق إلى أسبانيا ومنها إلى أميريكا. ومن أحدث تلك الأعمال؛ فيلم مصري يحمل العنوان نفسه "كازابلانكا"، من إنتاج سنة 2019، من إخراج بيتر ميمي، حقَّق المركز الثالث في قائمة أعلى الأفلام دخلاً في تاريخ السينما المصرية، ويتحدث عن تشكيل عصابي للسطو على السفن. وهناك كذلك رواية "سفاح كازابلانكا" الصادرة في 2018 للكاتب المغربي عبد الإله الحمدوشي وتتناول جرائم قاتل متسلسل يتجول حراً في شوارع المدينة التي تبعد نحو 95 كيلومتراً عن العاصمة الإدارية الرباط، علماً أنها تقع وسط غرب المغرب على ساحل المحيط الأطلسي، وتعتبر المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في المملكة، وثالث المدن الأكثر ازدحاماً في أفريقيا بعد لاغوس والقاهرة.

تتسم رواية "فتاة كازابلانكا" الصادرة بالفرنسية عن دار "أكت سود" الفرنسية، كذلك بطابع تشويقي، من خلال جريمة قتل الفتاة المشار إليها في عنوان العمل الذي ينتهي من دون توضيح قاطعٍ لملابساتها، فتقيَّد رسمياً على أنها مجرد حادث لا شبهة جنائية وراءه. لكن هذا الإطار نفسه ينطوي على تصوير تفصيلي بعين كاميرا لعدد من الأحياء الفقيرة في المدينة حيث يعيش مهاجرون أفارقة يجري ترويعهم ليتركوا مساكنهم التي يرغب مستثمرون في إزالتها لتقوم مكانها عقارات تجتذب الأثرياء من المواطنين والسياح، على حد سواء.

"سيسيه" و"إشراق"

الشخصية الرئيسية في هذا العمل شاب يدعى "سيسيه"؛ مهاجر غير شرعي من الكونغو كينشاسا، كان يخطط للهجرة إلى فرنسا، ولكن بعد أن دفع لبحار جزائري 500 دولار مقابل أن ينزله على شاطئ نورماندي، وجدَ نفسه في كازابلانكا، فاضطر للسكن في أحد أحيائها الفقيرة وكسب ما يعينه على العيش مِن إغواء نساء أوروبيات عبر الإنترنت وابتزازهن ليرسلن له مالاً خشية افتضاحهن بعد أن سجَّل فيديوهات تظهرهن في أوضاع إباحية. يتعرَّف على "إشراق"، وهي فتاة مغربية فائقة الجمال، ويقنعها بالعمل معه لاصطياد الرجال وابتزازهم بالطريقة ذاتها، بعدما باتت حيله في اصطياد النساء مكشوفة، وضعُفَ أمله في أن تتزوجه إحداهن وتسهل له الهجرة إلى أوروبا في شكل شرعي، بما أنه لا يرغب في الوصول إلى هدفه ذاك من طريق قارب غير شرعي، لأنه لا يجيد السباحة

سردُ الأحداث التي وقعت في العام 2016 على الأرجح، يتولاه راوٍ عليم يعرف المدينة جيداً، كما يعرف المنطقة وأحداثها المرتبطة بثورات الربيع العربي، وهو لا يحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويرى أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي هو مَن يقف وراء قتل الزعيم الليبي معمر القذافي. فضلاً عن أنه – أي السارد الرئيسي- قارئ جيد لأدب آسيا جبار ومحمد شكري، ومولع مثل الشخصية الرئيسية في العمل بالأغاني الشعبية الأفريقية. وهو يبدأ بالذروة المتمثلة في عثور سيسيه على صديقته "إشراق" جثة هامدة قرب منزل بسيط كانت تقيم فيه مع والدتها "زهيرة" التي تعاني اضطراباً عقلياً، ومع ذلك يقصدها البعض لتدلهم على حلول لمشاكلهم باعتبارها "عرَّافة". وعندما يتوجه سيسيه إلى "العميد داوودي"؛ ضابط الشرطة المسؤول عن أمن المنطقة ليبلغه بالأمر، يقبض عليه الأخير ويضعه في زنزانة لبضعة أيام، باعتبار أنه قد يكون وراء موت تلك الفتاة التي تبلغ من العمر 28 عاماً وترفض أمها أن تخبرها بهوية والدها الذي لا تعرفه الأهم على الأرجح بما أنها كانت ترتبط بعلاقات جسدية مع عدد من الرجال في الوقت ذاته.

تدور الشكوك أيضا حول "نور الدين كراج"، وهو بلطجي يدير ملهى ليلياً، و"فريدة عزوز" التي تمتلك مساكن عدة في الحي الفقير وتستعين بـ"كراج" ليروع ساكنيها الذين يرفضون مغادرتها، وذلك في إطار مشروع لثري أجنبي يرغب في أن يكون هذا النطاق الفقير من الدار البيضاء في حوزته ولا يعيقه عن ذلك سوى تشبث السكان من مواطنين ومهاجرين به. "كراج" مشتبه في ضلوعه في موت "إشراق" لفشله في إخضاعها، والأمر نفسه ينطبق من وجهة نظر "سيسيه" على "داوودي" بما أنه فشل هو الآخر في جعل تلك الفتاة واحدة من محظياته. أما "فريدة" فهي أيضاً كانت تحقد على "إشراق" لاعتقادها أنها السبب في أن زوجها المخرج المسرحي "أحمد الشرقاوي" أصبح يهملها. والحقيقة أن "الشرقاوي" انجذب لسبب غامض نحو "إشراق" قبل أن يساوره شك بعد رحيلها، في أنها ربما تكون ابنته بما أنه ارتبط بعلاقة جسدية مع أمها انتهت قبل مولدها بفترة وجيزة. أما "داوودي" الذي كان يخفي تعاطفه مع الساعين لطرد سكان الحي الفقير من مساكنهم، على أمل أن يتيح له ذلك الحصول على رشاوي سخية، فقد انتهت الرواية بالايحاء بأنه الأب الحقيقي لـ"إشراق" بعدما رأى أمها وتذكَر أنه اغتصبها قبل نحو 28 عاماً، ومن ثم تسوء حالته النفسية إلى الحد الذي يجعله قريباً من المصير الذي آلت إليه "زهيرة" التي تدهورت حالتها العقلية تماماً بعد موت ابنتها، وخصوصاً عندما أبلغها هذا الضابط أن ما وقع لها ليس سوى مجرد حادث نجم عن عن تعثرها بسبب رياح عاصفة (يسميها السارد رياح "الشرقي" ويؤكد أنها تدفع مَن يتعرض لها إلى ارتكاب أعمال جنونية!) والتفاف سلك طبَق لاقِط حول رقبتها، ما جعلها تبدو وكأن أحداً قد ذبحها بسكين!

مصادفات مصطنعة

هذه الحكاية/ الإطار يعيبها الاتكاء على مصادفات مصطنعة أكثر منها منطقية، ومنها إضافة إلى تفسير موت "إشراق" على ذلك النحو، أن الضابط الذي يحقق في الحادث هو نفسه الذي اغتصب أمها، ويُرجَح أنه والدها. وفي التفاصيل أمور يصعب تصديقها، فعندما كان الضابط الشاب يعزف وهو ثمل على العود أثناء نوبة حراسة ويغني مع ثلاثة من زملائه أغنية أم كلثوم "سيرة الحب"! تتسلل إليهم "زهيرة" منتشية باللحن وبالكلمات: "لانا أد الشوق وليالي الشوق..."، فترقص على النغمات، وهنا: "أخذَ العوَّاد يرقص على أنغام الدربوكة التي ضاعفَت مِن حماسة الحاضرين، ثم أمالَ جسدَه إلى الوراء وألقى بوزنه على ظهر زهيرة... وضع يده على فمها، وقبض بيده الأخرى على فخذها لرفعها على الطاولة... غطى جسده جسدها، وركَّز بصرَه على وشمٍ أزرق على شكل قمر مصحوب بهلالين! على كتفها الأيمن، ثم غرسَ أسنانه فيه" صـ 204- 210. فالغريب هنا هو أن الضابط وزملاءه تعاملوا مع "زهيرة" على أنها فتاة مجهولة، مع أن السرد في صفحات سابقة وأخرى لاحقة يؤكد أنها كانت بتسكعها الصاخب في الشوارع أشهرَ مِن نارٍ على علَم. وهكذا يريدنا الكاتب أن نقتنع بأن الضابط لن يتذكَّر "زهيرة" وما فعله بها إلا بعد أن تُمزق ملابسها، وهي عنده في المخفر لتسأله عن نتيجة التحقيق في موت ابنتها،  فينكشف الكتف بالوشم إياه الذي غرسَ أسنانه في موضعه ذات نوبة حراسة ليلية؛ صاخبة بالخمر والرقص والغناء والعزف على العود والدق على "الدربوكة"! ضابط الشرطة ينشغل بمحاولة فك لغز موت "إشراق"، ومتابعة نشاط سيدة الأعمال "فريدة عزوز" ومستثمر أجنبي، يريد الاستيلاء على "درب الطليان" وحي "كوبا"؛ حيث تدور غالبية أحداث الرواية، ويعاونه ضابط يدعى "لحسين شكري"، يزعم؛ بحسب الراوي العليم، أنه قرأ رواية "زمن الأخطاء أو الشطار" لمحمد شكري، فأثَّرت فيه كثيراً، لدرجة أنه اختلق أسطورة تقول إن صاحب رواية "الخبز الحافي" هو عمه وأنه كتب له رواية "الشطار" حتى لا يحيد عن الطريق الصحيح... "كان مقنعاً للغاية، لدرجة أنه هو نفسه صدَّق تلك الكذبة. صار الشارع كما عرفه في الأدب مدرسةً حقيقية" صـ137.

وفي إطار المصادفات كذلك، يتعلق المخرج المسرحي "أحمد الشرقاوي" بـ"إشراق"، ويهديها نصاً سمعياً باللغة العربية لرواية كوثر حرشي عنوانها "في الأصل، أبونا الغامض"، التي يعمل على تقديمها على خشبة المسرح. تتعدد لقاءات "الشرقاوي" و"إشراق"، في شقة يخصصها الأول لمغامراته بعيداً عن عيني زوجته "فريدة عزوز"، لنعرف أنه كان في شبابه على علاقة بأمها، ومن ثم يراوده شعور بأنها ربما تكون ابنته... "باتت إشراق على يقين من أنه لا يرغب في جسدها كالآخرين. لم تكن تفهم حقاً ماذا يريد منها، كل ما تعرفه هو أنه يحتاج إلى رؤيتها كما تحتاج هي إلى رؤيته".  وكوثر حرشي ليست شخصية خيالية، فهي روائية وباحثة فرنسية من أصل مغربي، ولها كتاب بعنوان "لا أمتلك سوى لغة واحدة، وهي ليست لغتي". وهي بذلك تلتقي مع بوفان الذي يكتب بالفرنسية ونشر روايته الأولى "قصة للأطفال" عام 1996، وعاش لفترة في بلجيكا، قبل أن يعود إلى كينشاسا ويؤسس هناك دار نشر في عام 1991، لكنه يغادرها عائداً إلى بروكسل ليستقر فيها منذ العام 1993.  

وعبر تقنية الفلاش باك، نعرف أن "سيسيه" و"إشراق" كانا لا يفترقان تقريباً في محيط مهاجرين من شتى بلدان أفريقيا، "حيث ينتشر مصففو الشعر الذين يعقدون الجدائل بمهارة، ويجلس الشباب الذين يتطلعون إلى الوسامة باستسلام تحت ماكينات الحلاقة، فيما تصدح الأغاني النيجيرية الصاخبة. كما تباع في الأسواق النباتات التي تستخدم في المطبخ الأفريقي والسمك المدخن والبامية ويتحدث الناس بلغات وسط وشرق وغرب أفريقيا"، فيما الحكومة المغربية "تنوي تسوية أوضاع أكثر من مئة ألف مهاجر أفريقي". "سيسيه" اتجه أصلاً من كينشاسا إلى لومي، عاصمة توجو، ليتمم صفقة تجارية صغيرة لعمته "موجينجا" في حدود 3 آلاف دولار، لكن نشالاً يسرق المال، فيجد سيسيه نفسه غير قادر على العودة إلى الكونغو، وفي الأخير استقل حافلة إلى أبيدجان، في كوت ديفوار، ثم غادر إلى ياموسوكرو، ومنها إلى بوبوديولاسو؛ في بوركينا فاسو، ثم إلى باماكو في مالي. بعدها استقل حافلة أوصلته إلى الحدود بين السنغال ومنطقة كايس في مالي، ليصل أخيرا إلى داكار، محطته الأخيرة قبل الوصول إلى الدار البيضاء، وفيها يتجدد حلم الهجرة إلى أوروبا، قبل أن تشتعل موجة عداء يؤججها المستثمر الأجنبي ومعاونوه، وتبدأ بقتل أحد أصدقاء "سيسيه" على يد أستاذ جامعي في لحظة جنون تعري عنصرية كانت كامنة في نفسه، ولم يكن في السابق يعبر عنها بأكثر من نظرات ازدراء يصوبها بين الحين والآخر إلى "سيسيه" نفسه الذي يجاوره في السكن، ومن ثم بات الأخير أقرب إلى أن يذهب ضحية قتل على الهوية، قبل أن يصل إلى بلد أوروبي يعرف أنه عامر بالعنصرية ضد الأجانب، لكنه – على الأقل- يعد بمستوى مادي أفضل.