فاروق يوسف
ألقى إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خطابا ناريا في مخيّم عين الحلوة بالجنوب اللبناني.
هدّد هنية إسرائيل بصواريخ حماس من غير أن يشير إلى أن حركته كانت سعيدة بالتسوية التي أشرفت عليها دولة قطر وجنّبت منذ أيام غزة دمارا شاملا.
لم يكن مطلوبا منه أن يخبرهم بتلك الهبة القطرية الإسرائيلية المشتركة وفي الوقت نفسه ما كان عليه أن يضحك على فلسطينيين يعيشون أوجاع نكبتهم كما لو أنها حدثت أمس.
لقد استقبله المستضعفون وهم الذين لا يملكون حلا لمشكلاتهم المتوارثة في ظل الدولة التي يقودها حزب الله الذي وجه إليه الدعوة التي هي بمثابة الإعلان الرسمي لعودة حركة حماس إلى أحضان إيران.
ضحك هنية على الناس البسطاء الذين استقبلوه بحفاوة. فهو يعرف أن الحقيقة تضيع وسط الهتافات العاطفية. القضية التي يتاجر بها هذا الرجل الثري هي القوت اليومي لسكان ذلك المخيم السجناء.
إنهم سجناء قضية لم تغادر مربعها الأول فيما استطاع هنية ورفاقه أن يختطفوا من خلال تلك القضية غزة وأهلها ويقيموا دويلة لا علاقة لها بالكيان الفلسطيني المستقبلي إذا ما نجحت السلطة الفلسطينية في اجتياز محنة المفاوضات مع إسرائيل.
اقتطعت حركة حماس قطاع غزة ولاية خاصة بها هي جزء من دولة الإخوان المسلمين المستقبلية. ليست فلسطين بالنسبة لهنية ورفاق حركته سوى مركب مؤقت يقلّهم إلى مكان آخر لا علاقة له بما يفكر فيه الفلسطينيون الذين ينتظرون بلهفة زيارة أي زعيم فلسطيني لكي يتأكدوا من أن النسيان لم يلفهم بشكل كلي.
تلك نقطة ضعف تعامل معها هنية بطريقة لئيمة بحيث أنه لم يكاشف أهالي المخيم بجزء ولو صغير من حقيقة الوضع الذي انتهت إليه القضية بل أصرّ على ترديد شعارات صارت أشبه بالفقاعات الهوائية لا لأنها تنتمي إلى زمن تم تجاوزه فحسب بل لأنها أيضا تحول القضية إلى ما يشبه العرس البلدي الذي يختلط فيه التهريج بالنفاق الاجتماعي.
لو كان هنية زعيما فلسطينيا حقيقيا لسأل المحتفين به عن أحوالهم وعما يعانون منه ولكاشفهم بأسباب تنقل حركته من حضن إلى آخر تبعا للجهة التي تدفع أكثر ولانفتح على مصير الشقاق الداخلي الفلسطيني الذي يقف وراء ضعف الجانب الفلسطيني في مفاوضاته مع إسرائيل.
أما وقد اختار ترديد الهتافات التي ترضي عاطفة البسطاء منهم فإنه قد قرر أن يبقيهم في المربع الذي ورثوا الإقامة فيه من غير أن يساعدهم على أن يغادروا حالة اليتم التي يعيشونها. فهم يولدون ويموتون في نوع من الخواء الذي لا يمكن تفسيره. أما في ما يتعلق بالأمل الذي يجب عدم إفساده فقد كان مطلوبا التعامل معه بحذر لكي لا يتحول إلى سبب للسخرية.
كان على هنية ألا يسخر من شعب لا يزال يحلم بالعودة.
الجمل المستهلكة التي رددها هنية هي انتهاك صارخ لذلك الأمل بكل ما ينطوي عليه من تفكير بحقوق صارت منسية بالنسبة للقيادات الفلسطينية بشرقها وغربها. قال هنية ما يردده حزب الله ليل نهار من غير أن يعمل على تغيير أوضاع شباب عين الحلوة المعيشية وبالأخص على مستوى الحصول على عمل قانوني.
لم يكن مخيم عين الحلوة في حاجة إلى إسماعيل هنية لكي يعرف أهله، صغارهم وكبارهم أن ما من شيء جديد. فالمخيم صار مستقرهم النهائي ما دامت القيادات الفلسطينية تلعب في الحيّز نفسه الذي لعبت فيه أجيال متتالية من غير أن تصل إلى حل.
فإذا كان هنية قد هدّد إسرائيل بصواريخه التي لم تمسّ من قبل هدفا حيويا إسرائيليا فإن سكان المخيم الذين استقبلوا ضيفهم بحفاوة قد عادوا إلى بيوتهم يائسين وهم يرددون هتافاتهم القديمة كما لو أنها أغاني أطفال.