Ana içeriğe atla

بومبيو وفتنة حزب الله

مايك بومبيو
AvaToday caption
غادر الوزير الأميركي لبنان، تاركا القرار لرئيسه دونالد ترامب بشأن العقوبات التي ستتوالى على حزب الله، ولكن ليس لغاية القضاء عليه، بل لمزيد تطويعه بما يتناسب مع الإستراتيجية التي تتطلب المحافظة على الستاتيكو القائم على حدود إسرائيل
posted onMarch 26, 2019
noyorum

علي الأمين

يعتقد حزب الله أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في زيارته إلى لبنان قبل أيام، حمل “مشروع فتنة” بين اللبنانيين، وقد انشغلت المؤسسات الإعلامية التابعة للحزب بالترويج لهذه المقولة قبل وصوله واستمرت بعد مغادرته، لا بل وُجهت معظم مقدمات نشرات الأخبار التلفزيونية اللبنانية الحليفة، للإضاءة على هذه العبارة وترديدها إثر مغادرة بومبيو بيروت بعد جولة شملت الكويت وإسرائيل، ثم بدأت نشراتها الإخبارية لاحقا، بالإعلان عن ظهور الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله على شاشة “المنار” مساء الثلاثاء للرد على المؤامرة الأميركية على لبنان، وتفنيد ما قاله بومبيو خلال لقاءاته اللبنانية.

وسائل الإعلام اللبنانية باتت خاضعة في معظمها لتوجيهات “العلاقات الإعلامية في حزب الله” في ظاهرة تشبه، بل تتفوق على تلك المرحلة التي عاشها لبنان في زمن الوصاية السورية، حين كانت وسائل الإعلام تخضع لنظام توجيه ورقابة، لاسيما في القضايا التي تتصل بمصالح نظام الوصاية على لبنان، ومتطلباته الإقليمية والمحلية.

لذا فإن المشهد السياسي والإعلامي في لبنان كان يردد ما يُمْلى عليه، ليغرق في موجة شعارات واستعراضات بطولية للتغطية على حقيقة أشدّ وأقسى، هو الواقع اللبناني البائس ماليا واقتصاديا، بفعل سوء الإدارة وفساد السلطة، وغياب منطق الدولة، لصالح الاستعراض السياسي المفتعل عن إفشال السلطة اللبنانية مؤامرة الفتنة المزعومة التي حملها بومبيو إلى اللبنانيين.

يعرف الجميع ومنهم حزب الله، أن لا وجود لأي ميليشيا في لبنان تمتلك السلاح سواه، ولكي لا نكتفي بمقولة إن اللبنانيين سئموا الحروب وذاقوا أهوالها وكوارثها، فإن مقتضى الفتنة أن تكون هناك قوى ميليشياوية تتلقى السلاح والدعم المالي لإحداث الفتنة، وهو غير موجود، لا بل إن الحكومة الأميركية تقصر دعمها في لبنان على مؤسسات الدولة ولاسيما الأمنية والعسكرية، بخلاف إيران التي تقصر دعمها على حزب الله كمشروع أيديولوجي أمني غايته السيطرة على الدولة وإضعافها.

أما خصوم إيران من الدول العربية، فليس من أولوياتهم لبنان، بحيث يمكن أن يلمس المراقب أن غاية الحضور العربي في لبنان، لا تتجاوز الوجود الدبلوماسي والاجتماعي، في ظل تراجع وانكفاء غير عفوي لتلك الدول، لم يشهده لبنان منذ تأسيسه.

لم يحمل الوزير الأميركي إلى اللبنانيين غير ما سمعوه من واشنطن قبل زيارته من رسائل شديدة الوضوح. ما قاله يعني استمرار العقوبات وتصعيدها على حزب الله، ودعم خيار الدولة في لبنان، في إشارة ضمنية إلى أن لبنان معني بأن يعيد ترتيب العلاقة مع حزب الله بما يضمن التزامه بمصالح الدولة اللبنانية لا إيران، ويدرك الوزير الأميركي أن ليس في مقدرة مؤسسات الدولة مواجهة سطوة حزب الله وسلاحه، فضلا عن أن مسؤولي الدولة يسلمون إلى حدّ كبير بأن لبنان بات فعليا ضمن المحور الإيراني، ولكن بومبيو الذي تحدث بمنطق الدولة تجاه لبنان، كان يقوم بتبليغ مباشر للموقف الأميركي الرسمي، وبالتالي فهو يريد أن يمهد في هذه الزيارة لحزمة عقوبات على حزب الله وبعض المتعاونين معه من سياسيين لبنانيين، مدركا أنها لن تغير من واقع الحال السياسي اللبناني.

بومبيو الذي حمل لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بشارة” الاعتراف الأميركي بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل، أراد التغطية على هذا القرار برفع الصوت في لبنان، لاسيما أن حزب الله الذي دخل إلى سوريا محاربا ولا يزال، زاعما بأنه يواجه المشروع الأميركي الصهيوني، يُنتظر منه أن يرد على الخطوة الأميركية في الجولان، ولكن يكشف الموقف الأميركي في القدس قبل أشهر وفي الجولان اليوم، أنه اختار التوقيت المناسب للاعتراف بالقدس وضمّ الجولان، أي التوقيت الذي أعلنت فيه إيران انتصارها في سوريا، وأحكم حزب الله فيه السيطرة الكاملة على لبنان، هذه ليست مفارقة بل تكشف إلى حدّ بعيد، أن إستراتيجية إيران كما إستراتيجية إسرائيل المتصادمتين في الشكل، متقاطعتان في نظام الأولويات الإستراتيجية التي تقوم على تقاسم كل منهما ما أمكن من كعكة السيطرة والنفوذ على الدول العربية.

وللتوضيح، فقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت الأحد الماضي، إن إيران معنية بفوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية، التي ستجرى في التاسع من أبريل المقبل. وأضاف أولمرت “لا يوجد أمر تريده إيران، أكثر من بقاء نتنياهو في رئاسة الحكومة”.

غادر الوزير الأميركي لبنان، تاركا القرار لرئيسه دونالد ترامب بشأن العقوبات التي ستتوالى على حزب الله، ولكن ليس لغاية القضاء عليه، بل لمزيد تطويعه بما يتناسب مع الإستراتيجية التي تتطلب المحافظة على الستاتيكو القائم على حدود إسرائيل، وبما لا يخل بالأطماع الإسرائيلية، وخطوات تهويد كامل فلسطين.

لا يخل بهذه الإستراتيجية بل يعززها أن يستمر التلويح بسيف “المقاومة” ضد إسرائيل من لبنان وغزة، لكن ليستخدم هذا السيف في المزيد من قتل روح المقاومة سواء في غزة أو في لبنان وسوريا، وهذا ما تنفذه عمليا حركة حماس ويقوم به حزب الله. الأولى من خلال ممارسة القمع علة أهل غزة الباحثين عن لقمة عيش، والثاني بات وجوده الفاعل متلازما مع إضعاف لبنان وانكفائه، إذ بات يمثل نموذجا للدولة الفاشلة المهددة في هويتها ووجودها، إثر فقدانها لدورها الطليعي عربيا وعالميا كمركز تفاعل حضاري وعنوانا للتنوع السياسي والثقافي.

 

كاتب لبناني