Ana içeriğe atla

تحوّل إيران إلى موقف أكثر عدوانية قد يكون دلالة على الضعف

عروض عسكرية إيرانية
AvaToday caption
رغم أن أداء مثل هذه التكتيكات قد يكون متدنيا بوجه قوة تقليدية فعالة، إلا أنها يمكن أن تكون مدعاة للقلق بالنسبة لإسرائيل وغيرها من الجهات الفاعلة في المنطقة إذا ما قررت إيران دمجها مع قوتها الصاروخية المتنامية أو مجموعة ميليشياتها الوكيلة المنتشرة في مختلف المناطق الخطرة
posted onFebruary 14, 2019
noyorum

فرزين نديمي *

خلال حقبة التدخلات العسكرية الإقليمية ما بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، سعت إيران إلى ردع محاولات اجتياحها من خلال تبني استراتيجية دفاعية اقترنت بنهجٍ غير متكافئ "متمحور حول التهديدات". وتستلزم هذه الاستراتيجية التركيز على نقاط الضعف الخاصة بإيران والأساليب التي قد يلجأ إليها أعداؤها لاستغلالها، وتطوير وسائل ملائمة للكشف عن التهديدات الوشيكة والرد عليها.

ولكن مع مرور الوقت، بدا أن النظام الإيراني يشكك في فعالية هذا النهج، خاصة بعد وصول ترامب إلى الرئاسة وقراره بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وما زاد من أجواء عدم اليقين هو الهجوم الإرهابي الفتّاك الذي نفّذه تنظيم "الدولة الإسلامية" في العام الماضي في الأهواز ـ والذي ألقت طهران مسؤوليته على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ـ شأنه شأن الضربات العسكرية المتعددة التي قامت بها إسرائيل ضد الأنشطة الإيرانية في سوريا.

واليوم، تشير خطابات طهران وأفعالها إلى أن موقفها الدفاعي القائم على التهديدات ربما يتراجع تدريجيا ليفسح المجال أمام نموذج هجومي "يركز على الأهداف". وسبق أن ألمحت القوات المسلحة إلى هذه الذهنية الجديدة على المستويين التكتيكي والعملياتي.

وإذا استمر هذا التوجه ـ خاصة إذا أدى إلى تحول استراتيجي أوسع ـ فقد يدفع القوات الإيرانية أو القوى الشريكة لها إلى زعزعة الوضع القائم في مسارح عملياتها مثل مرتفعات الجولان وغرب العراق واليمن (على سبيل المثال الحديدة ومضيق باب المندب). ويمكن أن يتفاقم هذا الاستعداد المحتمل للتصعيد بسبب قناعة النظام الظاهرة بأنه على وشك خوض حربٍ علنية مع إسرائيل.

بوادر عقيدة عسكرية جديدة

إن التهديدات الإيرانية باتخاذ إجراءات استباقية ليست بالأمر الجديد ـ فقادتها العسكريون يتحدثون عن الأمر منذ سنوات بلغة واضحة وصريحة. وفي الآونة الأخيرة، اتسمت هذه التصريحات بنبرة أكثر وقائية ردا على "الحرب الهجينة المعقدة الشاملة" (الصياغة التي استخدمها الأسبوع الماضي اللواء يحيى رحيم صفوي، الرئيس السابق لـ "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني والمستشار العسكري الحالي للمرشد الأعلى علي خامنئي) التي يُفترض أن الغرب يشنها ضد الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فإن فكرة إقدام إيران فعليا على نزاع احترازي يبقى مسألة مختلفة ـ إذ يجب أن تترافق أي خطط من هذا القبيل بإجراء استعدادات مقنعة على الأرض يتم إنجازها بالرغم من الصعوبات الاقتصادية والسياسية المحلية.

يعكس هذا التحول إقرار النظام بأن النموذج السابق لم يكن كافيا لمواجهة المخاطر التي تمثلها التهديدات العصرية المختلطة

وفي 27 كانون الثاني/يناير، أشار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري إلى أن الجيش الإيراني أصبح يتبع نهجا هجوميا جديدا في عملياته وتكتيكاته من أجل تعزيز إمكانيات الردع و"حماية مصالح إيران"، على الرغم من أنه لا يزال يعتمد استراتيجية دفاعية بشكل عام.

وكان قائد القوة البرية لجيش جمهورية إيران الإسلامية العميد كيومرث حيدري قد وصف هذا النهج قبل ذلك بيوم واحد بأنه "مقاربة مؤسساتية جديدة لشن حرب هجومية تركز على الأهداف"، لافتا إلى أن الفرع التابع له قد أوشك على الانتهاء من التحوّل إلى قوة أكثر خفة وذكاء مع وحدات قتالية جوالة من الفصائل تتميز بردّها السريع وبتجهيزاتها الميكانيكية بدلا من الفرق العسكرية التقليدية الكبيرة. كما أعلن أن الحرب التكتيكية غير المتكافئة أصبحت شيئا من الماضي بما أن القوات الإيرانية المعهودة أصبحت تتبنى بثقة "تكتيكات هجومية لأغراض دفاعية".

وفي الوقت نفسه، حين نفّذ الجيش سلسلة من المناورات العسكرية تحت اسم "اقتدار 97" في أواخر الشهر الماضي، ولاحظ المراقبون بعض التغييرات التكتيكية وقابلية تحرك أفضل بعض الشيء ـ رغم أنها كانت مشوبة بنواقص لا يستهان بها من حيث القوة البشرية والمعدات واللوجستيات.

وبالمثل، عندما أجرى "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني مناورات "الرسول الأعظم 12" في كانون الأول/ديسمبر، أفادت بعض التقارير أنه اختبر تكتيكات هجومية بحرية وبرية جديدة، وأجرى تدريبات على الهجمات الجوية بعيدة المدى على جزر العدو، بالإضافة إلى عمليات إنزال برمائية على المناطق الساحلية للعدو، وعملية واسعة النطاق للاستيلاء على الأراضي أجريت للمرة الأولى.

ورغم أن أداء مثل هذه التكتيكات قد يكون متدنيا بوجه قوة تقليدية فعالة، إلا أنها يمكن أن تكون مدعاة للقلق بالنسبة لإسرائيل وغيرها من الجهات الفاعلة في المنطقة إذا ما قررت إيران دمجها مع قوتها الصاروخية المتنامية أو مجموعة ميليشياتها الوكيلة المنتشرة في مختلف المناطق الخطرة.

وكما أشار نائب القائد العام لـ "الحرس الثوري الإسلامي" العميد حسين سلامي في 28 كانون الثاني/يناير، إلى أن إيران ستكثف استخدامها لتلك القوى الوكيلة "لمواجهة العدو متى قرر التحرك ضدنا".

من هنا، ومع أنه سبق لإيران أن استخدمت نهجا متمحورا حول التهديدات لتقرر ما إذا كانت ستُنشئ خطها الدفاعي على طول حدودها أو استغلال القوى الوكيلة لها خارج هذه الحدود، فمن المتوقع أن تزداد هذه الخطوط ضبابية في إطار النموذج الجديد.

الحاجة إلى تعزيز الثقة

إذا كانت إيران تسعى فعلا إلى إحداث تحوّل أكبر في عقيدتها، فقد يكون لديها عدة أسباب للقيام بذلك. ومن شأن هذا التحوّل أن يجدد الثقة بقدرات الجيش، ويبيّن التقدم الذي أحرزه النظام منذ نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية، ويعظّم أناشيد التهنئة الذاتية التي ستترافق دون شك مع احتفالات هذا الشهر بالذكرى السنوية الأربعين لتأسيس الجمهورية الإسلامية.

كما يمكن أن يعكس هذا التحول إقرار النظام بأن النموذج السابق لم يكن كافيا لمواجهة المخاطر التي تمثلها التهديدات العصرية المختلطة. وبالمثل، قد يشير ذلك إلى تراجع الثقة بقدرة الردع التي تمتلكها إيران وبإمكانياتها والسياسات القائمة على افتراض أن الأعداء العازمين والمتطوّرين سيجدون في نهاية المطاف وسيلة للتغلب على الدفاعات الإيرانية الثابتة في غياب التهديد الذي يشكله غياب قدرات هجومية قوية.

على المدى القريب، يمكن توقع المزيد من بوادر التوتر لدى طهران

بالإضافة إلى ما سبق، ثمة دلالة أخرى على ضعف إيران وهي أن قادة "الحرس الثوري" الإيراني قد أعربوا بشكل متزايد عن استيائهم من تلهّف الحكومة المفترض إلى التماس مساعدة الغرب في حل المشاكل الداخلية (على سبيل المثال، تسهيل المعاملات المالية والتجارية من خلال الآليات المبينة في الاتفاق النووي). وربما ردا على هذا الاستياء، أشارت شخصيات بارزة في النظام إلى رغبة أكبر في الدخول في تحالفات مع قوى غير غربية. على سبيل المثال، اقترح اللواء صفوي مؤخرا تحالفا استراتيجيا مع روسيا والصين لمواجهة ما وصفه بالحرب الهجينة للولايات المتحدة وإسرائيل ضد النظام.

وفي المقابل، ثمة احتمال بأن يكون التحول في المنهج الإيراني قد جاء ردّا على المقاربة الأميركية الجديدة المنوَّه عنها في استراتيجية الدفاع القومي التي أُعلنت في كانون الثاني/يناير 2018، والتي أكدت على إمكان توقعها استراتيجيا من قبل الشركاء ولكن لا يمكن التنبؤ به عمليا من قبل الأعداء. وهذا يعني أن طهران قد توضح لواشنطن بأنها ستردّ بطريقة دفاعية على أي تحرك متوقع، ولكنها ستردّ بطريقة هجومية وعنيفة على التحركات غير المتوقعة ـ كما حدث في مناورات "الاجتياح السَّربي" البحري ونيران الصواريخ التي نظّمتها القوات الإيرانية على عجل بالقرب من مجموعة حاملات الطائرات "يو أس أس ستينيس" التابعة للبحرية الأميركية حين قامت بزيارة إلى منطقة الخليج بإشعار قصير في كانون الأول/ديسمبر.

الخاتمة

إذا وصل زعماء إيران إلى مفترق طرق "كلاوسفيتزي" في تفكيرهم الاستراتيجي وارتأوا أن الحرب الهجومية المفاجئة هي وحدها التي يمكن أن تحقق انتصارا حاسما، فسيكون في ذلك ابتعاد جذري عن تركيزهم السابق بتحقيق مكاسب تدريجية من خلال الأعمال غير المباشرة والصبر الاستراتيجي.

ولكن هذا التحوّل قد لا يكون بعيد المنال في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المواطنين الذين يفقدون ثقتهم بالمؤسسة الحاكمة، وتُمارِس فيه إدارة ترامب ـ التي لا يمكن التكهن بخطواتها ـ ضغوطا أكبر.

وعلى المدى القريب، يمكن توقع المزيد من بوادر التوتر لدى طهران بشأن موقفها الرادع، على الأرجح من خلال قيامها بالمزيد من المناورات العسكرية وكشفها عن معدات وقدرات هجومية (حتى لو كانت موثوقية البعض منها موضع شك).

من هنا، يجدر بالمسؤولين الأجانب أن يراقبوا بشكل خاص وعن كثب ظهور إمكانيات الضربة الأولى، سواء على شكل أنظمة جديدة أو تحديثات للأنظمة القائمة. ويمكن أن يشمل ذلك أدلة على أن صاروخ "هويزة" الذي كشفت عنه إيران مؤخرا (والذي يُزعم أن مداه يبلغ 1,350 كلم) سيتم نشره على غواصات أو سفن تجارية، بالإضافة إلى إعلانات عن أسلحة ذات دقة أكبر ومدى أبعد على غرار الصاروخ الباليستي "دزفول" الذي يُزعم أن مداه يصل إلى 1000 كلم ويتمتع بقوة تفجيرية عالية.

* هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.