Ana içeriğe atla

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. هل يشكل فرصة لإيران؟

جنود أمريكا في جبال أفغانستان
AvaToday caption
تشير المعطيات الإقليمية إلى أنَّ إيران لم تترك الفراغات دون استغلالها خاصة في دولة جارة تكتسب أهمية في الإستراتيجية الإيرانية
posted onDecember 26, 2018
noyorum

محمد بن صقر السلمي

لم يمضِ سوى يومٍ واحدٍ على قرار مماثل قضى بسحب كافة القوات الأمريكية من سوريا، إذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 2018/12/19 بدء التخطيط لخفض عدد القوات الأمريكية المنتشرة فى ربوع الدولة الأفغانية منذ العام 2002 إلى 7 آلاف جندي أمريكي من إجمالي 14 ألف جندي-حسب صحيفة وول ستريت جورنال-وهو ما أثار جدلًا واسعًا بين أوساط المسؤولين والمتابعين للسياسات الخارجية الأمريكية تجاه إيران الجارة الكبيرة لأفغانستان، ومشاركة الولايات المتحدة في المباحثات والجهود السعودية الإماراتية المكثفة لإعادة الأمن والاستقرار وإيجاد حل سلمي للصراع الدائر في أفغانستان، وما إذا كان القرار الأمريكي يشكل فرصة مواتية لإيران لتعاظم نفوذهها في أفغانستان من منافذ متعددة سياسية ومذهبية واقتصادية تجاه الدولة الأفغانية.

تشير الوقائع السياسية في الإقليم الشرق أوسطي المضطرب، إلى أنَّ الانسحابات العسكرية للقوى الكبرى من الدول غير المستقرة سياسيًا والمضطربة أمنيًا قبل تعافيها حتمًا ستُطيل من أمد صراعاتها الداخلية وانتشار الجماعات الإرهابية المهددة للأمن والسلم الدوليين والتدافعات الخارجية ولا سيما من جهة الدول ذات النزعة التوسعية التي تسعى لبناء فضاء إقليمي واسع في مجالاتها الحيوي؛ إذ تجد فرصة سانحة لتمرير مخططاتها ومشاريعها ولا سيما إذا كانت تلك الدول غير المستقرة قريبة جغرافيًا لهذه الدولة ذات النزعة التوسعية، وهذا ما يفسر تقديم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استقالته من مهام منصبه في 2018/12/20؛ اعتراضًا-حسب مراقبين-على قرارات الرئيس ترامب المفاجئة للانسحاب الكامل من سوريا والجزئي من أفغانستان بعدما نجح ماتيس خلال العام 2017 في إقناع الرئيس ترامب بإرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان لمواجهة صعود حركة طالبان في المشهد الأفغاني.

وتشير المعطيات الإقليمية إلى أنَّ إيران لم تترك الفراغات دون استغلالها خاصة في دولة جارة تكتسب أهمية في الإستراتيجية الإيرانية بحكم وقوعها ضمن الفضاء الإقليمي الإيراني الواسع على الحدود الشرقية الإيرانية بحدود تصل لـ921 كم، و بالنظر إلى الروابط الثقافية والدينية بين الدولتين كاللغات المشتركة والتركيبة الديمغرافية الأفغانية ذات المكون الشيعي بنسبة 15-20% من الشيعة الأفغان-قبيلة الهزارة-من إجمالي 34.9 مليون نسمة حسب أرقام جهاز الاستخبارات الأمريكي يتوزعون في المناطق الجغرافية المتاخمة للحدود الإيرانية-الأفغانية في مدينة هِرات التي يطلق عليها إيران الصغرى غربي أفغانستان، فمدارسها وجامعاتها- جامعتي المصطفى الإسلامية وآزاد الإسلامية من أكثر الجامعات الإيرانية انتشارًا في أفغانستان في هِرات وكابل وغيرهما من المدن-وطقوسها إيرانية 100% أو على النمط الإيراني.

لم ترتكز إيران في تعظيم نفوذها في الدولة الجارة على المكون المذهبي فقط وإنما تعتمد على منافذ أخرى بعد توطيد علاقاتها مع الطاجيك الأفغان، حيث تؤوي أكثر من مليوني لاجئ أفغاني منذ تسعينيات القرن العشرين وعملت على تسليحهم ثم إرسالهم إلى أفغانستان للقيام بتشكيل جبهات قتالية موالية لإيران أو للزجّ بهم في الاقتتال الدائر في بعض الدول العربية كالصراعات الدائرة في سوريا والعراق واليمن إلى جانب صفوف حلفائها المحليين في هذه الدول، كما تحتفظ إيران منذ العام 2016 بعلاقات جيدة مع الحركات المعادية للولايات المتحدة خاصة حركة طالبان التي كانت أشد أعدائها في أفغانستان إبان حكمها قبل عام 2002 وَفق قاعدة “ليس هناك أعداء دائمون ولا حلفاء دائمون وإنما هناك مصالح دائمة”.

إيران لم تغب يومًا عن أفغانستان غير المستقرة منذ العام 2002، وتعزَّز نفوذها في الداخل الأفغاني منذ أن تضاءلت القوات الأمريكية في أفغانستان عام 2014 بانسحاب 100 ألف جندي من إجمالي 130 ألف جندي أمريكي من أفغانستان، وهو ما يتيح لإيران منافذ للتدخل السريع في أفغانستان المنهكة من الحرب لسنوات طويلة، بإشعالها جبهات القتال الداخلية بين الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيًا وحركة طالبان التي باتت تستجمع قواها وحضورها في المشهد الأفغاني تدريجيًا مع تضاؤل تواجد القوات الأمريكية في الأراضي الأفغانية منذ العام 2014، فوجود حكومة مركزية قوية ودولة أفغانية قوية يهدد المصالح والتمدد الإيراني في أفغانستان.

وعلى ما يبدو أنه رغم امتلاك إيران منافذ للداخل الأفغاني وأوراق ضغط ضد الجارة أفغانستان، وما سيمنحه القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان من انتصار تكتيكي لحركة طالبان التي باتت حليفة لإيران، وما سيتركه من فراغ قد يتيح لإيران السعي لاستغلاله، إلا أنه عند مقارنة المكاسب التي ستجنيها إيران من الانسحاب الأمريكي من سوريا بالانسحاب من أفغانستان، نكون أمام مكاسب تكاد تكون ضئيلة لإيران في المِلف الأفغاني، ومساحة فراغ أكبر في سوريا، بالنظر إلى إيلاء القيادة الإيرانية الأولوية لدول مَا يسمى بالهلال الشيعي كالعراق وسوريا ولبنان واليمن وأجزاء من الخليج العربي لتنفيذ الممر الإيراني الذي سيربط إيران بالبحر المتوسط، خاصة أن تلك الدول تحتوي على ميليشيات إيرانية مسلحة منتشرة في ربوعها مع مرور تلك الدول بمرحلة انتقالية تتيح لإيران التغلغل في مؤسساتها السياسية وأجهزتها الأمنية، بينما الوضع وإن كان غير مستقر في أفغانستان إلا أنه أفضل نسبيًا من سوريا خاصة مع وجود قوات أفغانية وقوات من التحالف الدولي من بينها قوات أمريكية؛ لمكافحة الإرهاب في أفغانستان فضلًا عن أن الانسحاب من سوريا كامل بينما من أفغانستان جزئي، وهو ما سيقلص من فرصة إيران في التمدد واستثمار الفراغ مقارنة بالوضع في سوريا.

كما لا تحظى إيران بعلاقات جيدة مع الحكومة الأفغانية ولا بشعبية كبيرة بين سكان أفغانستان من البشتون الذين يتطلعون إلى علاقات مع باكستان والمملكة العربية السعودية سعيًا وراء الدعم السياسي والديني بخلاف الوضع في سوريا، حيث تحظى إيران بعلاقات قوية مع نظام الأسد الذي يرى في إيران المنقذ والمدين لها بفضل إعادة السيطرة على مقاليد الأمور.

كما أن الأقليات الأفغانية مثل البلوش السنة حذرون من التعامل مع إيران بسبب المعاملة السيئة للبلوش الإيرانيين، بل حتى أقرب حلفاء إيران من الهزارة الشيعة، تساورهم الشكوك حول نيات إيران ويعارضون أيديولوجية الثورة الإيرانية، وعلى الرغم من كل ذلك ستتّحد الجهود السعودية-الإماراتية لتحقيق تسوية للأزمة الأفغانية بالتقارب بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية والإدارة الأمريكية؛ وذلك سيحدّ من الفرص الإيرانية في ملء الفراغ الذي سيتركه القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان، فمنذ يوليو التقى المبعوثون الأمريكيون ووفود طالبان أربع مرات خلال محادثات مباشرة برعاية سعودية إماراتية من أجل إيجاد حل سياسي للحرب الأفغانية الحالية.

ونختم بأنه من المتوقع أن يكون لقرار الإدارة الأمريكية بالانسحاب الكامل من سوريا والجزئي من أفغانستان بنهاية العام 2018 تداعيات جيوسياسية كبيرة في هاتين الدولتين غير المستقرتين، ممَّا قد يجعلهما مستمرتين في دوامة العنف والإرهاب والصراعات بين القوى الإقليمية والدولية وإطالة أمدها سيلحق الضرر بالأمن والسلم الدوليين لسنوات قادمة.