تواصل حكومة رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، التصعيد ضد الولايات المتحدة، ليصل التوتر إلى مستويات غير مسبوقة بين الجانبين.
واستجاب عبدالمهدي، الاثنين، لضغوط زعماء الميليشيات، التي تعدّ الراعي الوحيد للحكومة الحالية، وأصدر بيانا ضد الطيران الأميركي”غير المرخص” في الأجواء العراقية، في تطابق تام مع الخطاب الإيراني الذي يهيمن على السياسة العراقية.
وقال عبدالمهدي إن “الأعمال اللاقانونية واللامسؤولة التي يقوم بها البعض في استهداف القواعد العسكرية العراقية أو الممثليات الأجنبية هو استهداف للسيادة العراقية وتجاوز للدولة العراقية حكومة وشعبا، وهو عمل مدان من قبلنا وإننا نتخذ كل الإجراءات الممكنة لملاحقة الفاعلين ولمنعهم من القيام بهذه الأعمال”، لكنه استدرك موضحا “بالمقابل نتابع بقلق المعلومات التي ترصدها قواتنا من وجود طيران غير مرخص به بالقرب من مناطق عسكرية في سبايكر ومعسكر الشهداء في الدوز ومطار حليوة ومعسكر أشرف والمنصورية وغيرها”.
وجميع المناطق التي عددها عبدالمهدي، تضم مقرات مهمة تابعة لقوات الحشد الشعبي والفصائل والميليشيات، وتستضيف بانتظام ضباطا من الحرس الثوري الإيراني، وشهدت خلال الأيام الماضية تحليقا مكثفا للطيران الأميركي المسيّر.
وحذر عبدالمهدي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة العراقية، الولايات المتحدة من “مغبة القيام بأعمال حربية مضادة مدانة وغير مرخص بها”، معتبرا إياها “تهديدا لأمن المواطنين وانتهاكا للسيادة ولمصالح البلاد العليا”.
وواصل عبدالمهدي محاولاته التي يصفها المراقبون بأنها “جهود لتنظيم القتال الإيراني الأميركي داخل العراق”، قائلا “لقد أدنّا سابقا مثل هذه الأعمال وحذّرنا من آثارها الخطرة، وإننا نحذر اليوم كذلك من خطورة القيام بأي عمل تعرضي دون موافقة الحكومة العراقية، ونحمّل الجهة التي تقوم به مسؤولية ذلك”.
وتابع أن “كل الجهود يجب أن تتوجه لمحاربة داعش وبسط الأمن والنظام ودعم الدولة والحكومة والتصدي للوباء الذي يهددنا ويهدد البشرية جمعاء، داعيا لـ”وقف الخروقات والأعمال الانفرادية واحترام الجميع للقوانين والسيادة العراقية”.
وانتقد الباحث في الشأن السياسي إحسان الشمري تعاطي رئيس الوزراء العراقي المستقيل مع تطورات تنذر باندلاع حرب في البلد، قائلا إنّه يكتفي بأن “يتابع بقلق ويحذر من احتمالية ضربات جوية أميركية لأهداف عراقية”. وتساءل الشمري “هل يعقل صدور هذا الموقف عن القائد العام للقوات المسلحة”.
ويبدو أن عبدالمهدي، من وجهة نظر مراقبين، يؤدي وظيفة إيرانية دقيقة حاليا، إذ يسهم في ترسيخ فرضية الانقلاب أو العمل العسكري الأميركي لقلب نظام الحكم الشيعي وهي الفرضية التي تتبناها وتروّج لها الميليشيات العراقية الخاضعة للحرس الثوري.
وتسود العراق حالة من الترقّب الحذر مخافة حدوث تصعيد عسكري في البلد يفاقم من أوضاعه المعقّدة. وشهدت الأيام الماضية عملية تحريك للقوات الدولية، وتحديدا الأميركية بسحبها من القواعد الثانوية المتفرّقة في أنحاء عدة من الأراضي العراقية، نحو عدد محدود من القواعد عالية التحصين ما أوحى بالاستعداد لمواجهة وشيكة.
ووصف محمد محيي المتحدث الرسمي باسم كتائب حزب الله العراقي انسحابات القوات الأميركية من بعض القواعد في العراق بأنها مجرد “إعادة تموضع بعدما تعرضت له تلك القوات من ضربات قوية”، مؤكّدا “سنواصل استهدافهم (الجنود الأميركيين) أينما كانوا لأننا نعتقد أن التحركات الأميركية في العراق عدوانية وتواجدها غير شرعي”.
وأضاف “نحذر القوات الأميركية من القيام بأي عدوان على الشعب العراقي وفصائله أو أي محاولة انقلاب عسكري ضد العملية السياسية أو النيل من قيادات الحشد الشعبي أو اغتيال شخصيات عراقية وطنية مؤثرة”.
وتخشى أوساط سياسية عراقية أن تستثمر طهران في مزاعم الانقلاب العسكري لدفع الميليشيات إلى إعلان سيطرتها على جميع مفاصل الدولة، وتصفية كل من يعتقد أنه على علاقة بالغرب والولايات المتحدة، بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم الشيعي.
ويقول القيادي في جبهة الإنقاذ السنية أثيل النجيفي إنّ “أقاويل الانقلاب العسكري والإقليم السني، مجرد إشاعات تطلقها الأحزاب الدينية الشيعية لتأجيج التعصب الطائفي المنحسر”.
ويضيف أن الأحزاب الدينية الشيعية “بعد فشل تجربتها في الحكم لم يعد بيدها سوى العودة إلى مربعها الأول وتهديد مجتمعها بزوال حكم المذهب”.
ولا يستبعد متابعون للشأن العراقي أن يكون رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بصدد الاستفادة من الوضع القائم في العراق للبقاء أطول مدّة في المنصب الذي تعذّر التوافق على شخصية مقبولة من جميع الأطراف لتشغله.
ويبدو الظرف مواتيا لعبدالمهدي بعد أن تكفّل انتشار فايروس كورونا بإخماد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت به في نوفمبر الماضي، بينما لا تبدو الطرق ممهدة أمام رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي لتشكيل حكومة بديلة. وينظر حلفاء إيران إلى تكليف الزرفي بوصفه حلقة في سلسلة عمليات تقويض نفوذهم داخل العراق.
وكثف زعماء الميليشيات العراقية الخاضعة لطهران هجومهم الإعلامي على الزرفي خلال الأيام القليلة الماضية، متهمين إياه بالتنسيق مع الولايات المتحدة للسيطرة على الحكومة.
وقال تحالف الفتح الذي يضم عددا من زعماء الميليشيات البارزة، الاثنين، إنه توصل إلى ثلاثة بدلاء للزرفي، داعيا الأخير إلى الاعتذارعن التكليف لأنه لا يمثل “الإجماع الشيعي”.