قال العراق أمس إنه يحتاج إلى معرفة حجم النقص في الإمدادات النفطية الإيرانية عقب دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على طهران الاثنين الماضي.
ويعتقد محللون أن هذه الخطوة تعني أن العراق سيكون ضمن حسابات الولايات المتحدة في الفترة المقبلة لأن بغداد لو استطاعت حشر جارتها اقتصاديا، فإن الخطوات اللاحقة ستؤدي إلى وضع إيران في مأزق أكثر خطورة من ذي قبل.
وكشف وزير النفط العراقي، ثامر غضبان، في مقابلة مع وكالة رويترز أمس أن نقص المعروض النفطي الناجم عن العقوبات الأميركية الجديدة على إيران لم يجر قياسه بعد قبيل اجتماع أوبك المقرر الشهر القادم.
وأوضح أن بلاده تريد معرفة حجم “الانخفاض الفعلي” قبل أن تقرر بغداد وسائر أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) كيفية التعامل مع تراجع الشحنات الإيرانية.
وقال في أول ظهور له منذ تولي حقيبة النفط الشهر الماضي، “أريد أن أنتظر لمعرفة حجم الانخفاض الفعلي في الصادرات الإيرانية، وما إذا كان سيعوضه، ليس منتجو أوبك فحسب بل والدول الأخرى أيضا”.
وأضاف “كيف ستكون زيادة الطلب على النفط العراقي في السوق الحاضرة، وإذا لم يكن هناك طلب فكيف لي أن أقول إننا سنعوض”. ولم يحدد غضبان سعر النفط الذي يتوقعه للعام 2019، لكنه قال إن سعرا فوق 70 دولارا للبرميل سيكون “عادلا” وإنه كلما زاد السعر، كان ذلك أفضل للعراق.
وتبدو السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، جاهزة إلى جانب شركاء مهمّين في القطاع، لتغطية أي نقص في الإمدادات بسبب العقوبات رغم أن سوق الخام لا تزال غير مستقرة بشكل عام، لكن محللين يرون أن العراق سيكون اللاعب في الفترة المقبلة.
وقال سمير مدني، المحلل لدى “تانكر تراكرز” المتخصص في متابعة حركة ناقلات النفط عبر الأقمار الصناعية إن “الكل يتحدث عن السعودية، لكن صادرات البلاد مستقرة حول 10 ملايين برميل يوميا”.
وأوضح أن “الارتفاع الحقيقي سيأتي من العراق، الذي يصدر 4.2 مليون برميل يوميا، وهي كمية لم يسبق أن شهدها من قبل”.
ويتوقّع المحلّلون أن تنخفض صادرات إيران النفطية، التي تقدر بنحو 2.5 مليون برميل يوميا، بمقدار مليون إلى مليوني برميل يوميا، رغم أن طهران تتفاخر بتحديها للعقوبات الجديدة وقالت إنها ستواصل تصدير الخام. وقد يزيد هذا الأمر من الضغوط على سوق النفط المتوترة منذ سنوات.
وتأتي تصريحات غضبان، فيما استبعد الرئيس العالمي للبحوث في جهاز أبوظبي للاستثمار أن تؤثر العقوبات على السوق النفطية نظرا لتخمة الإمدادات العالمية، مضيفا أن الطاقة الإنتاجية لإيران قد تتضرر بسبب نقص محتمل في الاستثمارات.
ويقول محللون من الجهاز وسيتي غروب إن المنتجين الكبار مثل السعودية وروسيا والولايات المتحدة لديهم طاقة فائضة كافية لتأمين المعروض العالمي.
وقال كريستوف روهل، الرئيس العالمي للبحوث في جهاز أبوظبي للاستثمار، على هامش مؤتمر في أبوظبي، “لا يمكن استبعاد قفزات لكن توجد كميات كبيرة من النفط في أنحاء العالم وسيظل هذا الوضع قائما لوقت طويل”.
وقال إد مورس، العضو المنتدب والرئيس العالمي لأبحاث السلع في سيتي، لقد “أظهرت المنظومة بالفعل أنه ثمة طاقة فائضة وفيرة في العالم تغطي الكمية التي سُحبت بسبب إيران في الوقت الحالي وتفيض”.
وأضاف أن “إنتاجا كبيرا يأتي من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل ودول الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أن الإنتاج حين ينخفض يضر بالحقول والطاقة وهو الأمر الأهم في المدى المتوسط إلى الطويل.
وقال “لن يساعد هذا القطاع، فهو يعني سحب استثمارات ويعني عزلة مالية وتراجع الصادرات والإيرادات واحتمال انخفاض الإنتاج”، مضيفا أن ذلك سيتوقف على مدى الصرامة في تطبيق العقوبات.
وأوضح مورس أن قدرة إيران على إبقاء الإنتاج مرتفعا سيعتمد في جانب كبير منه على قدرتها في تخزين النفط الخام بدرجة أكبر من إمكانية تسويقه عالميا خلال المدى القصير.
ويرى محللون في قطاع النفط أن إيران تخدع نفسها بالحصول على إعفاءات بسيطة لصادراتها النفطية، متمثلة في 8 دول هي الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان واليونان وإيطاليا وتركيا، مع تصريحات أوروبية متعاطفة مع طهران لن تؤثر في الموقف الأميركي، لكنها تقود تدريجيا إلى نظام “النفط مقابل الغذاء” الذي كان مفروضا على العراق سابقا.
وبدل البحث عن التعاطف الدولي بالتحذير من مخاطر الحصار وبعد المعاناة الإنسانية المفروضة على الإيرانيين، لجأ حكام إيران من رجال الدين إلى التقليل من شأن المخاوف من تأثير العقوبات على اقتصاد البلاد، وإظهار الأمر وكأنه مواجهة شخصية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم على العناد والمكابرة.