اعترف مقربون من رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بأن "رئيس الحكومة ينفذ أوامر إيرانية لقمع الاحتجاجات في العراق وترويع الناشطين ومطاردة الصحافيين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب".
يأتي ذلك بعد أن كشفت التظاهرات قيام ملثمين باستهداف المتظاهرين خلال الأيام الماضية عبر نشر قناصة من الميليشيات لاستهداف المحتجين.
وفي مشهد مرعب، يعكس حجم الهيمنة الإيرانية في العراق، جال مسلحون ينتسبون إلى سرايا الخرساني إحدى الميليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي، التي شكلها رئيس فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني من مقاتلين محليين، على مباني وسائل إعلام عديدة، حاولت تغطية التظاهرات، فأحرقوا بعضها وضربوا الصحافيين وهشموا المعدات في البعض الآخر.
ومع قطع الإنترنت عن جميع أرجاء البلاد، انفردت الحكومة بالمحتجين وبطشت بهم، إذ أكد شهود عيان أن رجال الأمن وعناصر الميليشيات ارتكبوا مذبحة ضد المتظاهرين في شارع فلسطين ومدينة الصدر، شرق العاصمة بغداد.
وذكر المقربون من عبدالمهدي أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أشار في اتصاله الهاتفي مع رئيس الحكومة العراقية إلى استهداف المتظاهرين.
وأعرب بومبيو عن أسفه للخسائر في الأرواح خلال الأيّام القليلة الماضية، وحَضَّ الحكومة العراقيّة على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
وأوردت السفارة الأميركية في بغداد في بيانها عن مكالمة مايك بومبيو وعبدالمهدي إشارة وزير الخارجية الأميركي إلى "التزام الولايات المتحدة الدائم بعراق قوي وذي سيادة ومزدهر على النحو المبين في اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي".
واعتبر مراقبون أن هذه الإشارة تمثل عرضا أميركيا بحماية حكومة عبدالمهدي لقاء الابتعاد عن المحور الإيراني في المنطقة. فيما طالب السفير البريطاني في العراق جون ويلكس بإخضاع جميع مرتكبي جرائم العنف على كافة الأصعدة للعدالة.
ونقل ويلكس في تغريدة موقف المملكة المتحدة مما يحصل في العراق بالقول "أعربت المملكة المتحدة عن قلقها البالغ إزاء العنف المستخدم ضد المتظاهرين وخصوصا أعمال القنص".
وبيّن أنه أجرى محادثات مع رئيسي الوزراء والجمهورية العراقيين حول التظاهرات الحالية مؤكدا على "الحاجة إلى التحرك السريع من أجل تلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين".
ودعت بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى وقف أعمال العنف في البلاد؛ حيث قتل أكثر من مئة شخص وأصيب حوالي أربعة آلاف بجروح في خمسة أيام من الاحتجاجات المطلبية، مشدّدة على وجوب محاسبة المسؤولين عن أعمال العنف.
وقالت الممثّلة الخاصّة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت في بيان “أشعر بحزن بالغ لوقوع خسائر غير مبررة في الأرواح. منذ خمسة أيام والتقارير ترد بوقوع وفيات وإصابات:"لا بدّ أن يتوقف هذا".
وأضاف البيان الذي نشرته البعثة على صفحتها في موقع فيسبوك "أدعو جميع الأطراف إلى التوقّف والتفكير. ويجب محاسبة المسؤولين عن العنف. فلتسُد روح الوحدة في عموم العراق".
ويشهد العراق احتجاجات عنيفة منذ الثلاثاء بدأت من بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية.
ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم وباتوا يدعون لاستقالة رئيس الوزراء، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لاحتواء الاحتجاجات، ما أوقع أكثر من 100 قتيل فضلا عن الآلاف من الجرحى.
ويتهم المتظاهرون قوات الأمن بإطلاق النار عليهم، فيما تنفي الأخيرة ذلك وتقول إن “قناصة مجهولين” يطلقون الرصاص على المحتجين وأفراد الأمن على حد السواء لخلق فتنة.
ويحتج العراقيون منذ سنوات على سوء الخدمات الأساسية من قبيل الكهرباء والصحة والماء فضلا عن البطالة والفساد، في بلد يعد من بين أكثر دول العالم فسادا، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.
وعلى مدار الأيام الماضية، تعرضت مكاتب عدة قنوات تلفزيونية عراقية وعربية إلى هجمات من قبل مسلحين في بغداد، حيث عمد المهاجمون إلى الاعتداء بالضرب على العاملين فيها وكسر معداتهم الصحافية.
وأربكت الاحتجاجات التي أخذت مدى غير متوقّع السلطات العراقية التي راوحت بين الاعتراف بمشروعية مطالب المحتجّين والعمل على تهدئتهم بإجراءات عاجلة، من جهة، وبين تجريم حركة الاحتجاج ونسبتها إلى “مؤامرة” على النظام، من جهة مقابلة.
وواجهت القوات العراقية مدعومة بميليشيات تابعة للأحزاب الشيعية موجة الاحتجاجات بعنف شديد مستخدمة الرصاص الحي ضدّ المتظاهرين، ما أسفر عن وقوع العشرات من القتلى في صفوفهم، إضافة إلى الآلاف من الجرحى.
وكثيرا ما تنسب السلطات العراقية إطلاق النار لـ”مسلّحين مجهولين”، بينما يؤكّد مشاركون في الاحتجاجات أنّ مطلقي النار بشكل عشوائي هم عناصر ميليشيات تابعة للأحزاب الشيعية التي استهدفها المتظاهرون بشكل واضح ورفعوا شعارات مضادّة لها وهاجموا عددا من مقرّاتها. وبحسب محتجّين، تهدف الأحزاب الشيعية والميليشيات التابعة لها، إلى عسكرة المظاهرات لخلق مبرّر لمواجهتها بقوّة السلاح.
واعتبر مراقبون أن عبدالمهدي لم تعد لديه فرصة التراجع عن السلوك القمعي الذي يبديه إزاء التظاهرات، لكنه في النهاية يحقق رغبة الكتل السياسية الموالية لإيران، ما يمنحه فرصة البقاء في منصبه، ولو بشكل مؤقت.
ويجمع هؤلاء على أن استقالة عبدالمهدي لم تعد هدفا بالنسبة للمحتجين ولن تهدئ الشارع الغاضب كما أنها ستؤدي إلى فراغ سياسي، سيكون سده من خلال اتفاق أميركي ــ إيراني صعبا في هذه المرحلة الشائكة عالميا.
ويرى متابعون أن الحكومة العراقية بعد أن مارست القتل علنا في حق المتظاهرين لم يعد لديها ما يمنعها من إعلان ولائها وتبعيتها المباشرة لإيران. وهو ما يمكن أن يشكل مصدر إزعاج للولايات المتحدة التي لم تعلن عن موقف مندد بالعنف الذي مارسته الحكومة العراقية مدعومة بالأحزاب والميليشيات الموالية لإيران.
إلا أن مراقبا سياسيا عراقيا اعتبر أن إصرار الجهات الرسمية في العراق على الاستمرار في إغلاق الإنترنت وإعاقة عمل الصحافيين من خلال تهديدهم يعني بالتأكيد أن الحكومة غير مطمئنة إلى أن خطواتها الاسترضائية ستؤدي إلى إنهاء حالة الاحتقان التي يعيشها الشعب العراقي في المدن ذات الغالبية الشيعية والتي قد تعيد الشباب المحتج إلى الشارع إذا ما انفجرت.
وقال المراقب في تصريح "إذا ما نظرنا إلى موافقة الحكومة العراقية على دخول أكثر من سبعة آلاف مسلح إيراني إلى العراق بذريعة حماية الزوار الإيرانيين باعتبارها نوعا من الضوء الأخضر لتدخل إيراني في الأحداث الداخلية، فإن العنف الموجه ضد المحتجين ستزداد وتائره من غير أن تكون الحكومة العراقية قادرة على إيقافه أو التحكم به نوعيا".
وأضاف "ذلك لأن معالجة الاحتجاجات ستكون اختصاصا إيرانيا معلنا. فبحجة حماية الزوار الإيرانيين ستقوم القوات الإيرانية بقمع المتظاهرين بالطريقة التي تناسبها. ربما لا تحتاج القوات الإيرانية إلى الإعلان عن هويتها ما دام رئيس الوزراء العراقي قد ألقى بمسؤولية القتل على عاتق جهات مجهولة".
وتواصل حكومة عبدالمهدي قطع الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت قالت مصادر حكومية عراقية إن خدمة الإنترنت ستعمل من الساعة السابعة صباحا حتى الرابعة عصرا يوميا، في أيام الدوام الرسمي لاستمرار العمل في الدوائر الحكومية مع تعليمات من هيئة الإعلام والاتصالات بإيقاف الإنترنت عن محافظات الوسط والجنوب، فيما قوبلت هذه الإجراءات بسخرية واسعة.
وعندما بدأ حجب فيسبوك، تحرك العراقيون سريا لتنزيل تطبيقات الـ”في.بي.أن” (شبكة افتراضية تتيح الاتصال بخوادم خارج البلاد).
وأقدم آخرون على استخدام وسائل اتصال بالأقمار الاصطناعية، وهي ذات تكلفة مرتفعة جدا، من أجل التواصل مع العالم الخارجي. وبلغت خسائر العراق بسبب إغلاق الإنترنت خلال أربعة أيام إثر التظاهرات 649 مليار دينار عراقي.