محمد المسكري
يتمايز في منطقتنا خطان متناقضان تماماً، لا يمكن لأحدهما أن يتقبل وجود الآخر طالما يظل متمسكاً بأكاذيبه وأوهامه ويبقى على ما هو عليه من غطرسة وجبروت وعنجهية مريضة بأحقاد دفينة تؤججها خطط جهنمية تعمد إلى إرهاب الشعوب وإقصاء الآخر وقمع حرياته وسلب حقوقه حتى أبسطها.
هذا الخط المدجج بتاريخٍ قمعي منذ إقصاء الخميني لحلفائه في الثورة على شاه إيران في العام 1979، وملاحقتهم وصولاً إلى إعدامهم وقمع حراكهم السياسي، هو الخط الذي نراه الآن لا يكتفي بإيران مساحةً مفتوحةً لقمعه وإرهابه، بل يتعداها، كما في نظريته لتصدير الثورة سابقاً إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، إلى خارج الحدود.
ولكن منادياً هذه المرة بنظرية قمع الثورات وإجهاض حركة مطالبة الشعوب بحقوقها الطبيعية، ها هو خامنئي يصرخ في تغريدة لحسابه على تويتر يوم 6 أكتوبر الحالي: "إيران والعراق شعبان ترتبط أجسادهما وقلوبهما وأرواحهما بوسيلة الإيمان بالله وبالمحبة لأهل البيت وللحسين بن علي، وسوف يزداد هذا الارتباط وثاقةً يوماً بعد يوم، يسعى الأعداء للتفرقة، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر".
وأمام درسٍ يحاول خامنئي تمريره بأهداف كسر حالة الصمود الرائعة التي يسطّرها أبناء الشعب العراقي العزل إلا من الإيمان بأنّ لوطنهم عليهم حقاً، ومحاولته الخبيثة لإسباغ الطابع المذهبي على العلاقة بين إيران والعراق، وصولاً إلى تشتيت جهد الاعتراض العراقي على التغلغل الإيراني في مفاصل المجتمع والدولة في العراق، تعلّمنا الحالة العراقية الراهنة أنّ الرهان على وعي الشعوب وخياراتها أقوى من الرهان على فتاوى الولي الفقيه، بل إنّ الرهان على خط التسامح والوسطية والاعتدال هو الخيار الطبيعي لدول المنطقة وشعوبها المستميتة في سبيل تحقيق السلام الداخلي والسلام مع الإنسانية بالتسامح والوسطية، بعدما شهدت الشعوب نفسها، موجات الإرهاب والقتل التي كانت لإيران دوماً اليد الخفية وراءها، إنباتاً لداعش واحتضانا للقاعدة، ودعماً بالمال والعتاد للحوثي وحزب الله لبنان والحشد الشعبي العراقي والمليشيات في سوريا.
كما تعلّمنا الحالة العراقية الراهنة أنّ إيمان الشعوب بالتكاتف الوطني ووحدة التاريخ والمسيرة والمصير، يظل أعمق وأكثر تجذراً في أبناء العراق الأصلاء والشرفاء من الأيديولوجيا التي يتسلح بها أتباع إيران في المنطقة، ومن الأفكار التي يبثونها، فها هم العراقيون نراهم يتصدون لآلة القمع والوحشية متحدين متمسكين بالحق الكريم في العيش والسيادة، فكرامة الأوطان أولى.. وبحب الأوطان يسمو الإنسان