Skip to main content

أن تكون صديقا لإيران!

عراقيون يتظاهرون
AvaToday caption
كل هذا التنظير حول العمق الاستراتيجي الإيراني والتركي، يهمل الإشارة إلى طبيعة العلاقة التي يراد أن ترتبط بهما الدولتان مع دول العمق التي تشكل الجغرافيا العراقية ـ السورية مدخلين حاسمين لها
posted onJune 1, 2019
nocomment

  مشرق عباس

في العراق كما في إيران، ثمة لبس وغموض وتضارب في الرؤى حول طبيعة علاقة الصداقة التي يجب أن تجمع البلدين على مستوى استراتيجي طويل الأمد بعد عقود وربما قرون من العداء وتضارب المصالح والغريمية التي لم تنتج الكثير للشعبين.

ولأن الالتزام بعلاقة صداقة مع دولة جارة ليس خيارا شكليا للعراق، فإن ضرورة تأطير هذه العلاقة يحوز إجماعا عراقيا نادرا، والخلاف الوحيد داخليا يطرح حول مستوى الصداقة إذا ما هي بين بلدين مستقلين متكافئين على غرار علاقات إيران مع تركيا وباكستان والهند، ودول بحر قزوين، أم بشكل العلاقة الأمومية التي تجمعها اليوم مع سوريا وأفغانستان وحزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين وغيرهم.

مؤخرا، فرق الرئيس الإيراني حسن روحاني، في خطاب له، بين مصطلحي "النفوذ" و"الامتداد الجيوسياسي" ورأى أن إيران موجودة طبيعيا واستراتيجيا وتاريخيا في امتداد من البحر المتوسط إلى الحدود الصينية. وهذه المقاربة تكاد تكون متطابقة مع مفهوم "العمق الاستراتيجي" التركي الذي أطره نظريا وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو، وعززه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحقيق الاستدارة من الشمال الأوروبي إلى الجنوب والشرق الإسلامي والعربي باعتبارهما يمثلان الامتداد "الجيوسياسي" الطبيعي لتركيا.

لكن كل هذا التنظير حول العمق الاستراتيجي الإيراني والتركي، يهمل الإشارة إلى طبيعة العلاقة التي يراد أن ترتبط بهما الدولتان مع دول العمق التي تشكل الجغرافيا العراقية ـ السورية مدخلين حاسمين لها.

ومع الأخذ في الحسبان أن القوة الناعمة كانت الخيار التركي في العراق، فإن التداخل العنيف كان الخيار الإيراني الواضح، وهو التداخل الذي يحاول الجميع، وربما الإيرانيون أنفسهم، فك رموزه وتأشير حدوده وغاياته ونهاياته، من دون جدوى.

كانت الحكمة للسنوات الماضية تستدعي من إيران وهي الطرف الأقوى في ميزان القوى مع العراق، أن تسعى إلى إبرام معاهدات واتفاقات ذات بعد استراتيجي مع جارها الغربي، وأن تسمح هذه المعاهدات بنمو طبيعي للدولة في العراق بما يضمن لها تنفيذ التزاماتها. فالضعيف والتابع والمنكسر والمفكك، لا يمكنه ضمان التزاماته تجاه أصدقائه، وربما لم تسع إيران إلى مثل هذه المعاهدات لأنها لم تكن تنتظر من العراق التزامات!

وهذا الخطأ الجوهري الذي ارتكبته إيران، مرده تلك الجاذبية التي تمنحها مراكز النفوذ والتبعيات الحزبية الخارجية لأي حاكم، خصوصا عندما يكون العسكر لا الدبلوماسيون هم من يمتلك سلطة القرار الفعلية.

ونقول إنه خطأ ايراني استراتيجي، لأن إيران لم تضمن النفوذ الذي كانت تأمله في العراق، إلا على مستويات محدودة من صانعي القرار وأصحاب القوة المسلحة الذين يتم تصنيفهم كأصدقاء لإيران، لكنهم يواجهون رفضا داخليا كاسحا لا يستطيعون إنكاره، ولا تتجاوز محاولاتهم نصرة إيران في صراعها الإقليمي سوى التسبب بالمزيد من توريطها في هذا الصراع، وهو ما بات الدبلوماسيون الإيرانيون مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف يستشعرون بخطره في حواراتهم العراقية، فالعراق أصبح عبئا، بعد أن فقد قدرته في الأزمة الحالية مع أميركا أن يكون حليفا أو عدوا!

وبالإشارة إلى الموقف العراقي من الأزمة، وانغماس السياسيين العراقيين في محاولات طفولية لإثبات قدرتهم التي لا تقنع أحدا على خوض وساطة بين طهران وواشنطن، فإن إيران كان بإمكانها لو أرادت خلال السنوات الماضية أن تكسب صديقا قويا ومؤثرا في توازنات القوى الإقليمية والدولية، بديلا من صديق مفكك ومرتبك وغير قادر على اتخاذ القرار، بل إن ضبط سلوك مجموعاته المسلحة وصراعات سياسييه بات "عبئا" مضافا.

أي صديق تحتاج إيران؟ هذا السؤال الذي يفشل السياسيون العراقيون مرارا في الإجابة عنه، تماما كما فشلوا في الإجابة عن أسئلة أخرى كثيرة حول تفكيك وتمزيق الدولة، وهدر أموالها وإمكاناتها، وتفجير الصراعات الطائفية والعرقية فيها، بدلا من محاولة إقناع الجيران والأصدقاء معا بأن استعادة الدولة هو خيارهم الاستراتيجي المثمر.

لكنه سؤال على أصحاب القرار الإيرانيين الإجابة عنه أيضا، ويجب أن تضع الإجابة موازين القوى الحالية ودور العراق الغائب فيها في الحسبان؛ فلو أن العراق استثمر بمساعدة إيرانية إمكانات الغاز فيه طوال 16 عاما بديلا عن استيراد الغاز الايراني، لكان ذلك خيارا إيرانيا ناجحا. ولو انصبت المساعدة الإيرانية انصبت على زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية بدلا من استيراد الكهرباء من إيران، لكان خيارا ناجحا أيضا، وكذا الحال لو سُمح للعراق بإكمال ميناء الفاو الاستراتيجي قبل عشر سنوات من اليوم، ولو كان بإمكانه تحقيق التوازن والانفتاح في علاقاته الاقتصادية والسياسية، ولو حوصر المطلوبين وهادمي الدولة داخل حدوده ولم يجدوا ملاذا آمنا لدى الجيران، ولو انصب التعاون التجاري والاقتصادي على الاستثمار العادل والنزيه والمتوازن بديلا عن المشاريع الوهمية أو التفضيلية لصالح أصدقاء عراقيين ولبنانيين فاسدين، لكان بإمكاننا اليوم الحديث عن دور إيجابي مثمر يقوم به العراق لصالح صديقه الإيراني!