عكست الاتهامات التي وجهتها السلطات الإيرانية إلى باكستان والسعودية بشأن التفجير الذي أودى بحياة 27 من أفراد الحرس الثوري في محافظة سيستان بلوشستان، حجم انزعاج طهران من التقارب بين الدولتين المحوريتين في العالم الإسلامي.
يأتي هذا فيما تشعر إيران بأن النفوذ السعودي المتزايد في جنوب شرق آسيا قد يكون الهدف منه تطويقها خاصة أنه يتزامن مع العقوبات الأميركية المشددة التي تستهدف منع بيع النفط الإيراني، وأن باكستان قد تلعب دورا مؤثرا في ذلك.
واتهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري في تصريحات بثها التلفزيون الحكومي الإيراني، السبت، “القوات الأمنية الحكومية الباكستانية” بدعم الجماعة المسلحة التي نفذت الهجوم الانتحاري.
وعمد اللواء جعفري إلى توجيه الاتهام إلى السعودية والإمارات في سياق نظرية المؤامرة التي تلجأ إليها طهران عادة للبحث عن أعداء وهميين بهدف امتصاص غضب الشارع وإظهار أن التفجيرات الانفصالية معزولة، وليست ردة فعل على التهميش الذي تلاقيه المناطق الإيرانية التي تقطنها الأقليات.
وما زالت القيادة الإيرانية ومنذ أربعة عقود مستمرة في الهروب من الاستحقاقات الحقيقية للمجتمع الإيراني من خلال سياسة خارجية متهورة هدفها تصدير مشكلات الداخل نحو الخارج، خاصة أن التصريحات الرسمية الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية للدولة تشبه في صيغها ما تطلقه الميليشيات من مواقف وليس الدول.
ويعزو مراقبون تزايد الأنشطة الانفصالية وتنوع مناطق تنفيذها إلى عوامل عدة من بينها البعد الطائفي المتشدد للنظام، الذي لا يسمح لأي أقلية عرقية أو دينية بممارسة أنشطة خاصة بها، فضلا عن أن السلطات قصرت تعاطيها مع مطالب المجموعات العرقية المختلفة على القوة، وهو ما حال دون تحسين شروط العيش في هذه المناطق المهمّشة والمغضوب عليها لاعتبارات مذهبية أو عرقية.
ويعكس توجيه الاتهام إلى الرياض وأبوظبي وإسلام أباد دون أي رابط موضوعي بشأن تمويل الجماعات الانفصالية، قلقا إيرانيا كبيرا من الدعم الذي توجهه السعودية والإمارات إلى باكستان ودخولهما على خط حل الأزمة الأفغانية، وهو ما اعتبره الإيرانيون دخولا مفاجئا إلى منطقة دأبت طهران على التحرك فيها منفردة منذ تحالفها مع واشنطن في الإطاحة بحركة طالبان في 2001.
وتتزامن الاتهامات الإيرانية العشوائية مع زيارة مرتقبة، الأحد، لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى باكستان على رأس وفد من المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين في زيارة تستغرق يومين، هي الأولى له منذ توليه منصبه في 2017.
وخلال الزيارة سيعقد الأمير محمد بن سلمان عددا من الاجتماعات مع عدد من كبار المسؤولين بينهم الرئيس عارف علوي ورئيس الوزراء عمران خان، وقائد أركان الجيش قمر جاويد باجوا.
وتشير تقارير إلى أن السعودية ستوقّع حزمة قياسية من الاستثمارات في باكستان تتضمن مصفاة ومنشأة نفطية بقيمة 10 مليارات دولار في ميناء جوادر الاستراتيجي على بحر العرب.
وملأت لافتات تحمل صور ولي العهد السعودي شوارع العاصمة الباكستانية، ويجري حديث عن أن إسلام أباد ستحتفي بوصول الأمير محمد بن سلمان، السبت، بإطلاق 3500 حمامة وبالونات من مختلف الألوان، في زيارة قال عنها وزير الإعلام الباكستاني فؤاد تشودري إنها تضم “أكبر وفد على الإطلاق يزور باكستان”.
وأعلنت السعودية في أكتوبر الماضي أنها ستقرض باكستان 6 مليارات دولار، نصفها وديعة لتعزيز الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والنصف الآخر في صورة مدفوعات نفط مؤجلة.
وأعلنت الإمارات العربية المتحدة عزمها على تقديم وديعة بقيمة 3 مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني لدعم السياسة المالية والنقدية، في وقت تواجه فيه إسلام أباد اختلالات كبيرة في المؤشرات المالية.
وكان صندوق أبوظبي للتنمية قد موّل ثمانية مشاريع تنموية في باكستان بقيمة إجمالية بلغت نحو 410 ملايين دولار، معظمها في هيئة منح لتمويل مشاريع في قطاعات الطاقة والصحة والتعليم والطرق.
وتنظر إيران بريبة إلى تحركات رئيس الوزراء الجديد عمران خان، الذي يسعى لتقوية علاقاته مع دول الخليج، ما قد يعبد الطريق أمام دور باكستاني أكبر في التحالف الإسلامي الذي تتزعمه السعودية، والذي يتبنى بشكل واضح الحدّ من النفوذ الإيراني في قضايا المنطقة، فضلا عن الاستمرار في الحرب على داعش.
وما يزيد من مخاوف إيران أن السعودية تسعى لاستثمار نفوذها المالي والاستثماري الكبير في تطويق إيران على أكثر من واجهة، وأن الأمر تجاوز كونه مجرد تهويش كلامي إلى التأثير في المشهد الإقليمي، من ذلك أن الرياض تنوي لعب دور كبير في إنجاح المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وهو النزاع الذي استثمرته طهران لتثبيت وجودها في أفغانستان وحولته إلى ورقة نفوذ في علاقتها بالأميركيين.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصادر من الحكومة الباكستانية قولها إن ولي العهد السعودي سيلتقي على الأرجح بممثلين من حركة طالبان الأفغانية خلال زيارته لباكستان، وذلك ضمن جهود لإنهاء حرب أفغانستان المستمرة منذ 17 عاما.
وتتخوف إيران من أن يفضي النفوذ السعودي في باكستان وأفغانستان إلى التأثير على شبكة صادراتها من الغاز والنفط إلى الهند في وقت تتعرض فيه هذه الصادرات إلى ضغوط أميركية متعددة دفعت نيودلهي إلى تقليص مشترياتها من طهران.