Skip to main content

الوضع الأنسب للأحوازيين تجاه النظامين الإيراني والإسرائيلي

الأحوازيون المعارضون
AvaToday caption
خاب أمل بعض الأحزاب والعناصر الأحوازية الموالية لإسرائيل عقب زيارة رضا بهلوي - ابن الشاه المخلوع - إلى القدس ولقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين
posted onNovember 15, 2023
nocomment

هل العدو الأول للعرب النظام الإيراني أو إسرائيل؟ هذا سؤال يطرح نفسه أحياناً بين الأحوازيين ويبحث عن جواب ونحاول هنا أن نرد عليه.

أصبح لدى الأحوازيين، منذ أن شعروا بهويتهم القومية ومن ثم الوطنية، قضيتان سياسيتان أساسيتان: القضية القومية والقضية الوطنية، والاثنتان ظاهرتان حديثتان، برزت الأولى في أوائل القرن الـ20 عندما كان العرب يحكمون عربستان بأنفسهم حيث لم تكن هناك حاجة إلى مقولة اسمها القضية الوطنية، والأخيرة ظهرت بعد أن فقد الشعب الأحوازي سيادته على أرضه وحكمه في مملكته التي أصبحت مستعمرة وملحقة قسراً إلى الكيان الإيراني.

يصف الأمير خزعل الجابر، حاكم عربستان (1897-1925) نفسه بـ"العربي الأصيل". ويؤكد "إني مستعد لبذل آخر نفس في سبيل الوطن"، ويعني بها "أرض عربستان" التي كانت تشهد ثورة ضد الشاه رضا البهلوي و"الدولة الإيرانية التي تريد أن تغصب أموالنا وأراضينا وأملاكنا" كما جاء في رسالته إلى الممثلين السياسيين الإنجليز.

ويستخدم الجابر في الرسالة نفسها مصطلح "الشعب العربي الذي مضت عليه القرون وهو سيد نفسه وليس للشاه عليه إلا السيطرة الرسمية فقط"، وهو يعني بذلك الشعب العربي الأحوازي في الفترة التي لم تع أي من الشعوب الأخرى في إيران بنفسها كشعوب متميزة من الفرس إلا العرب ولم يتم استخدام مصطلح الشعب "ملت" إلا على كل إيران.

كما أن المفكر اللبناني أمين الريحاني يصنف الأمير خزعل ضمن "ملوك العرب". ويشير الصحافي المصري عبدالمسيح الأنطاكي إلى ميول الأمير القومية العربية، ومنها ما يمكن أن نذكرها، علاقاته الوطيدة مع الحكام والمناضلين والصحافيين والفنانين في العراق والشام والكويت والسعودية وأبرزها دعمه المالي للفلسطينيين في القدس.

في التاريخ النضالي المعاصر للنخبة الأحوازية وبالتحديد في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، شاهدنا الترابط بين الأمر القومي والأمر الوطني عند "اللجنة القومية العليا - جبهة تحرير عربستان" و"الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز" إثر علاقاتهما الوطيدة مع الأحزاب والحكام في العراق ومصر وسوريا والدول العربية الأخرى.

كما شاهدنا التعاطف الشعبي القومي الأحوازي مع نضال الشعب الفلسطيني ومع الدول العربية منذ عام 1948، الذي قلما نشهد له نظيراً بين الشعوب الأخرى في إيران، لا في الحجم ولا النوعية، وكان موقف نظام الشاه الموالي لإسرائيل يزيد من حدته، لكن تغير الوضع عقب ثورة 1979 الإيرانية، حين أخذنا نشاهد بروز فئة أحوازية تحجب دعمها للفلسطينيين وتتناغم مع فئات واسعة من الفرس والشعوب الأخرى في موالاتها لإسرائيل أو في الأقل مخالفتها حركة "حماس"، وهذا ما برز جلياً بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويعود الأمر إلى معارضتها النظام الإيراني الداعم للحركات الإسلامية في فلسطين باعتباره نظاماً يضطهدها ويحرمها حقوقها القومية.

إثر متابعتي آراء الأحوازيين حول ما قام به عناصر عز الدين القسام في المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر وما يجري حالياً في غزة، اكتشفت أنهم منقسمون بين متعاطف ولا مبال، بل ومعارض لـ"حماس" والقضية الفلسطينية.

والأنكى في الأمر أن الأحوازيين المعارضين للقضية الفلسطينية يصطفون فعلاً إلى جانب الفرس العنصريين المعادين للعرب والمؤيدين لإسرائيل ولا يخفي بعضهم ما يريده من ذلك، وهو كسب ود إسرائيل لدعم القضية الأحوازية لنيل حقوق شعبهم القومية.

قد خاب أمل بعض الأحزاب والعناصر الأحوازية الموالية لإسرائيل عقب زيارة رضا بهلوي - ابن الشاه المخلوع - إلى القدس ولقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين. أي اتضح أن السياسة الرسمية لليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل تركز على دعم رضا بهلوي والتيار الملكي بين فصائل المعارضة الإيرانية وهو الذي تربطه علاقات وطيدة مع أحزاب عنصرية في أوروبا ولا يؤمن بأي حقوق للعرب في إيران، ولم ينتقد أبداً أداء جده وأبيه في ارتكاب المجازر ضد الشعب الأحوازي وقمعهما وسعيهما إلى طمس هويته العربية.

لقد شاهدنا يهوداً أحراراً يتظاهرون وينددون بما تقوم به إسرائيل في غزة، كما أن هناك أكاديميين وصحافيين يهوداً وإسرائيليين منصفين أيضاً يكتبون عن القضية الأحوازية ويدافعون عنها في الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها، وذلك خلافاً لمعظم الفلسطينيين الذين أغلقوا ملف الأحواز عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران، كسباً لود الجمهورية الإسلامية التي يعتبرونها داعمة لقضيتهم، لكن معظم الأحوازيين المدافعين عن القضية الفلسطينية يقولون إنهم لا يدافعون عن حركة "حماس" أو "الجهاد الإسلامي"، بل عن الشعب الفلسطيني الذي يذبح هذه الأيام في غزة والضفة الغربية.

خلافاً لعهد الشاه، أدت الثورة الإسلامية - كما ذكرنا - إلى قلب المعادلة وتعزيز الأمر الوطني على حساب الأمر القومي، وهذا ليس رداً على مواقف القوى الفلسطينية تجاه القضية الأحوازية فحسب، بل وعلى مواقف معظم الدول العربية وأحزابها وشخصياتها اللامبالية إزاء القضية الأحوازية. ويمكن مشاهدة وهن القضايا القومية لدى هذه الدول أيضاً في مواقفها إزاء ما يجري في غزة، فما بالك بالأحواز التي تعتبرها دوماً بأنها قضية إيرانية داخلية بحتة.

أياً كانت نتيجة الحرب على غزة والضفة الغربية، حتى لو أدت إلى احتلال إسرائيل للقطاع مرة أخرى أو أي تغيير آخر يؤدي إلى إضعاف حركة "حماس"، فإنها لن تضعف القضية الفلسطينية، بل من المحتمل أن تنقل سلطتها إلى سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية على حساب حركة "حماس"، ومن المستحيل أن تؤدي إلى شطب القضية الفلسطينية. فلا تريد الولايات المتحدة كأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم أن تصل شرار الحريق المشتعل في فلسطين إلى الدول العربية الحليفة لها وتبقى على تحالفها معها من أجل أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأقصى.

واكب الأحوازيون الصراع العربي - الإسرائيلي منذ نشأته في أواخر الأربعينيات وقد تأثروا قومياً وعاطفياً بما جرى في هذا المضمار، وقد وصل نازحون فلسطينيون في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي إلى المدن الأحوازية، وكاتب هذه السطور شاهد على ذلك، غير أن الدولة التي أسقطت سلطتهم العربية في عربستان في أوائل القرن الـ20 هي الدولة الإيرانية، وعلى رأسها النظام البهلوي، الذي ارتكب المذابح ضدهم لترويعهم وترويضهم. وقد استمرت الدولة نفسها وبسلطة دينية جمهورية جديدة في قمعهم وارتكاب المجازر ضدهم. صحيح أن إسرائيل ساعدت الشاه محمد رضا البهلوي في الانقضاض على حركاتهم القومية، غير أنه لن يحكمهم بشكل مباشر.

عقب خيبة أمل معظم الأحوازيين من تلبية النظام الإسلامي ما يطالبون به من حقوق ثقافية، أخذ التشكيك في صدق نوايا هذا النظام يتزايد رويداً رويداً، لكن على رغم ذلك إذا قارنا بين نسبة الأحوازيين الموالين للنظام التي تبلغ نحو 30-40 في المئة، ونسبة الموالين للنظام على مستوى كل إيران والبالغة نحو 20 في المئة، ندرك أن الأسباب التي حالت دون مشاركة العرب الواسعة في احتجاجات وتظاهرات عام 2022 والمعروفة بانتفاضة "المرأة الحياة والحرية"، وكذلك دعمهم القضية الفلسطينية، مع التأكيد أن ليس كل أحوازي أبدى تعاطفاً أدبياً أو سياسياً لغزة والشعب الفلسطيني موالياً للنظام، بل يتحرك أساساً وفق أحاسيسه القومية.

قد مر الأحوازيون في علاقتهم الشائكة مع المهاجرين غير العرب في عربستان بتجارب مماثلة لعلاقة الفلسطينيين مع اليهود مع بعض الفوارق والظروف المختلفة، وهذا ما جربناه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وأبرزها مذبحة مدينة المحمرة التي راح ضحيتها أكثر من 200 عربي. ونظراً إلى شدة وتيرة العنصرية المعادية للعرب في إيران ليس من المستبعد أن تتكرر تلك التجارب المرة في المستقبل، ولذا يجب على الأحوازيين أخذ الدروس عما يجري بين اليهود والعرب في قطاع غزة والضفة الغربية.

يمكنني القول إن العدو الأول والمباشر للشعب الأحوازي هو النظام الإيراني وليس الدولة الإسرائيلية، لكن يبدو أنه ومن أجل التوازن بين طموحات الأحوازيين القومية في انتصار الفلسطينيين في صراعهم ضد الإسرائيليين ونيل حقوقهم المشروعة والشعور بالعزة القومية أمام الإيرانيين - خصوصاً الفرس - وأغلبيتهم يشمتون دوماً بالعرب والفلسطينيين في كل الحروب الماضية ويتمنون هزيمتهم، يرجح أن تؤدي الأحداث الأخيرة إلى إضعاف الدولتين الإيرانية والإسرائيلية معاً، فالسلطة الإيرانية والدولة بشكل عام هشة داخلياً وتنتظر موجة جديدة وقوية من الاحتجاجات لإحداث تغيير في النظام السياسي الإيراني، وسيساعد انتهاء الحرب في غزة وحل القضية الفلسطينية على هذا الأمر.

كما أن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب إسرائيل، التي ارتفع إمكان ولادتها بعد السابع من أكتوبر ومخاض غزة العسير، ستضع حداً للطموحات التوسعية للدولة العبرية وتسحب الحجة من الدولة الإيرانية - المتمثلة بضرورة مقارعة الاستكبار والصهيونية في المنطقة - لقمع شعوبها المستاءة.