Skip to main content

رسالة طهران إلى الرياض عبر غزة

حماس
AvaToday caption
أن طهران استشعرت أن ترتيبات السعودية لزيارة وفد من حماس، والذي تلاه استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قد تكون وراءها محاولة لدخول المملكة على خط المصالحة الفلسطينية،
posted onApril 19, 2023
nocomment

فاضل المناصفة

في سابقة لم يقم بها أي رئيس إيراني سابق، خاطب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أهالي غزة عبر شاشات التلفزيون التي نصبت خلال مهرجان “الضفة درع القدس”، الذي أحيت حركة حماس من خلاله يوم القدس العالمي، وتضمن خطاب الرئيس الإيراني دعوة لأهالي غزة إلى إظهار المزيد من الصمود والاستمرار على نهج الضغط في الكفاح ضد إسرائيل.

واللافت في الأمر أن فعاليات يوم القدس كانت دائما تحظى باهتمام الحرس الثوري الإيراني، الذي طالما وظف نفس الخطاب خلال الفعاليات التي رعاها في طهران للتأكيد على الارتباط الوثيق بين إيران وحماس في مواجهة إسرائيل. ولكن هذه السنة اختارت مؤسسة الرئاسة أن تخلف المؤسسة العسكرية في إلقاء الخطاب، وهو ما يفتح الباب لطرح تساؤلات حول الغايات التي دفعت رئيسي إلى تولي مهمة مخاطبة ذراعي إيران في فلسطين الجهاد وحماس.

خطاب رئيسي ركز على ثلاثة محاور رئيسية: التأكيد على أن إيران حريصة على محور المقاومة، وعلى أن المفاوضات لن تمكن الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم، وعلى أن تطبيع الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي لن يزيد القضية الفلسطينية سوى ضعف، فضلا عن أنه سيمكن الإسرائيليين من الحصول على سلام دون مقابل. وهي مضامين أراد من خلالها رئيسي التأكيد على أن التوجه السياسي لإيران في ما يخص الملف الفلسطيني لن يتأثر بأي تغيرات تحصل في السياسة الخارجية لطهران على المستوى الإقليمي. وهنا تريد القيادة السياسية في طهران أن تشير إلى أن التقارب الإيراني – السعودي وإن شمل الملف اليمني وأزال الخلافات القائمة بينها وبين أبوظبي والرياض، فإنه لن يشمل ملفات أخرى كلبنان وفلسطين.

في نفس الاتجاه ذهب حسن نصرالله في كلمته بمناسبة يوم القدس، حيث أكد أن إيران هي السند الحقيقي للمقاومة، واستعمل مصطلح “فرملة التطبيع” كأحد الأهداف التي يفترض من الاتفاق السعودي – الإيراني أن يحققها، كما بارك الوصول إلى حل سلمي في اليمن، وهي إشارات تعني أن حزب الله يتفق مع الاتجاه الإيراني الذي لا يرى حلولا سياسية لجميع مسائل الشرق الأوسط أو أن يضعها في سلة واحدة وعلى حساب محور المقاومة، فالإجماع على حل الأزمة اليمنية على حساب جماعة الحوثي لا يعني بالضرورة أن إيران ستتخلى على أذرعها في لبنان وفلسطين.

لم يكن خفيا على طهران أن سياسة تصفير المشاكل التي تنتهجها الرياض قد تشمل حليفتها في غزة حماس، وقد اتضح هذا منذ شهور عندما أفرجت عن القيادي محمد الخضري في أكتوبر 2022 ثم عززت ذلك بإطلاق سراح العديد من المعتقلين الأردنيين والفلسطينيين المنتمين إلى الحركة منذ شهرين. كما أن طهران استشعرت أن ترتيبات السعودية لزيارة وفد من حماس، والذي تلاه استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قد تكون وراءها محاولة لدخول المملكة على خط المصالحة الفلسطينية، الذي سيمكنها من إعادة إحياء مبادرة السلام العربية التي أطلقتها في القمة العربية في بيروت عام 2002.

وذكرت مصادر إعلامية عديدة أن هذه المبادرة كانت حاضرة خلال المحادثات التي جمعت مسؤولين سعوديين بوفد حماس، ولكنها قوبلت برد سريع من قبل عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق، الذي ذهب بعيدا عندما صرح بأن الحركة لا تريد أن تكون علاقاتها مع طرف على حساب الآخر، في إشارة إلى أن الرياض وإن أبدت انفتاحا على حماس ظهر منذ شهور، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الحركة مستعدة للذهاب في مسار سياسي يفسد الود الذي يجمعها مع طهران حليفها المالي والعسكري.

إن تقديم الخطاب السياسي على الخطاب العسكري في يوم القدس العالمي له دلالات واضحة بأن الدبلوماسية التي تقودها طهران وتهدف إلى إزالة خلافاتها مع جيرانها الخليجيين، لا يمكنها أن تأتي على حساب نفوذها العسكري ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وعلى محور المقاومة الذي يمتد من سوريا إلى لبنان وصولا إلى غزة، كما أن طهران ترى أن تحركات الرياض في منطقة نفوذها من خلال التصالح مع الأسد وتليين موقفها من حماس، الذي ربما يخفي وراءه خطة لإحياء مبادرة السلام العربية خلال القمة العربية القادمة، تتعارض مع مصالحها وتصوراتها للصراع ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به طهران وإن كان ثمنه انهيار الاتفاق الأخير مع السعودية. ومن هنا يمكن اعتبار أن رسائل طهران الأخيرة من خلال غزة هي رسائل موجهة بالدرجة الأولى للسعودية قبل أن تكون موجهة لتل أبيب.