هدى رؤوف
حتى اللحظة الراهنة لم تنته بعد تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية التي تلقي بظلالها على أمن كل من أوروبا والشرق الأوسط لتربطهما معاً. وتتوالى المواقف الأوروبية المتشددة ضد إيران التي يبدو معها تراجع أولوية الملف النووي في مقابل تصدر أولوية وقف الدعم الإيراني لروسيا بالمسيّرات خلال الحرب في أوكرانيا. خطوات أوروبية كلها تعكس كيف انتقلت إيران من كونها تحدياً محتملاً لأوروبا إلى تهديد أمني فعلي لها.
فمنذ أيام صوت البرلمان الأوروبي على إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية، كما تدرس ألمانيا وفرنسا تصنيف الحرس على أنه جماعة إرهابية بعد إعدام ما لا يقل عن أربعة أشخاص من الذين شاركوا في التظاهرات التي تشهدها البلاد منذ خمسة أشهر إثر مقتل الشابة مهسا أميني، ومن المرجح أن تتخذ برلين وباريس القرار بالاشتراك مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي كجزء من سياسة أمنية مشتركة.
في المقابل ورداً على الموقف الأوروبي، صدرت من داخل إيران تنديدات وتهديدات في شأن التصويت والموقف الأوروبي، فهدد قائد الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أوروبا بأن إدراج الحرس كمجموعة إرهابية سيؤدي إلى عواقب. كما نشرت وسائل الإعلام الموالية للنظام مقالات مماثلة تنتقد الاتحاد الأوروبي. وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن "تصرفات الأعداء ضد الحرس الثوري محكوم عليها بالفشل"، وأضاف أن "ليس هناك جيش وقوات مسلحة فعلا أكثر من الحرس الثوري الإسلامي لمحاربة الإرهاب والحد من شر الإرهابيين في المنطقة". ثم هدد بأن إيران ستعامل الدول الأوروبية وقواتها في الشرق الأوسط على أنهم "إرهابيون" إذا فرضت عقوبات على الحرس الثوري في أوروبا. هذا هو التهديد نفسه الذي وجهته طهران إلى القيادة المركزية الأميركية بعدما عاقبت إدارة ترمب الحرس واستهدفت القوات الأميركية في العراق وسوريا.
كما قال رئيس البرلمان الإيراني "نحن مستعدون للرد بالمثل، لكننا نطلب من الغربيين التفكير ملياً حتى لا تغلق نافذة فرصة الدبلوماسية. من ناحية، لا يمكنهم الادعاء بأن أبواب المفاوضات مفتوحة، ومن ناحية أخرى، لا يمكنهم رسمياً مواجهة جزء من الهيكل السياسي والهوية التي تخص الشعب الإيراني".
وتحاول إيران الربط بين القرارات الأوروبية وفرص التفاوض من أجل إحياء الاتفاق النووي، وواقع أن الفرص ستتضاءل حياله، غير مدركة لتحول الموقفين الأوروبي والأميركي في شأن أولويات أمنهما القومي والتي تضع الحرب الروسية -الأوكرانية في صميم تهديدات الأمن القومي لأوروبا.
ويعني تصنيف الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية التابعة للاتحاد الأوروبي، أن الانتماء للحرس وحضور اجتماعاته ودعمه أو حتى حمل شعاره، جريمة. وسبق وصنفت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا الحرس على أنه مجموعة إرهابية.
ومن ثم لن يتمكن أعضاء الحرس الثوري من الوصول إلى أي أصول في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وسيتم تقييد تحركاتهم.
وفرض الاتحاد الأوروبي أخيراً عقوبات على أكثر من 30 مسؤولاً ومنظمة إيرانية بما في ذلك وحدات من الحرس، وترتبط تلك العقوبات بالقمع الوحشي الذي مارسه النظام الإيراني ضد المحتجين وانتهاكات حقوق الإنسان.
مخاوف إيران واضحة لأنها تعرف الآن أن الحرس الثوري يمكن أن يكون مستهدفاً بالعقوبات ليس فقط من قبل الولايات المتحدة ولكن أيضاً في أوروبا، وهذا سيصعب عليه استخدام شركات الواجهة التابعة له والسعي إلى استغلال الثغرات في الخارج، فالطائرات المسيّرة التي تمد إيران روسيا بها تشمل كثيراً من الأجزاء المصنعة في الغرب، وتم تصدير هذه الأجزاء إلى إيران عبر شبكات معقدة لشركات واجهة إيرانية، ولم يبد أن لتلك الأجزاء استخدامات عسكرية حتى أعادت طهران استعمالها في الطائرات من دون طيار.
ربما تتردد الدول الأوروبية في تنفيذ تهديدها بوضع "الحرس" بالفعل على قائمة الاتحاد للمنظمات الإرهابية لأسباب عدة، أولها التهديدات الإيرانية بالانتقام، بحيث يمكن لطهران أن تنتقم عبر استهداف وخطف مزيد من الأوروبيين أو مزدوجي الجنسية الذين يسافرون إليها. كما يمكن أن تحاول استهداف القوات الأوروبية في المنطقة والخليج العربي، وأيضاً تعي دول أوروبا أن مزيداً من الخطوات ضد إيران سيضيف إلى التعقيدات التي وضعها دونالد ترمب على طريق مسار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.