مع عودة المتظاهرين بكثافة إلى شوارع إيران وإطلاق قوات الأمن النار والغاز لتفريقهم، أعلنت السلطة القضائية، الأربعاء 26 أكتوبر (تشرين الأول)، توجيه الاتهام إلى زهاء 300 موقوف على صلة بالتحركات.
وبذلك يرتفع إلى أكثر من 1000 عدد الذين وجهت إليهم اتهامات مرتبطة بالاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق.
من ناحية أخرى قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) إن ما لا يقل عن 15 شخصاً قتلوا وأصيب العشرات الأربعاء، في هجوم على ضريح شاه جراغ في شيراز.
واندلعت الاحتجاجات مع وفاة أميني (22 سنة) في 16 سبتمبر (أيلول) بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.
وقضى خلال الاحتجاجات عشرات غالبيتهم من المتظاهرين، لكن أيضاً من قوات الأمن، وأوقفت السلطات مئات من "مثيري الشغب".
وأفاد موقع "ميزان أونلاين" التابع للسلطة القضائية، الأربعاء، بتوجيه الاتهام إلى أكثر من 300 شخص على صلة بالاحتجاجات في محافظتي زنجان وآذربيجان الغربية في شمال غربي البلاد، ومحافظة سمنان شرق طهران.
ويضاف هؤلاء إلى مئات سبق توجيه الاتهام إليهم، توزعوا بين طهران (أكثر من 300 شخص) وألبرز إلى الغرب منها (201 شخص)، وخوزستان في الجنوب الغربي (أكثر من 100)، وما مجموعه أكثر من 200 في محافظات كوردستان (غرب) وقزوين وأصفهان (وسط).
ومن بين المتهمين في طهران، يواجه أربعة تهمة "المحاربة" التي قد تصل عقوبتها في الجمهورية الإسلامية إلى الإعدام، في حين تشمل تهم الموقوفين الآخرين "التواطؤ ضد أمن البلاد" و"الدعاية ضد النظام" و"الاخلال بالنظام العام"، وفق "ميزان أونلاين".
وأتى إعلان الاتهامات الجديدة في يوم تجمع آلاف في مقبرة بمدينة سقز مسقط أميني في محافظة كوردستان إحياء لذكرى مرور 40 يوماً على وفاتها.
قطع الإنترنت
وفي بلدة سقز بمحافظة كوردستان مسقط رأس مهسا أميني، قطعت السلطات الاتصال عبر الإنترنت "لأسباب أمنية"، بعد إحياء آلاف ذكرى 40 يوماً على وفاتها، وفق ما أوردت وكالة "إيسنا".
وأوضحت وكالة "إيسنا" أن "قرابة 10 آلاف شخص، خصوصاً من أهالي مدينة سقز، لكن أيضاً من المدن المجاورة، توجهوا" إلى المقبرة لإحياء الـ40.
وأشارت إلى أنه تم "قطع الاتصال بالإنترنت في مدينة سقز لأسباب أمنية بعد توترات ومواجهات متفرقة حصلت بعد إحياء الذكرى"، مضيفة أن الوضع "أصبح متوتراً بعض الشيء" في المدينة بعد عودة المتظاهرين إلى الشارع.
وأشارت إلى أن "قسماً من الجموع كان مستعداً للمواجهة" مع قوات الأمن، وأن "أحدهم رفع علم إقليم كوردستان العراق" المتمتع بحكم ذاتي.
وأفادت بأن بعضهم كانوا يعتزمون مهاجمة مركز عسكري للجيش في سقز، لكن "تم تفريقهم من قبل مجموعة من الحاضرين في إحياء الذكرى"، وشددت على أن "أي أحداث لم تسجل في فترة بعد الظهر".
كما أكدت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية وقوع اشتباكات الأربعاء، بين قوات الأمن ومشاركين في إحياء أربعينية مهسا أميني في سقز.
وقالت الوكالة إن "عدداً محدوداً ممن تجمعوا عند قبر مهسا أميني اشتبكوا مع قوات الشرطة في ضواحي سقز وتم تفريقهم.
وذكرت أنه "بعد الاشتباكات المتفرقة انقطعت خدمة الإنترنت في سقز لاعتبارات أمنية"، مضيفة أن عدد من تجمعوا بلغ نحو 10 آلاف.
إطلاق النار والغاز
وأطلقت قوات الأمن الإيرانية الأربعاء النار والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في سقز، وفق ما ذكرت منظمة حقوقية.
وقالت منظمة "هنكاو" غير الحكومية التي تراقب انتهاكات الحقوق في محافظة كوردستان، ومقرها في النرويج، على "تويتر"، "أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وفتحت النار على الناس في ساحة زندان ببلدة سقز".
وفي تحد للإجراءات الأمنية المكثفة، تجمع إيرانيون الأربعاء في مقبرة بمحافظة كوردستان الإيرانية دفنت فيها الشابة مهسا أميني بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاتها.
ورددت عشرات النساء والرجال الذين تجمعوا في مقبرة آيجي في كوردستان بغرب إيران، "امرأة، حياة، حرية" و"الموت للديكتاتور"، بحسب أشرطة فيديو بثت على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأثارت وفاة أميني احتجاجات غير مسبوقة في إيران منذ ثلاث سنوات، وهي متواصلة بمختلف أنحاء البلاد، تتقدمها في معظم الأحيان شابات وطالبات كثيرات منهن يقمن بإحراق حجابهن.
وذكر ناشطون في مجال حقوق الإنسان أن أجهزة الأمن حذرت عائلة أميني من إقامة مراسم في ذكرى الـ40 والطلب من الناس زيارة قبرها الأربعاء، وإلا "عليهم أن يقلقوا على حياة ابنهم".
15 قتيلاً بهجوم على ضريح
من ناحية أخرى قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) إن ما لا يقل عن 15 شخصاً قتلوا وأصيب العشرات الأربعاء، في هجوم على ضريح شاه جراغ في شيراز.
وقالت وكالة إعلامية تابعة للسلطة القضائية في إيران إن ثلاثة مسلحين دخلوا الضريح الواقع في مدينة شيراز بجنوب البلاد الساعة 5:45 مساء بالتوقيت المحلي (14:15 بتوقيت جرينتش).
وذكرت "إرنا" أن المهاجمين تصرفوا مثل "الإرهابيين التكفيريين"، في إشارة إلى جماعات سنية متطرفة مثل تنظيم "داعش".
وقال موقع نور نيوز الإخباري التابع لجهاز أمن إيراني كبير إن المسلحين الذين نفذوا "هجوما إرهابيا" اليوم الأربعاء على ضريح في شيراز أسفر عن مقتل 15 شخصا على الأقل، ليسوا مواطنين إيرانيين.
تهديد عائلة أميني
والثلاثاء نشرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا" بياناً قالت إن العائلة أصدرته جاء فيه "نظرا للظروف ومن أجل تجنب أية مشكلة مؤسفة، لن نحيي ذكرى مرور 40 يوماً" على وفاة مهسا.
أظهرت صور نشرتها منظمة "هنكاو" غير الحكومية وجوداً كثيفاً لقوات الأمن اعتباراً من مساء الثلاثاء في سقز، وقد تكون أغلقت مداخل المدينة.
على رغم ذلك دخل عشرات السكان إلى البلدة الأربعاء، إما عبر الحقول وعلى طول الطرقات بالسيارات أو دراجات نارية بحسب الصور التي نشرتها منظمة "هنكاو".
كما شهدت مدن عدة بكوردستان مثل "سنندج وسقز وديوانداره ومريوان وكامياران" تنفيذ إضرابات، بحسب ما كتبت "هنكاو" على "تويتر".
تضامن رياضي
بحسب هذه المجموعة فإن لاعبي كرة القدم الإيرانيين البارزين الهداف الأسطوري علي دائي وحارس المرمى حامد لك، توجها إلى سقز "رغبة منهما في أن يحضرا ذكرى الـ40".
نزل الرجلان في فندق كورد بحسب "هنكاو"، لكن "نقلا إلى دار الضيافة الحكومية تحت حراسة قوات الأمن".
وكان تم استجواب علي دائي في السابق بسبب تصريحات أدلى بها على الإنترنت لدعم الحركة، وصودر جواز سفره لفترة وجيزة.
وأظهرت لقطات لم يتم التحقق منها نشرتها على الإنترنت منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها أوسلو أشخاصاً يتجمعون خارج الفندق "خلال تظاهرة ليلية".
ونقلت صحيفة "هميهان" بعد ذلك عن محافظ كوردستان إسماعيل زارعي كوشا تأكيده أن علي دائي ومشاهير آخرين كانوا في طهران وأن "كل شيء كان هادئاً في سقز".
141 قتيلاً
أدت أعمال القمع التي قامت بها قوات الأمن بحق المحتجين إثر وفاة مهسا أميني في مختلف أنحاء إيران إلى سقوط 141 قتيلاً على الأقل بينهم أطفال، بحسب حصيلة جديدة أوردتها منظمة حقوق الإنسان في إيران.
من جانب آخر في مدينة زاهدان بمحافظة سيستان بلوشستان (جنوب شرق)، إحدى أفقر مناطق إيران، أدت أعمال عنف اندلعت في 30 سبتمبر خلال تظاهرات احتجاج على حادثة اغتصاب فتاة نسبت إلى شرطي، إلى سقوط 93 قتيلاً على الأقل بحسب المنظمة غير الحكومية نفسها.
وقتل 23 طفلاً في القمع بحسب منظمة العفو الدولية، و29 بحسب منظمة حقوق الإنسان في إيران.
عقوبات أميركية
من جانبها فرضت الولايات المتحدة الأربعاء عقوبات جديدة على إيران استهدفت مسؤولين وكيانين، بسبب الرقابة على الإنترنت والحملة ضد المحتجين على وفاة الفتاة مهسا أميني.
واشتعلت المظاهرات بعد أن توفيت مهسا أميني (22 سنة) يوم 16 سبتمبر، وصارت الاحتجاجات أحد أصعب التحديات التي تواجه قادة إيران الدينيين منذ ثورة عام 1979.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان إنها فرضت عقوبات على مسؤولين بالحرس الثوري الإيراني ومسؤولين في السجون، إضافة إلى كيانين متهمين ببذل "جهود لتعطيل الحرية الرقمية" في البلاد.
ويستهدف الإجراء هدايت فرزادي الذي اتهمته وزارة الخزانة بإدارة سجن إيفين الذي ينزل به في الأغلب المسجونون السياسيون، الذي قالت واشنطن إن كثيرين من المحتجين نقلوا إليه.
كما يستهدف سيد حشمة الله حياة الغائب المدير العام لسجون إقليم طهران، الذي تقول وزارة الخزانة إنه يشرف أيضاً على سجن إيفين بحكم منصبه.
وشمل القرار محمد كاظمي قائد جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني وعباس نيلفوروشان نائب قائد عمليات الحرس الثوري، وآخرين في الحرس.
ويجمد الإجراء الأميركي أية أرصدة للمشمولين بالعقوبات ويحظر بشكل عام على الأميركيين التعامل معهم.