تبلغ حملة الإطار التنسيقي ضد التحالف الثلاثي ذروتها هذه الساعات، مع انقضاء نصف أيام المهلة التي منحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لخصومه، وطالبهم بإجراء مفاوضات مع جميع الكتل –لاسيما حلفاء الصدر- لإقناعهم بتشكيل الحكومة بمعزل عن الكتلة الصدرية.
وبانتصاف ليل الثلاثاء على الأربعاء، تدخل المهلة نصفها الثاني، فيما تتصاعد لهجة قوى الإطار التنسيقي بشكل متسارع مع بدء العد العكسي لنهاية المهلة.
وفي بادئ الأمر، لم تُظهر قوى الإطار تفاعلاً مع العرض الصدري، واعتبرته محاولة لإحراجها وبيان ضعفها عن إقناع الشركاء بتشكيل كتلة أكبر، خاصةً وأن المهلة، جاءت بعد ساعات على تصريح سابق للصدر، تساءل فيه "كيف ستتوافقون مع الكتل وأنتم تتطاولون ضد كل المكونات وكل الشركاء الذين تحاولون كسبهم لفسطاطكم؟"، حيث يُراهن الصدر أن سوء العلاقة واستمرار التراشق بين القوى الكوردية وقوى الإطار، سيحول دون تمكّن الأخير من تشكيل ائتلاف حكومي.
واعتبر رئيس هيئة الحشد الشعبي، وعضو الإطار التنسيقي فالح الفياض، مهلة الصدر "شطارة سياسية" رافضًا التعامل معها بجدية.
غير أن الظهور الأخير لزعيم جماعة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وحديثه عن استعداد الإطار لتشكيل حكومة تستثني الصدر "إذا كان مصرًا" أظهر وجود تيارٍ داخل الإطار، يرغب بخوض غمار التحدي بالفعل، وتجريب حظه في جمع ثلثي مقاعد البرلمان لتمرير رئيس الجمهورية، ثم الحكومة.
ولا يُمكن الجزم، في أن هذا التيار جادٌ في مسعاه، أم أن تصريحاته تأتي في سياق الضغط على الصدر، و"تخويفه" من إمكانية سحب حلفائه وإبعاده عن التشكيلة المقبلة، لكن شخصيات ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي –على سبيل المثال- تعتمد تصريحات شبه موحّدة، تمزج فيها بين إظهار القدرة على استثناء الصدر، والتأكيد في الوقت ذاته على أن الإطار لن يبحر منفردًا دون أن يُقل الصدر في السفينة.
شهد التحالف الثلاثي "إنقاذ وطن" عدة ضربات مُوجعة منذ لحظة إعلانه، فقد انسحب عدد من نوّاب المكوّن السنّي يتقدمه مثنى السامرائي وخالد العبيدي، وانضموا إلى خصوم الثلاثي، ثم تراجع تحالف "من أجل الشعب" المشكل من حركتي "امتداد والجيل الجديد" عن المشاركة في نصاب جلسة انتخاب الرئيس.
ويتجه الخط البياني لأعضاء وحلفاء "الثلاثي" إلى الأسفل مع مرور الوقت، فيما تتحدث شخصيات سياسية عن مزيد من الانشقاقات.
رئيس البرلمان الأسبق سليم الجبوري، القريب من شخصيات سنيّة متحفظة على التحالف الثلاثي، فجّر حديثه مزيدًا من التشاؤم بشأن مصير "الثلاثي" حين تحدث بثقة عن "تشظي تحالف إنقاذ وطن"، وأنّ "انسحابات جديدة ستضرب التحالف بعد أن وجهت قوى سنية ضمن الثلاثي رسائل إلى خصومه".
وبينما يبدو متوقعًا أن تتنقل بعض الشخصيات السنية بين التحالفات، كما هو مألوف في سيرة تلك القوى، إلا أنّ حديث الجبوري عن "انسحابات كوردية متوقعة" لا يحيل إلاّ إلى تغيير في موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني، الذي تحمّل أعباء كبيرة منذ قرر التحالف مع الصدر، من بينها حرق مقره في بغداد، والقصف الإيراني البالستي على أربيل، بدعوى استهداف "خلايا موساد"، رغم أنّ حديث حلفاء إيران عن وجود إسرائيلي في كردستان العراق يعود إلى عقود، دون أن يقود إلى قصف بالستي، إلا في آذار/مارس الماضي، بعد بلوغ التنسيق الصدري البارزاني ذروته.
وأبدى الديمقراطي الكوردستاني الأسبوع الماضي نوعًا من الليونة، حين قال إنّه يرحب بمبادرة الإطار التنسيقي شرط أن تضمن تمرير مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية ريبر أحمد.
وفيما لو استمر الديمقراطي الكوردستاني بتوسيع المسافة بينه وبين الصدر، والانفتاح على خيارات أخرى، فإن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قد يكون المغادر التالي من سفينة "الثلاثي"، إذ يحرص الحلبوسي على إدامة تنسيق استراتيجي عميق مع مسعود بارزاني.
وفضلاً عن هذا، تشكل العودة المرتقبة للسياسي الأنباري السني البارز رافع العيساوي للمشهد السياسي، أخبارًا سارةً بالنسبة لرئيس البرلمان الذي قد يشعر باهتزازٍ تحت كرسيه، فيما لو أقدم الإطار التنسيقي على دعم صعود زعامة العيساوي من جديد، وهي مخاوفٌ من سيكون منطقيًا أن تساور الحلبوسي، مع استمرار "المتاعب" التي يتسبب بها السياسي سطام أبو ريشة في الأنبار، والذي يهاجم الحلبوسي بشكل شبه يومي، وتحظى حملته بتغطية واسعة من إعلام وسائل الإعلام المرتبطة بقوى الإطار التنسيقي.
وقطع الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكوردستاني شوطًا كبيرًا في التقارب خلال الأسابيع الماضية، عبر عدة لقاءات على مستوى قادة الطرفين، شملت أيضًا نوابًا سنّة، فيما يبدو أنه محاكاة للتحالف الثلاثي، وإن كان بأعداد أقل.
والتزامًا بقرار الصمت الإعلامي الذي بدأه نواب الكتلة الصدرية في الثاني من نيسان/أبريل الحالي، يرفض نائب صدري اشترك في المفاوضات، التصريح حول توقف الاتصالات بين مقرّي الصدر وبارزاني، لكنه يقول باقتضاب، إنّ ذلك "مرتبطٌ بالاعتكاف الرمضاني للصدر، وليس لأي اعتبارات أخرى يشيعها الخصوم".
عضو في الحزب الديمقراطي الكوردستاني يعلق على ما يجري بالقول "ثمّة حيرة في سرة رش" في إشارة إلى مقر إقامة رئيس الحزب مسعود بارزاني.
لكنه يستدرك في حديثه إن "قيام القوى الثلاثة بإعلان التحالف، يجعلها بعيدة عن التراجع، فقبل الثالث والعشرين من آذار/مارس، كان بإمكان جميع أطراف التحالف المناورة إلى حدٍ ما، كانوا في طور تنسيق وتقارب مواقف، لكن إعلان "إنقاذ وطن" رسميًا وطرح مرشحيه لرئاستي الحكومة والجمهورية، وضعنا جميعًا أمام تحدٍ سيقود الفشل فيه إلى انعكاسات داخلية وخيمة داخل البيئات الانتخابية لأعضاء التحالف".
وعلى النحو ذاته، يؤكد النائب عن الديمقراطي الكوردستاني محما خليل، أنّ التحالف الثلاثي "لم يكن متماسكًا في أي وقت مضى كما هو الآن"، محددًا موعدًا لإنهاء الأزمة هو أواخر أيار/مايو المقبل، لكن تصريحات خليل -وهو أحد أعضاء الديمقراطي القلائل الذين يواصلون التصريح- يبقى محل جدل، حيث سبق أن توعّد مطلع آذار/مارس الماضي بـ"مفاجأة للجميع.. وأغلبية ثلثين مريحة" في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لكن شيئًا من هذا لم يحصل.
ويواجه "التحالف الثلاثي" هذه الأيام واحدة من أقسى اختبارات صموده، بين ثلاثة مستويات من الضغط، يستهدف الأول دفع المزيد من أعضاء "الثلاثي" للانشقاق وحرمانه من التفوّق العددي، فيما يبسط الثاني اليد لدعوة الصدر إلى المشاركة في حكومة ائتلافية تضم جميع القوى الشيعية، مع "عروض مغرية" لمنحه عددًا أكبر من الوزارات، أما الخيار الثالث والأكثر "صقورية" فهو التلويح بإخراج الصدر من المعادلة، عبر دفعه إلى المعارضة، ومحاولة تشكيل ائتلاف حكومي يستثني الكتلة الصدرية.