يدفع رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي ضريبة تحالفه مع الولايات المتحدة، وانفتاحه على دول خليجية، وخاصة السعودية، ومحاولة الابتعاد عن حلف إيران وأذرعها في العراق، وهو ما يفسر مساعي حكومة خلفه عادل عبدالمهدي لإخراجه من المنطقة الخضراء وتعريض حياته وحياة أسرته للخطر.
وبخلاف الحال مع رؤساء الوزراء السابقين في العراق، وهم كل من إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي، لم يحافظ العبادي على شيء من مقاره داخل المنطقة الخضراء، بعد مغادرته السلطة، إذ تعرض لضغوط كبيرة، ليخلي اثنين منها، فيما تقول مصادر مطلعة إن رئيس الوزراء السابق لم يتبق له أي معقل داخل المنطقة التي تضم مقر الحكومة والبرلمان وديوان رئاسة الجمهورية والسفارتين الأميركية والبريطانية.
وحافظ علاوي على مقره الكبير في شارع الزيتون اللصيق بالمنطقة الخضراء، بالرغم من مغادرته السلطة منذ سنوات، فيما حوّل الجعفري مقر الحكومة أيام ولايته في 2005 داخل المنطقة الخضراء إلى مكتب خاص ومنزل، وكذلك فعل المالكي، الذي اقتطع جزءا كبيرا من القصر الرئاسي الذي كان يسيّر الحكومة من داخله في ولايتيه بين 2006 و2014، ليكون مقرا سياسيا له.
لكن الحال اختلف مع العبادي، بعد وصول عبدالمهدي إلى منصب رئيس الوزراء، إذ سلم رئيس الوزراء السابق مقر مكتبه الخاص المجاور لمكتب رئيس الوزراء الرسمي في المنطقة الخضراء فور مغادرته السلطة، فيما لاحق حرس رئيس الوزراء الحالي العبادي حتى داخل مقر سكن زوجته الثانية، وهو عبارة عن شقق مدمجة.
واضطر العبادي إلى سحب عائلته خارج المنطقة الخضراء، رافضا التعليق على هذا التطور غير المألوف، فيما تصدى أحد أعضاء التحالف البرلماني الذي يقوده لحرس عبدالمهدي، وهاجمهم متهما إياهم باقتحام المنزل الشخصي لرئيس الوزراء السابق.
ولم تكن عملية إخلاء منزل العبادي في المنطقة الخضراء طبيعية، إذ عمد حرس عبدالمهدي إلى التحرك بعد انتصاف الليل، ووضع الأقفال على أبواب الشقق المدمجة، من دون أن يتضح ما إذا كانت عائلة رئيس الوزراء السابق قد غادرتها فعلا.
ويقول مقربون من عبدالمهدي إنه نفى علمه بهذه التطورات، لكن واقع الحال يشير إلى أن رئيس الحكومة صمت عن الأمر ولم يصدر تعليمات مغايرة.
وتكمن المفارقة في أن عبدالمهدي يشغل شخصيا قصرا رئاسيا كبيرا بجوار القصر الجمهوري في منطقة الجادرية القريبة من المنطقة الخضراء منذ 10 أعوام تقريبا، ولم يطلب منه في السابق إخلاؤه حتى بعدما استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية أو منصب وزير النفط في حكومة العبادي.
ويشغل مسؤولون أكراد قصورا موزعة في ما يعرف بـ”المربع الرئاسي” بالجادرية، أثناء توليهم مسؤوليات رسمية أو بعد مغادرتهم مواقعهم. وإلى جوار المربع الرئاسي تنتشر قصور ومكاتب تابعة لزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم منظمة بدر هادي العامري، وهؤلاء قاموا بشغلها بعد 2003، ولم يرتبط بقاؤهم فيها بتوليهم مسؤوليات رسمية.
وحتى داخل المنطقة الخضراء نفسها، ما زال القصر الذي كان يستخدمه رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري للسكن واستقبال الضيوف تحت سيطرته، ولم يقم بإخلائه بعد تنحيه من منصبه.
ومن الواضح أن أجواء التصفية السياسية ليست بعيدة عما يدور حول العبادي، بسبب تحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة عندما كان في منصبه وعلاقاته القوية مع دول خليجية أبرزها السعودية.
ويقول سياسي عراقي إن “العبادي يدفع ثمن تحالفاته الخارجية، التي لا تروق لإيران وأصدقائها في العراق”.
ووفقا لمصادر سياسية في بغداد، فإن عبدالمهدي، الذي يقود حكومة منقوصة ويحيط بها القلق وليس لديها غطاء برلماني واضح، يخشى أن يستخدم العبادي مقراته في المنطقة الخضراء لبناء حراك سياسي يضغط على الكابينة الجديدة.
ولم يخف العبادي في مقابلات تلفزيونية استغرابه من تجاهل عبدالمهدي لتحالف النصر خلال عملية توزيع الوزارات على القوائم الفائزة في الانتخابات.
وقال العبادي إن رئيس الحكومة تصرف بمكيالين في عملية توزيع الوزارات، إذ اختار مستقلين لشغل حقائب تخص تحالف الإصلاح، الذي يضم تحالف النصر، وكتلة سائرون التي يرعاها مقتدى الصدر، وتيار الحكمة بزعامة الحكيم، لكنه اختار شخصيات حزبية لملء حقائب تحالف البناء القريب من إيران، ويضم منظمة بدر وعصائب أهل الحق وائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.
وقرأ متابعون في تصريحات العبادي مؤشرا على تحوله للمعارضة، وسط إشارات متزايدة إلى نيته العمل على توسيع قاعدة مشروعه السياسي، في ظل الشعبية التي يفترض أنه يحظى بها، بسبب إدارته التي توصف بالمتوازنة، لمنصب رئيس الوزراء بين 2014 و2018.
وعمليا، يبدو العبادي في أضعف صوره السياسية حاليا، بعدما خسر المنافسة على منصب رئيس الوزراء، وقبل ذلك، فقد جزءا من كتلته السياسية بانشقاق فالح الفياض عنه والتحاقه بالركب القريب من إيران، وهو ما يمكن أن يفسر الحملة التي تستهدف إخراجه من مقراته داخل المنطقة الخضراء.
وبالرغم من أن بوصلة تحالفات العبادي لم تتجه نحو هدف محدّد حتى الآن، إلا أن مصادر قريبة منه تشير إلى تحضيره لإطلاق جولة تواصل مع قطاعات اجتماعية مختلفة لبناء قاعدة جماهيرية، ربما تعيده إلى الواجهة مجددا، مستندا إلى علاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة والغرب عموما، والثقة التي يحظى بها في الخليج.