جددت فصائل شيعية التلويح باستئناف المواجهة العسكرية ضد القوات الأميركية في العراق، بعد أشهر من الهدوء النسبي الذي شهدته البلاد قبيل الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك بعدما أعلنت هذه الفصائل في مارس (آذار) الماضي وقف هجماتها ضد القوات الأميركية حتى نهاية العام الحالي، كما توصلت واشنطن وبغداد إلى اتفاق في يوليو (تموز) الماضي، بشأن تحديد فترة زمنية لرحيل هذه القوات.
ويقضي الاتفاق الذي تم توقيعه خلال لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 26 يوليو الماضي، بانسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق بحلول نهاية العام الحالي، فيما سيبقى عدد غير معلوم من القوات الأميركية لتقديم المشورة وتدريب القوات العراقية.
وأطلق الأمين العام لـ "كتائب سيد الشهداء" أبو ولاء الولائي، حملة لتطويع أنصار الفصائل الشيعية لمواجهة القوات الأميركية في العراق في حال عدم انسحابها نهاية العام. وأظهرت مقاطع فيديو مجموعة ترتدي الزي العسكري تدعي تلقيها اتصالات للانخراط في تلك الحملة في كل مدن العراق.
وحظيت الحملة التي أعلن عنها الولائي عبر تغريدة، بتغطية إعلامية من وسائل إعلام وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة للفصائل الشيعية، إلا أنها لم تلق صدى كبيراً في الشارع العراقي.
ومنذ إصدار البرلمان العراقي قراراً، بأغلبية شيعية، بإخراج القوات الأميركية من العراق مطلع يناير (كانون الثاني) 2020، لم تستطع القوى الشيعية النجاح في إقناع ممثلي العرب السنة والكرد بتأييد هذا القرار الذي جاء عقب مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
ومثّل الاتفاق على إنهاء الأعمال القتالية للقوات الأميركية في العراق نهاية العام الحالي، والإبقاء على جزء من هذه القوات لأغراض التدريب ومساندة القوات العراقية، خطوة مهمة لسحب كل الذرائع التي كانت تسوقها الفصائل الشيعية لاستهداف مصالح الولايات المتحدة في البلاد.
في السياق، نفت قيادة العمليات المشتركة العراقية أنباء تحدثت عن قرار عراقي بتمديد بقاء القوات الأميركية القتالية بعد نهاية العام الحالي، وقال المتحدث باسم قيادة القوات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "الحديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية غير دقيق وغير صحيح"، مؤكداً أن "موعد خروج القوات القتالية في 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل ثابت ولا تغيير فيه".
وأضاف الخفاجي أن "العلاقة بين الطرفين بعد خروج القوات القتالية ستكون علاقة استشارية في مجالات التدريب والتسليح والمعلومات الاستخبارية والأمنية ضد تنظيم داعش الإرهابي".
ورأى متابعون للشأن العراقي أن حملة الفصائل الشيعية هي مجرد ورقة ضغط على الحكومة العراقية والجهات الفائزة في الانتخابات البرلمانية، للحصول على مكاسب تعوض هزيمتها في الانتخابات وتضمن لها دوراً مؤثراً في الحكومة المقبلة.
وقال مدير مركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز عبدالحميد، إن "تلويح الفصائل المسلحة بمحاربة القوات الأميركية يشكل ورقة ضغط بيد هذه الفصائل بعد خسارتها في الانتخابات"، مستبعداً إقدام تلك الفصائل على محاربة القوات الأميركية. وأضاف عبدالحميد، "هذه آخر ورقة تلعبها هذه الفصائل التي خسرت الانتخابات في ظل خلافاتها مع الكتل الشيعية الأخرى"، مبيناً أنها تستخدم هذه الملف "لعلمها أن الوجود الأميركي مرفوض من الشارع والفصائل الشيعية الأخرى".
ولفت عبدالحميد إلى أن "الولايات المتحدة مصرة على الانسحاب، وبحسب المحادثات التي جرت بين بغداد وواشنطن ستبقى قوة للتدريب، وسيحضر هؤلاء المدربون في قاعدة عين الأسد أو أربيل إلى جانب قوات أخرى من حلف شمال الأطلسي". وأضاف أن "إيران تتعرض إلى ضغوط دولية في ما يتعلق بالملف النووي من أجل رجوعها مرة ثانية إلى طاولة المفاوضات، وهناك رؤية أميركية تقضي بأن يتم التفاوض على كل القضايا وليس الملف النووي فقط"، مشيراً إلى أن تلك "الضغوط تؤثر في الشارع العراقي وعلى الفصائل التي تهدد باستخدام القوة ضد القوات الأميركية".
كذلك اعتبر عبدالحميد أن هذه الفصائل لن تستخدم القوة، "لأن هذه القواعد تتمتع بالحماية وليس سهلاً الوصول إليها سواء باستخدام الصواريخ أو الطائرات المسيرة أو أي أسلحة أخرى".
وعن تحدي خروج القوات الأميركية بين عبدالحميد أن "الحكومة العراقية باتت في وضع تسيير الأعمال، ولا تملك رؤية لوضع استراتيجية في الوقت الحاضر لكنها تعهدت للشعب العراقي بخروج القوات الأميركية"، لافتاً إلى "مناشدات من أحزاب في المنطقة الغربية والموصل لبقاء تلك القوات لعدم اطمئنانهم للفصائل المسلحة وعدم ثقتهم بقدرات القوات الأمنية العراقية"، موكداً أن "هذا الأمر واضح في منطقة سهل نينوى التي تشهد نزاعات عشائرية مع القوات الاتحادية والبيشمركة، وتبعث رسائل عدم اطمئنان إلى حكومة بغداد وواشنطن".
ولعل إنهاء الوجود العسكري الأميركي لم يقتصر على تصريحات المسؤولين العراقيين والأميركيين، وإنما انسحب على اجتماعات مشتركة بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره العراقي جمعة الجبوري في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حدد بموجبه الأول انتهاء المهمة العسكرية الأميركية في العراق.
وأشار أوستن إلى أن بقاء قوات بلاده في العراق سيكون بناء على دعوة من الحكومة العراقية لدعم قوات الأمن المحلية.
بدوره، وصف الباحث في الشأن السياسي علي بيدر ما تقوم به "الكتائب المسلحة الولائية" بـ "الجهود الاستعراضية"، مستبعداً إقدام تلك الجماعات على توجيه ضربات للقوات الأميركية. وأضاف بيد أن "الانسحاب الأميركي سيكون جزئياً، فالولايات المتحدة ترى في العراق مكاناً بارزاً لحماية مصالحها وكذلك حماية التجربة الديمقراطية في ذلك البلد".
وأوضح البيدر أن "الجماعات المسلحة التي تتحدث عن استهداف الأميركيين لن تنفذ أي عملية ضدهم"، لافتاً إلى أن "ما تقوم به حالياً نطلق عليه تسمية "رفسة الموت" بالنسبة إلى تلك الجماعات، فالكل ضدها سواء من الرأي العام أو المواقف السياسية أو المجتمع الدولي الذي صنف تلك الجماعات ضمن خانة الإرهاب العالمي".
وتابع أن "كل الجهات الولائية الموالية لطهران على وجه التحديد ترفض الوجود الأميركي وتعلن أنها ستواجهه، وهي تحارب بالوكالة عن إيران"، مبيناً أن "هناك اختلافاً وتبايناً في مواقف الجهات المسلحة الموجودة في العراق حيال التعامل مع الوجود الأميركي في البلاد".