Skip to main content

ماذا لو أصبحت إيران دولة نووية؟

مفاعل إيران النووية
AvaToday caption
يدفع تحوّل إيران إلى دولة نووية دول جديدة مثل السعودية للانضمام لمعسكر السلام الإبراهيمي، كما سينطلق سباق تسلح نووي إقليمي، وستسعى بعض الدول للحصول بأسرع وقت على سلاح نووي، وأولها تركيا
posted onSeptember 2, 2021
nocomment

د. عماد بوظو

دعا وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قبل أيام، 60 سفيرا أجنبيا، إلى بلورة خطة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي لأنها حسب قوله على بعد شهرين من الحصول على مواد كافية لصنع قنبلة نووية.

وفي نفس الوقت توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت إلى واشنطن لبحث هذا الموضوع، وصرّحت مصادر صحفية أنه قدّم استراتيجية شاملة لمواجهة إيران، لكن مسؤولا أميركيا كبيرا قال إن الرئيس بايدن أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي أن واشنطن ستبقى ملتزمة في الوقت الحالي بالمسار الدبلوماسي مع طهران.

ولكن إذا كان ما يفصل إيران عن قنبلتها النووية شهران فقط، فما الذي سيفعله المسار الدبلوماسي، خصوصا مع حكومة إيرانية جديدة تتألف من متشددين اختارهم خامنئي شخصيا ليخاطب من خلالهم العالم في المرحلة المقبلة، مثل رئيس إيران الجديد، القاضي المتشدد إبراهيم رئيسي، المشمول بالعقوبات الأميركية، والذي دعت منظمة العفو الدولية إلى إجراء تحقيق رسمي في ما قام به من ممارسات خصوصا بشأن دوره في إعدام آلاف السجناء من خلال عضويته بما عرف باسم "لجنة الموت" في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

وكذلك في اختيار حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان مقربا من قاسم سليماني لمنصب وزير الخارجية، كما أن سلوك إيران في جولات المفاوضات الأخيرة مع الدول الأوروبية حول شروطها للعودة للاتفاق النووي عكس تشددا غير مسبوق، بما يعني أن خامنئي ومستشاريه قد وصلوا إلى نتيجة أن التشدد هو الطريق الأمثل للتعامل مع الإدارة الأميركية الحالية التي تركت انطباعا بضعفها في سياستها الخارجية في كثير من الملفات، والتي كان آخرها ما حدث في أفغانستان.

كما أن النشاطات الإيرانية النووية الأخيرة، ورفع درجة تخصيب اليورانيوم لما فوق 60 في المائة، خلال فترة زمنية قصيرة أكّدت على أن الاتفاق النووي الذي وقّعه الرئيس أوباما مع إيران قد حافظ على وضعها كبلد حافّة نووية، أي على امتلاكها الخبرة العلمية والمنشآت والمفاعلات والمواد الخام التي تمكنّها من التحول إلى دولة نووية عندما تتخذ قرارا سياسيا بذلك، لأن هذا الاتفاق لم يتضمن تفكيك أي جزء من مشروعها النووي، وفوق ذلك فإن بعض بنوده ينتهي العمل بها بعد أربع سنوات فقط والباقي عام 2030، بحيث تتحرر إيران رسميا من كافة الالتزامات التي تمنعها من حيازة سلاح نووي.

وهذه المعطيات التي أشارت إلى أن إيران على بعد بضعة أسابيع فقط من حيازة سلاح نووي جعلت من الضروري تصوّر انعكاسات هذا التطور الدراماتيكي، ومع أن هذا السلاح معنوي، أي لا يوجد احتمال حقيقي لاستخدامه على أرض الواقع تحت أي ظرف، ولكن ذلك لا يقلل من الآثار النفسية التي ستترتب على مثل هذا الإعلان، والتي ستبدأ بمظاهرات مليونية في بعض المدن الإيرانية تتكون بشكل رئيسي من رجال الدين والعوام والمراهقين للاحتفال بهذا الانتصار التاريخي، ومن المرجّح أن يستغل النظام هذا المناخ في القيام بحركة قمع واعتقالات واسعة بحق مجموعات المعارضة السياسية والثقافية والقومية.

كما ستنتقل الاحتفالات إلى الدول الخاضعة للنفوذ الإيراني، وسيزداد تحكّم الميليشيات المرتبطة بإيران بالدولة العراقية، وليس من المستبعد زيادة عمليات الاغتيال وعدم اقتصارها على الشباب من ناشطي الحراك الشعبي بل توسّعها لتشمل شخصيات سياسية معروفة بمعارضتها للهيمنة الإيرانية حتى لو كانت من أتباع السيستاني أو مقتدى الصدر.

وفي لبنان ستتعزز سيطرة حزب الله وسيتغنّى عناصره وحلفاؤه بالانتصار الإلهي الجديد وستحمل استعراضاتهم تهديدا لكل من يختلف معهم سياسيا أو طائفيا، وسيقوى نفوذ حماس على حساب السلطة الفلسطينية وستزداد المظاهرات أمام السياج الفاصل وإطلاق البالونات الحارقة، وستعود شعارات "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" لتطغى على الأصوات التي تدعو للحلول السياسية.

أما على المستوى الإسرائيلي فلن يطرأ تغيير ذو معنى على سلوك إسرائيل الإقليمي، فلن تتوقف غاراتها الجوية على الأهداف الإيرانية في الشرق الأوسط، بل إن علاقة بعض الدول العربية مع إسرائيل ستزداد قوة.

وقد يدفع تحوّل إيران إلى دولة نووية دول جديدة مثل السعودية للانضمام لمعسكر السلام الإبراهيمي، كما سينطلق سباق تسلح نووي إقليمي، وستسعى بعض الدول للحصول بأسرع وقت على سلاح نووي، وأولها تركيا حيث من المرجح أن يجد إردوغان في هذا الإعلان ذريعة لتسريع الحصول على قنبلة نووية يتوّج فيها سياسته الاستعراضية الشعبوية مما يرفع احتمال بقائه في السلطة حتى إشعار آخر.

وليس من المستبعد أن تحذو مصر حذو تركيا، أو حتى إنشاء مشروع نووي مشترك لدول مجلس التعاون الخليجي ورغم صعوبة ذلك في الظروف العادية ولكن ضعف الإدارة الأميركية قد يجعل كل شيء ممكن.

أما في الولايات المتحدة فإن إيران نووية ستضيف مؤشرا جديدا على ضعف الإدارة الأميركية وستجعلها في وضع لا تحسد عليه داخليا وعالميا، أما بقية دول الغرب فستكون ملزمة بالانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية واسعة على إيران مما سيفاقم من أزماتها الاقتصادية والمعيشية، وستتحول إيران عمليا إلى كوريا شمالية جديدة في قلب الشرق الأوسط، رغم أن هذا ليس بالأمر السهل، فالشعب الكوري الشمالي في عزلة تامة عن بقية العالم، بما يجعل التحكم به أكثر سهولة.

بينما هناك ملايين الإيرانيين المنتشرين في كافة دول العالم، خاصة في الولايات المتحدة التي يوجد فيها بين نصف مليون ومليون إيراني، يشكّلون واحدة من أكثر الجاليات تعليما، إذ يحمل 60 في المئة منهم شهادة جامعية، حسب مسح أجرته دائرة الإحصاء الأميركية، كما يحتلون أعلى نسبة من أصحاب الأعمال الحرة.

ولا يختلف وضع الإيرانيين في أوروبا كثيرا عن وضعهم في أميركا، والأغلبية المطلقة من هؤلاء بعيدون تماما ثقافيا وسياسيا واجتماعيا عن مفاهيم الجمهورية الإسلامية وتواصلهم مع أقاربهم ومعارفهم في داخل إيران سيكشف لهؤلاء عن حياة البؤس التي يعيشونها في بلادهم مما يرفع احتمال تمرّدهم على النظام، ولن تستطيع الحكومة الإيرانية فعل الكثير مع هؤلاء المغتربين لأنهم يشكّلون مصدر دخل كبيرا لإيران، لا تستطيع الحكومة المغامرة بخسارته.

ومن ناحية أخرى فإن المشاعر الجياشة التي ستحدث بعد الإعلان عن القنبلة النووية الإيرانية ستكون محدودة من ناحية مدتها الزمنية فخلال بضعة أشهر ستخف الاحتفالات تدريجيا في إيران والدول التي تدور في فلكها وستعود الأزمات الاقتصادية والمعيشية إلى الواجهة مجددا لشعوب جائعة تحتفل عبر استعراضات عسكرية بانتصارات مزعومة على الاعداء.

واليوم يستعرض المرشد علي خامنئي كل هذه المعطيات ليقرر بعدها: هل سيمضي قدما في المشروع النووي حتى الوصول للقنبلة النووية التي يأمل بأن تطيل من عمر نظامه مع جعل الشعب الإيراني يتحمّل تبعات هذا القرار اقتصاديا وسياسيا، أم سيتّبع سياسة مهادنة للعالم وإعطاء الأولوية لمعالجة الوضع الاقتصادي والأزمات المعيشية للإيرانيين، هذا ما ستكشف عنه الأسابيع المقبلة.