ربطت مصادر سياسية عمانية زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى سلطنة عمان بمعطيات تتعلق بنقل جلسات الحوار بين الرياض وطهران من بغداد إلى مسقط. ولكنها أكدت أن تبادل الزيارات والوفود يعطي فرصة لمسقط والرياض من أجل بناء علاقات جديدة متحرّرة من سطوة الماضي القائم على الشك.
وقالت المصادر في تصريحات لـ”العرب” إن السلطنة تقوم، بالتوازي مع تحركها في الملف اليمني، بجهود لتقريب وجهات النظر السعودية – الإيرانية، وأن مسقط تحتضن المرحلة الثانية من الحوار بين البلدين بعد أن شهد العراق المرحلة الأولى من المفاوضات، والتي كانت بمثابة جلسات تمهيدية عرضت فيها كل جهة مطالبها، وتبادل الطرفان كلمات المجاملة وكسب الثقة.
وأشارت إلى أن سلطنة عمان تستثمر عودة الدفء لعلاقتها مع السعودية من أجل تحقيق اختراق جديد يحسب لفائدة دبلوماسيتها النشطة والتي نجحت في السابق في التمهيد للاتفاق النووي بين إيران ودول خمس زائد واحد. كما تعمل حاليا على تحقيق اختراق في الملف اليمني من خلال وفد أمني بعد زيارته إلى صنعاء.
وعبّر مصدر سياسي عماني في تصريح لـ”العرب” عن تفاؤله بأن تتكلل جهود بلاده بحل الملف اليمني على صعوبته، مشددا على أن الأمر سيأخذ بعض الوقت.
وأفادت وكالة الأنباء العمانية بأن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وصل إلى السلطنة في زيارة قصيرة.
وأضافت الوكالة أن الوزير السعودي “حمل رسالة شفوية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى السلطان هيثم بن طارق، تتصل بالعلاقات بين البلدين وآفاق تعزيزها”.
وتدرك سلطنة عمان أهمية العلاقة مع السعودية في وضعها الحالي، ورغبتها في الاعتماد على دعم خليجي ذي قيمة للخروج من أزمتها الاقتصادية. كما أنها تريد أن تقطع مع إرث السنوات التي كانت تعاني فيها من مفارقات العلاقة مع المملكة والانتهاء إلى علاقة قائمة على الوضوح.
وقال مصدر سعودي مطلع إن عقدة العلاقة السعودية – العمانية بقيت أسيرة قضية واحة البريمي من جهة ولم تتجاوز مشكلة الدعم السعودي لما صار يعرف بمفردات المشهد السياسي العربي بـ”حرب” الجبل الأخضر التي استمرت لسنوات طويلة بدعم من السعودية ضد السلطان قابوس بن سعيد وقبله والده السلطان سعيد بن تيمور على يد الإمام غالب بن علي الهنائي.
وأضاف المصدر أن أهم اختراق كان العامل الإيراني وأن مسقط تدرك الوضع المحرج لطهران وأنها تستطيع المساومة الآن والتوصل إلى نتائج أفضل لصالحها ودون الحاجة إلى تقديم أيّ تنازلات للسعودية.
واعتبر أنها لحظة حسن النوايا، إذا استثمرتها السعودية بمرونة فستكون قادرة على تأكيد حدوث الاختراق في عقدة العلاقة، وإذا ترك الأمر كما كان في السابق فإن الموقف سيستمر بالمراوحة في مكانه.
وينظر السعوديون إلى التفاوض مع إيران كضرورة للحل في اليمن، وهي رؤية تستند إلى قناعة بأن الحوثيين لا يتشددون في الحوارات الجارية لمطالب خاصة بهم، ولكن في سياق لعبة أوسع تديرها إيران لتحصيل مكاسب على جبهات أخرى سواء مع السعودية ودول المنطقة أو على مسار الملف النووي والمفاوضات الجارية في فيينا.
ويعتقد مراقبون أن المملكة باتت على اقتناع بأن الحوار مع إيران هو أقرب الطرق لحل الأزمات بين البلدين، وأنه يمكن عبره حل أزمة اليمن ودفع الحوثيين إلى السلام.
واحتضنت بغداد قبل شهر تقريبا اجتماعا بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران وتهدئة الأوضاع في المنطقة.
وكانت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية كشفت في السابع من مايو الماضي أن مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى عقدوا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات بين البلدين.
وأحيطت تلك المباحثات بسرية كبيرة، لكن مصادر خاصة تحدثت عن بحث مستقبل الصراع في سوريا وتشكيل حكومة لبنانية ووقف إطلاق النار في اليمن، مشيرة إلى أن أيّ تفاهم سعودي إيراني سيتطلب جولات عديدة، ربما تستغرق بضعة شهور، قبل التوصل إلى شيء.
وتصاعد التوتّر بين الرياض وطهران بسبب حرب اليمن، حيث صعّدت جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران هجماتها على السعودية. كما تفاقم التوتر بين البلدين بعد هجوم 2019 على منشآت نفط سعودية ألقت الرياض باللوم فيه على إيران، وهو اتهام تنفيه طهران.
ويتحرك السعوديون على أكثر من جهة لإلزام إيران بالتوقف عن زيادة التوتر في الوضع الإقليمي وتهديد أمن دول الجوار، ويريدون أن يشتمل الاتفاق النووي على تعهدات إيرانية واضحة. لكن هذه الرغبة لا تجد الحماس الكافي من الولايات المتحدة التي تبحث عن تسريع الاتفاق النووي ووضع البرنامج الإيراني تحت المراقبة الدولية.
ودعا قادة حلف شمال الأطلسي في بيانهم الختامي الاثنين إيران إلى وقف كل أنشطة الصواريخ الباليستية، في وقت استبعدت فيه الخارجية الإيرانية أن تكون جولة المفاوضات النووية، التي تستضيفها فيينا حاليا، هي الأخيرة، أو أن تسفر عن اتفاق لإعادة إحياء الاتفاق النووي.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده القول إنه “لا تزال هناك بعض التفاصيل الفنية والقانونية والتنفيذية وما إلى ذلك”، معتبرا أن هذه التفاصيل “لا تقل أهمية عن القضايا الرئيسية”.
وشدد على أنه “من الضروري أن تقدّم الولايات المتحدة الضمانات اللازمة لعدم تكرار ما حدث من تصرفات في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب”.
وأكد أن “طريق المفاوضات ليس مسدودا” وأن المحادثات ماضية إلى الأمام في ظل جدية جميع الأطراف.