مهرجان "كان" السينمائي سيعقد هذا الصيف من 6 إلى 17 يوليو (تموز)، بعد تأجيل موعده من مايو (أيار) إلى يوليو، لا مجال للتراجع هذه المرة تحت أي ظرف. فالقرار اتخذ بعودة الحياة الثقافية والفنية في فرنسا إلى سابق عهدها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. بعد افتتاح الصالات والمسارح في التاسع عشر من الشهر الماضي، وتخفيف الإجراءات الوقائية المتعلقة بالكورونا ورفع القيود واستعادة شيء من حرية التحرك، لم يبقَ هناك ما يمنع من تنظيم حدث دولي في هذا الحجم، على الرغم من أن التعقيدات لا تزال كثيرة، ويتعلق معظمها بشروط السلامة الصحية التي تفرضها السلطات على الضيوف والمشاركين في أكبر حدث مغطى إعلامياً بعد المونديال.
الأسبوع الماضي، أعلنت إدارة المهرجان متمثلة برئيسه بيار لسكور، ومفوضه العام تييري فريمو، التشكيلة الرسمية كاملة. طوال ساعة ونصف الساعة استغرقها المؤتمر الصحافي، رسمت ملامح الدورة الرابعة والسبعين التي ستكون أول حدث سينمائي كبير بعد كورونا. هذا إذا لم يكن للجائحة التي أنهكت العالم صحياً واقتصادياً ونفسياً، مفاجآت جديدة وكلام آخر يعيد ترتيب الأولويات. نعرف منذ الآن ما الذي ينتظرنا طوال 12 يوماً من المشاهدة: 65 فيلماً في الاختيار الرسمي (مقابل 57 في دورة 2019) موزعة على أقسام عدة، بعضها أضيف حديثاً، على أن يتم الإعلان عن التظاهرتين الموازيتين (أسبوع المخرجين"، و"أسبوع النقاد) هذا الأسبوع.
كشف فريمو عن أن البرنامج الحالي هو حصيلة عام ونصف العام من المعاينة والرصد. فأفلام كثيرة كانت انتهت منذ فترة فضلت التريث حتى دورة 2021 بدلاً من الموافقة على الصيغة التي كان اقترحتها المهرجان في العام الماضي لخروج "مشرف" للأعمال التي كان قد اختارها من دون أن يستطيع عرضها بسبب إلغاء الدورة. نحو 2000 فيلم أرسلت إلى المهرجان، وهذا يعني أن الإنتاج وفير ولم تعقه الجائحة. شدد فريمو على أن فكرة موت الصالات وانقراضها غير واقعية، وما هو الإقبال الشديد عليها في أول يوم افتتاحها في فرنسا (300 ألف متفرج) بعد إقفال طويل، سوى تأكيد على تمسك المشاهدين بهذا المكان.
اختيارات 2021 على ما يبدو تحمل بعض سمات الحجر الصحي الذي عاشه العالم: أفلام صورت بدافع الضرورة، أحياناً بهواتف محمولة... "بعد عشرين سنة، سيسأل الجيل القادم وهو يشاهد هذه الأفلام: يا ترى لماذا يضع الناس الكمامات؟"، قال فريمو الذي اعتبر أن كمية من هذه الأعمال تدق ناقوس الخطر، وتحمل في داخلها طاقة لخوض المعركة. أفلام تطرح قضية الشباب وتهاجر جنوباً بالكثير من الشعر مستعينة بالأشكال الجديدة. بعد كورونا، هناك أسئلة أساسية تطرحها الأفلام: من نحن؟ وماذا حل بالعالم الذي نقيم فيه؟ أما التيمات فنجد فيها فكرة الخسارة حاضرة بقوة.
المسابقة التي سيترأس لجنة تحكيمها المخرج الأميركي سبايك لي تضم 24 فيلماً، أي أعلى من المعدل الذي اعتدناه في السنوات الماضية. سبق للمهرجان أن أعلن عن فيلمين: "أنيت" للفرنسي ليوس كاراكس، الذي سيعرض في الافتتاح، وهو أول عمل يقدمه منذ "هولي موتورز" (2012) هذا المخرج الذي اعتاد أن يكون مقلاً. فيلم من نوع "الميوزيكال"، من تمثيل ماريون كوتيار وآدام درايفر، ويعد أول فيلم ناطق بالإنجليزية لكاراكس.
أما ثاني الأفلام التي كان المهرجان قد أعلن عنه سابقاً، فهو العمل الفضائحي المنتظر جداً للمخرج الهولندي الكبير بول فرهوفن في عنوان "بينيديتا"، اقتباس أدبي لقصة راهبة مثلية. ومن المتوقع أن يسيل الفيلمان الكثير من الحبر. إلى هذين الاسمين الكبيرين، نجد في البرنامج عدداً من القامات الكبيرة أيضاً.
نبدأ بالذين سبق أن نالو "السعفة الكانية": الإيطالي ناني موريتي الذي يعود إلى المسابقة بفيلم "ثلاث طبقات"، بعد عشرين سنة بالتمام من فوزه بـ"السعفة" عن تحفته "غرفة الابن". فيلم موريتي يصور سكان بناية يشتبك أفرادها بعضم مع البعض الآخر لتظهر في النهاية صعوبة التواصل بين البشر في العالم الحالي. ثاني الفائزين السابقين بـ"السعفة" هو الفرنسي جاك أوديار الذي سيقدم جديده "ليه أوليمبياد" عن الجالية الآسيوية في إحدى دوائر باريس. أما ثالث الفائزين بـ"السعفة"، فهو أبيشاتبونغ فيراسيتاخول الذي يأتينا بـ"ميموريا"، أول فيلم يصوره المخرج التايلاندي خارج بلاده، وهو من تمثيل البريطانية تيلدا سوينتون.
تنطوي المسابقة أيضاً على أسماء تكرست في محافل دولية وتدخل المسابقة الكانية للمرة الأولى. هذه حال شخصين: المجرية إيلديكو إنييدي التي كانت فازت بـ"دب" برلين قبل أربعة أعوام عن "جسد وروح"، تحضر بـ"قصة زوجتي"، أفلمة لمسرحية للكاتب المجري ميلان فوست تروي حكاية رجل يكتشف أن زوجته تخونه، والمخرج الإسرائيلي ناداف لابيد الذي فاز بالجائزة نفسها في برلين قبل عامين عن رائعته السينمائية "مرادفات".
قلة في المسابقة مقابل حضور فرنسي كبير. شون بن يتصدر قائمة الأفلام الأميركية التي يبلغ عددها ثلاثة، وجديده "يوم العلم" يأتي بعد خمس سنوات من "الوجه الأخير" الذي نال ردود فعل سلبية جداً يوم عرض في المهرجان. أميركيان آخران يأتيان إلى الـ"كروازيت": وس أندرسون بـ"البرقية الفرنسية" (سبق أن افتتح المهرجان بأحد أفلامه)، والمخرج المستقل شون بايكر الذي يكشف النقاب عن عمله الجديد المنتظر "صاروخ أحمر" عن ممثل بورنو يعود إلى بلدته في تكساس على الرغم من عدم ترحيب الناس له.
الفرنسيون كما أشرنا آنفاً يهيمنون على المسابقة، الأمر الذي أثار بعض الاعتراضات المتفرقة. هناك سبعة أفلام فرنسية، وهذا العدد يشكل نحو ثلث المسابقة. فبالإضافة إلى ليوس كاراكس وجاك أوديار، سنشاهد أفلاماً لهؤلاء: ميا هانسون لاف (جزيرة برغمان)، وكاترين كورسيني (الكسر)، وبرونو دومون (فرنسا)، وجوليا دوكورنو (تيتان)، وأخيراً، وليس آخراً فرنسوا أوزون (كل شيء كان على ما يرام).
من السينمائيين المنتظرين أيضاً في "كان" 2021: المخرج الإيراني أصغر فرهادي، يعود بفيلم "قهرمان"، بعد انتكاسة فيلمه السابق الذي صوره في إسبانيا. مخرج آخر ننتظر جديده على أحر من الجمر، وهو الروسي كيريل سيريبرينيكوف الذي سجنه نظام بوتين بعد اتهامه بقضية فساد، وجديده اسمه "رشح بيتروف" يصور يوماً في حياة كاتب قصص متسلسلة وعائلته في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. أما من القارة الأفريقية فيأتينا فيلمان: المغربي "علي صوتك" لنبيل عيوش، والتشادي "لينغي" لمحمد هارون صالح.
هذا العام، أعادت إدارة "كان" ترتيب الأقسام والنظر فيها، لتضاف إلى الفقرات التي عهدناها فقرة جديدة، هي "كان بروميير"، وتضم أفلاماً لسينمائيين مكرسين سبق أن عرضوا أعمالهم السابقة في المسابقة. قد تكون الضرورة هي التي جاءت بها. الهدف منها واضح: تغذيتها بأفلام لا مجال لوضعها في المسابقة. كما قال فريمو، فـ"الكل يريد عرض عمله في المسابقة، وللأسف لا يوجد مكان للجميع". عشرة مجموع الأفلام المعروضة في هذا القسم، لمخرجين مثل الفرنسي آرنو دبلشان، والكوري هونغ سانغ سو، والبريطانية أندريا أرنولد. يتضمن القسم أيضاً وثائقي "جي أف كاي مستعاداً" للمخرج الأميركي أوليفر ستون الذي يعود إلى أحد مواضيعه المفضلة: اغتيال جون كينيدي. المخرج الذي لطالما اشتغل على تعرية السياسة الأميركية، وضع يده على مستندات جديدة في قضية الاغتيال. قسم آخر، "نظرة ما"، يخصع للتغييرات ليعود إلى ما كان عليه سابقاً: منبر لسينما تجارب شبابية، "سينما بحث"، كما وضح فريمو. تحت هذا الشعار، تجتمع 18 فيلماً 6 منها تجارب أولى.
حتى الساعة، لم يتم الحسم بعد في مسألة الإجراءات الوقائية التي سيتم تطبيقها من جانب السلطات في تنظيم المهرجان. هناك بعض الصعوبات التي وعدت إدارة المهرجان بإيجاد حل لها في ما يخص مشاركة فنانين قادمين من بلدان لا يزال كورونا فيها خارج السيطرة. في حين يتردد بعض الأميركيين بحضور كان، ذلك أنهم لا يعرفون كيف ستكون تدابير العودة إلى الوطن بعد نهاية المهرجان، ويتريث البريطانيون رفع قرار الحجر الإلزامي لمدة سبعة أيام لكل القادمين من المملكة المتحدة، لشراء تذاكر السفر وحجز البيوت التي بلغت أسعارها مبالغ خيالية. أياً ما كان، لا يوجد شك أننا حيال دورة مختلفة "ستراعي السياح والمشاركين في المهرجان"، بحسب فريمو، في حين سيتقلص حضور المحترفين، على الرغم من تاريخية اللحظة من حيث إنها ستساهم في نهوض فن مهدد بالاندثار.