Skip to main content

واشنطن تجر تركيا لمستنقع حروب قاتلة

أردوغان يحاول إعادة أمجاد العثمانية
AvaToday caption
تعتقد تركيا أن حدودها البحرية الاقتصادية تمتد حتى حدود قبرص اليونانية، إلا أن الأمم المتحدة لا تعترف بدولة قبرص التركية (بوصفها خاضعة للاحتلال التركي) التي تستند عليها الحكومة التركية في توسيع جرفها القاري.
posted onJuly 24, 2020
nocomment

عبدالرحمن جعفر الكناني

طموح تركي، بغطاء أيديولوجي يقطع خطواته في آسيا، ويمتد في أوروبا، ويتوغل في شمال إفريقيا، ويغوص في أعماق البحر الأبيض المتوسط، كأنه طموح محمول بقاطرة دولة عظمى، تنحني لها هامات العالم، وتفتح الطريق صاغرة لمساراتها دون عراقيل.

جبهات حرب فتحتها تركيا دون حساب لعواقب خوضها، تكاد تصل لنصف الكرة الأرضية، دون تحالف تأتلف فيه القوى العسكرية في العالم لتحقيق هدف واحد فوق أرضية توافق سياسي دولي وشرعية يفرضها ميثاق الأمم المتحدة.

توغل تركي في أراض عراقية، وبناء نقاط ارتكاز عسكرية فيها، في حملة لم تنقطع ضد الشعب الكردي المطالب بحقه في الوجود أسوة بالقوميات الأخرى، تدخل عسكري مباشر في سوريا والتناطح مع النفوذ الروسي فيها، تغذية حرب أذربيجان – أرمينيا وإشعال فتيلها الذي لم ينطفئ منذ عصر الإمبراطورية العثمانية، إحياء الأزمة القبرصية بالاقتراب من سيادة أراضي ومياه الاتحاد الأوروبي والاستيلاء على ثرواتها المتنوعة، إثارة الصراع مع اليونان الكفيل بإحياء حرب في البحر المتوسط، وتفاقم الأزمة السياسية الأمنية مع فرنسا قبل الخوض في المستنقع الليبي.

تركيا البلد الإسلامي الأوروبي الذي نبذه الاتحاد الأوروبي، وغلق عليه أبواب الاندماج فيه رغم الوعود الأميركية التي قطعها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن بالتدخل تنفيذا لسياسة ومخططات المحافظين الجدد بالانفتاح على أنقرة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الطيب رجب أردوغان واستثمار دوره في منطقة الشرق الأوسط.

أزمات تعاني منها تركيا وتحاصرها، دوليا وإقليميا وداخليا، يجعلها غير قادرة على إدارتها في وقت واحد، وبقوة منفردة سياسيا وعسكريا، فمثلما نراها تنشر وجودها العسكري في قطر، مقر القيادة المركزية الأميركية، اتجهت لمنطقة القرن الإفريقي لتجد نفسها أمام حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، حيث أنشأت أكبر قاعدة تركية في الصومال مطلة على المحيط الهندي، ومهيمنة على أهم المنافذ البحرية في المنطقة، بما جعلها البوابة الأولى في طريقها نحو إفريقيا.

تركيا التي تحاصرها جزر يونانية صغيرة ثلاث، وجزيرة قبرص التي تحتل انقرة نصفها الشمالي، جعلت من حدودها البحرية بلا منافذ تجعلها قادرة على التنقيب عن الثروات التي يكنزها البحر المتوسط، وفق قانون البحار التابع للأمم المتحدة الصادر عام 1982 الذي يسمح لليونان وقبرص فقط بممارسة هذا الحق.

تعتقد تركيا أن حدودها البحرية الاقتصادية تمتد حتى حدود قبرص اليونانية، إلا أن الأمم المتحدة لا تعترف بدولة قبرص التركية (بوصفها خاضعة للاحتلال التركي) التي تستند عليها الحكومة التركية في توسيع جرفها القاري.

الرئيس رجب طيب أردوغان عقد الأزمة بإعلانه عن عزم تركيا بالبحث عن الثروات البحرية شرق جزيرة كريت اليونانية، في تحد لقانون البحار الصادرة عن الأمم المتحدة، بما يجعله في مواجهة اليونان ودول الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي برمته، ومعطلا لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الموقع عام 2013 والذي شرعت بمقتضاه مصر في عملية التنقيب عن الغاز واستكشاف حقل "زهر" الغازي الضخم.

"عقد الجغرافيا والتاريخ" كما يصفها أكاديميون متخصصون، دفعت أردوغان إلى خوض المغامرة تلو المغامرة، من أجل الاستمتاع بثروات البحر المتوسط عبر منافذ وصول خارج سيطرتها.

الاتفاقية البحرية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج اعتبرت مخرجا لأزمات تركيا البحرية حيث يسمح لها بتمدد جرفها القاري إلى الثلث، والسيطرة على أجزاء كبيرة من المنطقة الاقتصادية اليونانية ومياه جزيرة كريت ويسمح لها بالمطالبة باحتياطيات النفط والغاز المكتشفة في البحر المتوسط بما فيها الاكتشافات المصرية وفق الاتفاق البحري مع قبرص.

الجغرافيا البحرية التي تسعى تركيا لرسم خارطتها من جديد، هي ذات الخارطة التي كانت سائدة في عصر الإمبراطورية العثمانية قبل أن تمزقها أوروبا بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى، ويبقى أمل أردوعان باعتمادها اليوم مرهونا ببقاء حكومة الوفاق الوطني، والتي يعد رحيلها رحيلا لإحياء وجود عثماني قديم في البحر الأبيض المتوسط لن تأذن القوى العالمية بعودته.

حروب تركيا الموزعة في آسيا وأوروبا وإفريقيا، لن تجد من يدعمها، سوى الولايات المتحدة بتحفظ دقيق، طالما رأتها وكيلا محاربا لنفوذ روسيا المحاصر في البحر المتوسط، أعدت له ساعة الغرق في المستنقع الليبي بعد انتهاء مهمته.