Skip to main content

لما لا يندمج "حزب الله" بالجيش اللبناني؟

الجيش اللبناني
AvaToday caption
"العقيدة القتالية" لـ "حزب الله" هي الولاء للولي الفقيه، أي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فيما عقيدة الجيش اللبناني هي الدفاع عن البلاد في وجه أي اعتداء خارجي
posted onJune 23, 2020
nocomment

حسين عبدالحسين

يردد معارضو حل ميليشيا "حزب الله" اللبناني أن وجوده هو للإبقاء على "سياسة الردع" في وجه ما يسمونها الأطماع الإسرائيلية في لبنان، أي أنه لو تخلى الحزب عن سلاحه، تجتاح إسرائيل لبنان، وتحتله، وتقيم مستوطنات فيه، وتستولي على موارده الأولية.

طبعا لا موارد أولية في لبنان. التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية لم يعثر على أي مخزونات. الثروة المائية اللبنانية تعاني من تلوث، وخزان المياه الجوفية، مثل في البقاع، قارب أن ينضب بسبب الاستخدام العشوائي. ولبنان يعاني من انعدام التخطيط المدني، وتلوث البيئة، والاكتظاظ السكاني، وعدم قدرة دولته على تأمين الكهرباء بشكل متواصل، وعدم قدرتها على تأمين المياه إلى البيوت، وعدم قدرتها على جمع النفايات أو تدبير كيفية التخلص منها. مع هذا، يصّر "حزب الله" أن إسرائيل لها أطماع في دولة يتحين كل من فيها فرصة الهروب منها والهجرة.

لكن لنسلّم أن إسرائيل هي، كما يقول "حزب الله"، تسعى للقضاء على "حزب الله" للإستيلاء على بؤرة الفوضى والتلوث المسماة لبنان، وهو ما يستوجب أن يكون اللبنانيون متحسبين للدفاع عن بلادهم في وجه الإسرائيليين، وهو ما يطرح السؤال: لما لا يقوم "الجيش اللبناني" بالدفاع عن البلاد؟

يجيب مناصرو "حزب الله" أن الجيش اللبناني يعاني من عدم تسليحه، ويضيفون: "سلحوا الجيش ثم طالبوا بحل ميليشيا الحزب". وإذا كان الحال كذلك، لم لا يسلّح

"حزب الله" الجيش، أو، لم لا يندمج "حزب الله" كليا في "الجيش اللبناني"، ويكون بذلك قد وهب قوته التي يتباهى بها إلى الجيش الوطني الذي يأتمر بأوامر الحكومة المنتخبة؟

إن احجام اندماج "حزب الله" بالجيش اللبناني هو إهانة للجيش نفسه، إذ هو يشي أن لا ثقة للحزب بدولته ولا بجيشها. أما معارضو الاندماج من خصوم الحزب، فهم يخشون أن يعطي الاندماج تفوقا للحزب الموالي لإيران داخل الجيش، ويسهّل إمكانية قيامه بانقلاب وإقامته حكما عسكريا.

لكن الاندماج لا يعني انضمام ميليشيا "حزب الله" على حالها إلى الجيش اللبناني، بل يعني حصول الجيش على سلاح الحزب، بما في ذلك صواريخه وشبكة اتصالاته السرية، وتطويع أفراد الحزب في الجيش. وعملية التطويع في أي جيش تعني إعداد الأفراد لتبني العقيدة القتالية للجيش.

"العقيدة القتالية" لـ "حزب الله" هي الولاء للولي الفقيه، أي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فيما عقيدة الجيش اللبناني هي الدفاع عن البلاد في وجه أي اعتداء خارجي. ثم أن انخراط مقاتلي "حزب الله" في الجيش اللبناني، وتوزيعهم على الكتائب والألوية، يعني أن هؤلاء المقاتلين اللبنانيين صاروا في السلك العسكري اللبناني، وهو ما يعني أن انضباطهم خاضع للشرطة العسكرية، وأن محاسبتهم تتم أمام القضاء العسكري، بدلا من خضوعهم إلى "انضباط حزب الله" ومحاسبتهم أمام محاكمه الحزبية.

وانخراط ميليشيا "حزب الله" في الجيش الوطني تُسقِط صفة الإرهاب الدولي عن الحزب، فالإرهاب هو قيام مجموعة غير حكومية بممارسة عنف منظم. أما اندماج الميليشيا في الدولة، فيجعل دولة لبنان مسؤولة أمام المجتمع الدولي، ويمكن إذ ذاك للأمين العام للحزب حسن نصرالله بالترشح لأرفع المناصب السياسية في لبنان، وترؤس كتلة برلمانية تساهم في صناعة قرارات الدولة وسياساتها، الخارجية والداخلية والاقتصادية، بدلا من أن يقف نصرالله ـ كلما خطر له ـ ليدلي بخطاب يصدر فيه أوامر وإملاءات للبنانيين.

في ذروة سطوة التحالف الذي كان معروفا بـ "14 آذار"، زار بطريرك الموارنة الراحل نصرالله صفير البيت الأبيض، والتقى الرئيس السابق جورج بوش، المعروف بإيمانه المسيحي. ويبدو أن الحديث تطرق إلى مبدأ التسامح كركن من أركان المسيحية. بعد اللقاء، قال بوش إن الولايات المتحدة مستعدة للانفتاح على "حزب الله" إن تخلى عن العنف وتحول إلى حزب سياسي، وهو وعد أميركي له سوابق تاريخية، إذ سبق لواشنطن أن رفعت عددا من التنظيمات عن لوائح الإرهاب، بل ومدّت السجّاد الأحمر لإرهابيين سابقين، واستقبلتهم في البيت الأبيض، مثل في حالة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

وفي نفس سياق استيعاب "حزب الله"، دخل أركان "14 آذار" في تحالف انتخابي مع "حزب الله" وحلفائه، وهو تحالف لم يعارضه إلا ميشال عون، العائد في حينه من منفاه، برعاية الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان نفوذه ينحسر في لبنان. لكن تبين فيما بعد أن "حزب الله" كان يعتقد أنه هو الذي يفتح باب عودة التيار السيادي اللبناني إلى حضن محور الأسد وإيران، فانفرط التحالف، وكان طبيعيا أن ينشأ على انقاضه تحالف بين "حزب الله" وعون.

هذه المرة، اقتصاد لبنان في طريقه لانهيار كامل وشامل، والسبب هو ابتعاد الاستثمارات الأجنبية عن لبنان لأسباب متعددة، أولها انعدام الاستقرار فيه بسبب وجود ميليشيا مسلحة غير خاضعة لسلطة الحكومة المنتخبة، يمكنها أن تأخذ البلاد إلى حرب في أية لحظة. ويرافق وجود ميليشيا "حزب الله" فساد حكومي متحالف مع الحزب: الفساد يغض النظر عن لا دستورية ميليشيا "حزب الله"، والحزب يستخدم عضلاته لحماية الفساد والإبقاء على حلفائه الفاسدين في السلطة.

حتى يعود لبنان دولة طبيعية ذات اقتصاد ينمو، لا بد من إنهاء ميليشيا "حزب الله" وإناطة قوتها العسكرية للردع والدفاع بالجيش اللبناني. ومع انتهاء وضع الميليشيا الشاذ، تنتفي الحاجة إلى بقاء الفاسدين في الحكم، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب بلبنان، وينعش اقتصاده.

أما سلام لبنان مع إسرائيل، فيمكنه أن ينتظر مواقف "جامعة الدول العربية" التي يلتزمها لبنان، بما في ذلك "مبادرة بيروت للسلام"، فإن مضى العرب إلى سلام مع إسرائيل، يمضي معهم لبنان، وإن لم يمضوا، يعيش لبنان كدولة طبيعية ذات جيش قادر على الدفاع عنها وفق مصالح لبنانية بحتة، لا الدخول في حروب حسب مصالح إيران أو سوريا. هكذا، يصبح لبنان حكومة أكثر سيادة وأقل فسادا، واقتصاد أكثر نموا.