بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

كورونا تغزو الروايات والسينما

الفيلم الكوروني "ستاك تو غازر"
AvaToday caption
الخوف من شيء غامض، فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة... لم أستطع تجاهل ما يحدث في العالم، ومقاومة الكتابة عن التداعيات النفسية للجائحة علي وعلى الآخرين
posted onOctober 30, 2021
noبۆچوون

ما الذي ينتظره العالم من المبدعين بعد محنة وباء "كوفيد-19"؟، وهل القراء جاهزون لاستقبال إنتاجات إبداعية سواء في السينما أو الرواية تناقش أزمة كورونا؟ إبداعات تستعيد تفاصيل ما حدث منذ لحظة الإغلاق الأول، وتقدم رؤيتها للحياة خلال تلك المرحلة، مع سرد وقائع مؤلمة واكتشافات نفسية وجسدية جعلت البشر في العالم كله يدورون حول أنفسهم دورة كاملة؟ هل نرغب حقاً في التذكر أم النسيان؟ وكيف يمكن المبدع مواجهة "وباء"، مازال يجتاح الأرض بموجته الثالثة؟ 

في فيلم "stuck together" الذي يُعرض حالياً على "نتفليكس"، نشاهد شوارع باريس صامتة وخاوية، بينما يفر كثيرون من العاصمة بسبب الوباء. تعاني سبع عائلات تسكن في المبنى ذاته من صدمة التواجد الإلزامي داخل العمارة الواسعة التي يوجد فيها فناء تستخدمه صاحبة المقهى لوضع الكراسي في الأوقات المشمسة واستقبال الزبائن. لكن كل شيء اختلف الآن، والمكان أصبح شاغراً تماماً. يتناول الفيلم قصة كل عائلة وما تفكر فيه ويعيشه أفرادها، ثم تقاطعاتهم الاجتماعية الاضطرارية التي يجبرهم عليها الوباء. هناك المدرب الرياضي الذي يبث تمارينه عبر "يوتيوب"، وزوجته المغنية الحامل، والطبيب الذي يؤمن أنه سيجد لقاحاً لكورونا، ومالك العقار المتسلط، والصحافي المأخوذ بالهلع لاحتمال إصابته بالمرض، والمحامية الخاضعة لسلطة زوجها...

كل عائلة لها حكاية مختلفة، لكنها تتقاطع مع الآخر. ولعل الأهم في هذا العمل أنه يستخدم أسلوباً فكاهياً في معالجة المواقف الدرامية، وفي ظني أن هذا أكثر ما شكل جاذبية في الفيلم، وساعد المشاهد على الضحك بخفة على تلك المرحلة المضطربة، متمسكاً بالأمل لمواجهة الموت، وهذا ما بدا حقاً أنه غاية الفيلم بخاصة مع المشهد الأخير.

غدت العزلة البشرية سمة هذه المرحلة، ومن الطبيعي أن تؤثر جملة هذه الوقائع في الكاتب بشكل مباشر، سواء من كتب عن معاناته من الإصابة، أو من تحدث عن التأثيرات النفسية لما يحدث في العالم، أو عنها كلها. وهذا ينطبق على الكُتّاب في العالم كله، فقد صدر كتاب "عدوى" للروائي الإيطالي باولو جيوردانو في شهر مارس (آذار) 2020، حين كانت الجائحة في ذروتها، وقد شاعت في الصحف الغربية خلال الموجة الأولى للوباء كتابة يوميات العزلة، مثل تلك اليوميات التي ظهرت في صحيفة "لوموند" الفرنسية، وشارك فيها كُتاب من مختلف الأعمار.

الأعمال الإبداعية الروائية والقصصية التي صدرت بعد ظهور الوباء وصلت إلى ذروتها مع قدوم فصل الخريف، ففي معرض فرانكفورت كانت ثمة موجة روايات صدرت حديثاً من مختلف البلدان، جوهرها ما حدث خلال مرحلة شيوع الوباء في مرحلته الأولى.

يرى عديد من الكتّاب أنهم يهربون مما عايشوه إلى الكتابة، فهي الملاذ الأخير لهم. الكاتبة الأميركية إلما والتزر البالغة من العمر 91 سنة، أصدرت من قبل ثلاثة عشر كتاباً، ومضى على توقفها عن الكتابة ثمانية أعوام، ثم فاجأت قراءها وأصدرت أخيراً مجموعة قصصية بعنوان "هذا اليوم امرأة أصابها الجنون في السوبر ماركت"، وفيها تحكي  عن المحنة التي تعرضت لها خلال الوباء، معتبرة أن الكتابة بدت لها ضرورة ملحة للخروج من الحزن، فهي فقدت زوجها البالغ من العمر 67 سنة، بعد إصابته بالفيروس ودخوله المستشفى. هي أيضاً أصابتها العدوى لكنها تماثلت للشفاء، على الرغم من تقدمها في السن.

 تصف هذه التجربة قائلة، "كنت أتحسن لكن حالته كانت تزداد سوءاً، ويحتاج إلى المزيد والمزيد من الأوكسجين. عندما أخبره طبيبه ليلة الجمعة أنني سوف أغادر المستشفى لم يتمكن من الكلام، لكنه حاول رفع يديه للتصفيق، ثم توفي بعد ساعات قليلة". ترى إلما أنها تكتب من أجل العزاء ومتعة الكتابة، وترى أن قصصها لو تمكنت من منح المواساة لشخص واحد فستعتبر هذا نجاحاً.

الروائية الكندية الشهيرة مارغريت أتوود تشارك أيضاً في الكتابة عن هذه المرحلة مع الروائية الأميركية جودي بيكولت التي ترجمت أعمالها لأكثر من ثلاثين لغة، وكتاب آخرين ضمن كتاب واحد بعنوان "لقاءات ممنوعة لأربعة عشر يوماً"، وتناول الكتاب ما حدث لسكان مانهاتن خلال الوباء. مارغريت أتوود، صاحبة "مفاوضات مع الموتى" ترى "أن الجنس البشري كله على كوكب الأرض مر بوقت عصيب للغاية خلال مرحلة الوباء، ولم يتجاوزه بعد".

أما جودي بيكلوت فسوف تصدر لها قريباً رواية بعنوان "ليتكَ كُنتَ هنا"، مبنية على قصة سائحة تقطعت بها السبل بعيداً من بلدها بسبب الوباء، وتعتبر بيكلوت، أن على الكاتب أن يقدم رؤيته المختلفة للعالم، ويكشف كيف يمكن للخيال أن يطغى على الواقع".

لعل من البديهي للروائي العربي أن يحكي أيضاً عن معاناته الطارئة، بل ومن البديهي أيضاً أن يعكس السرد النافذ البصيرة رؤى متجددة للحدث نفسه مع مرور الزمن. وبعد مرور قرابة عامين إلا قليلاً على ظهور الوباء، نجد على رفوف المكتبات أعمالاً إبداعية محورها ما حدث خلال العزلة الإنسانية التي فُرضت على البشرية.

وعلى غرار أتوود وجودي بيكلوت، كتبت الروائية والشاعرة المغربية عائشة البصري، روايتها "كجثة في رواية بوليسية" أثناء فترة الحجر الصحي في المنزل. تصف صاحبة "الحياة من دوني" مشاعرها المضطربة قائلة، "كتبت تحت تأثير أجواء الموت والعزلة والأخبار التي تصلنا كل يوم عبر القنوات الفضائية، ضبابية المستقبل، الشك في الغد، الخوف من شيء غامض، فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة... لم أستطع تجاهل ما يحدث في العالم، ومقاومة الكتابة عن التداعيات النفسية للجائحة علي وعلى الآخرين. ليس من عادتي أن أكتب عن موضوع آني، أو حالة في طور التكوين، كما أنه لم يسبق لي أن اشتغلت في حيز زمني ضيق، فغالباً ما تأخذ مني الرواية سنتين أو أكثر. لكن منذ الأسبوع الأول للحجر المنزلي، وجدتني، ودون سابق نية، أقود شخصية روائية إلى عالم الموت والصراع مع وباء كورونا. كان يكفي أن توفر لي الجائحة الشرارة الأولى ليتكفل الخيال بالبقية. إن حالة الطوارئ الصحية وفرت الوقت للكتابة، والمادة الخام للإبداع، مادة مرعبة لكنها محفزة وغنية".

"غربة المنازل"، أحدث أعمال الكاتب الروائي عزت القمحاوي، لقد استعان عبرها بالكتابة لمواجهة الخوف، يقول، "كان الخوف هو القوة الدافعة لكتابة عمل عن الوباء. الكتابة في جوهرها دفاع عن النفس قبل أي شيء آخر. وتحويل الوباء إلى مادة خيالية يروضه ويروض الفزع الذي فرضه علينا، عندما صنفت منظمة الصحة العالمية ما ظهر في ووهان الصينية وباء، كنت أراجع كتاباً آخر. وعندما بدأ الوباء يطرق أبوابنا ألح عليَّ ما تصورته قصة قصيرة تعكس حالة التوجس والخوف التي خلقها الوباء، وبعد الانتهاء منها توالدت النصوص التي صارت في ما بعد رواية "غربة المنازل" ودفعت الكتاب شبه المكتمل إلى الظل".

كذلك كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج روايته "ليليات رمادة"، تناول فيها قصة حب بين عازف وطبيبة واختار أن تدور الأحداث خلال انتشار الوباء فيصاب بطله بالمرض، ويكون على كلا البطلين مواجهة الأفكار الوجودية المرتبطة بالحب والمرض بالموت والفناء. وتحت عنوان "لون الغد" رؤية المثقف العربي لــ"ما بعد كورونا" أصدر الكاتب الكويتي طالب الرفاعي كتابه الذي ضم رؤية أكثر من ثمانين مبدعاً عربياً لما ستكون عليه الحياة بعد الجائحة.

ليست قليلة الأعمال الأدبية التي تناولت عالمياً وعربياً، ما حدث في حياتنا منذ ظهور الوباء، من تحولات نقلت العالم من حيز الواقع إلى إلزامية الحياة الافتراضية، سواء في العمل أو الدراسة أو التواصلات الاجتماعية. ولكن في الوقت عينه يشك بعض النقاد في أن القراء الذين خرجوا بالكاد من اضطراب الوباء، سيرغبون في الغوص مرة أخرى في أعمال تحكي عنه. الناقد الألماني دينيس شيك يتبنى وجهة نظر تحذيرية من الكتابة المتسرعة، ويعتقد أن انتظار عشر سنين أو عشرين سنة لتناول الحدث سيكون أكثر وقعا".

في مقابل وجهة النظر هذه، ثمة ملاحظة لافتة في معدلات القراءة التي ارتفعت لكتب مثل "الحب في زمن الكوليرا" لماركيز، و"الطاعون" لألبير كامو، وحققت هذه الروايات التي تتناول الأوبئة أعلى نسبة من المبيعات خلال أشهر الحظر.