ربما من الصعب أن تتخيّل أعداداً كبيرة من التلاميذ في المناطق النائية في إيران ممن لا يزالون يتلقّون تعليماً في مدارس الأكواخ والكرفانات، على رغم أننا في القرن الحادي والعشرين وفي بلد يعتبر واحداً من أغنى الدول في العالم بالنفط والغاز.
رئيس هيئة تجديد المدارس بإيران مهرالله رخشاني علّق على موضوع هذه المدارس قائلاً: “في بعض المناطق وبعد مضي 40 عاماً على انتصار الثورة الإسلامية، لا يزال هناك من يتلقّى التعليم في الأكواخ، والآن يتم تجهيز كرفانات، لنقوم بنهاية 2019 بوضعها عوضاً عنها”.
تتعرّض مدراس الأكواخ للعواصف والريح، إضافة إلى احتمالية تعرّض التلاميذ والطلاب للدغات الأفاعي والعناكب، فحتى الكرفانات ليست حلّاً مناسباً، ولا تمكن الاستفادة منها بغياب وسائل التدفئة شتاء والتبريد صيفاً. في مناطق جنوب كرمان، وأجزاء من سيستان وبلوشستان وأصفهان، وهرمزكان ولرستان، لا تزال هناك مدارس أكواخ، وفي محافظات غير قليلة يتلقّون التعليم في الكرفانات.
المشكلة لا تتوقف عند هذا الحدّ فقط، فالطلاب من أبناء العشائر الرحّل لديهم مشكلاتهم الخاصة، وهناك بين الأطفال عدد غير قليل ممن يدرسون، من دون مقاعد، وحتى حصيرة في المدارس المفترضة، ووفقاً لمحمد رضا سيفي، رئيس مكتب التربية والتعليم البدوي، هناك ما مجموعه 188 ألف طالب من البدو يتوزعون في 21 محافظة بإيران، وإلى الآن لا يوجد تنظيم مؤسساتي خاص بالخدمات التعليمية المناسبة لهؤلاء، وفي بداية العام الدراسي الجديد 2018- 2019، وعد كلّ من وزير التربية والتعليم ورئيس هيئة تجديد المدارس، ومحافظو خوزستان ولورستان وهرمزكان وأصفهان بأنّه وبنهاية عام 2019 ستكون نهاية مدارس الأكواخ.
قال محسن مهر عليزاده محافظ أصفهان في أيلول/ سبتمبر 2018: “في شرق أصفهان وخور وبيابانك، ثمة مدارس أكواخ ومدارس الكرفانات، وتجب إزالتها. 60 في المئة من ميزانية أصفهان مخصّصة للتربية والتعليم، وسنسعى إلى بناء مدارس متطورة وحديثة في أصفهان”. لكن كما يبدو فإنّ تحقيق هذه الوعود تم إرجاؤه حتى نهاية عام 2019.
مدارس الأكواخ، ضرورة مناطقية أم قيود اقتصادية؟
في صيف هذا العام، صرّح وزير التعليم والتربية بأنّ مدارس الأكواخ هي جزء من ثقافة الشعب في محافظات سيستان وبلوشستان وكرمان، ولا يمكن تجاهل هذه الحقيقة. رئيس هيئة تجديد المدارس أيضا أكّد ذلك ضمناً، إذ قال: “في بعض المحافظات مثل سيستان وبلوشستان وكرمان فإنّ الأكواخ جزء من ثقافة الناس ويمكن اعتبارها جزءاً من المساكن المحلّية، لكن الحقيقة هي أنّ المجتمع الإيراني ووسائل الإعلام أظهرت حساسية حيال هذه المسألة وأُجبرنا على صرف النظر عن إنشاء مدارس مستلهمة من العمارة المحلية”، وبغضّ النظر عما يجعل من مدارس الأكواخ مؤشراً ثقافياً ومناطقياً، فإنّ المشكلة تكمن في أنّ الكثير من المناطق التي فيها من هذه المدارس لا يميل ذوو التلاميذ والطلاب فيها إلى إرسال أبنائهم إليها وبخاصة في المرحلة الابتدائية.
من ناحية أخرى، فإنّ إنشاء مدرسة في قرية صغيرة أمر غير منطقي اقتصادياً، لأنّ المسألة ليست فقط في بناء مدرسة، بل تحتاج إلى موارد تعليمية ومصاريف أخرى، والنتيجة هي التحوّل إلى مدارس الأكواخ أو الكرفانات، لكن يبدو أنّ التجارب العلمية والتعليمية لدول مماثلة لإيران والتي لديها حدود شاسعة جغرافياً، تثبت أنّ بناء مدارس داخلية في المناطق الريفية يمكن أن تحلّ المشكلة إلى حدّ كبير، وبطبيعة الحال سيكون هناك لدى الأهالي حساسية لإرسال أولادهم وبخاصة البنات إلى مدارس داخلية، لكن بالتأكيد تنبغي مناقشة هذه الأمور مع فرق متخصّصة بعلم النفس وعلم الاجتماع وحلّ هذه المشكلة.
كانت وزارة التربية والتعليم في إيران وزارة ذات طابع سياسيّ على الدوام، أو بتعبير أدقّ وزارة مؤدلجة، إذ يتم التركيز على العقيدة الدينية الإسلامية-الشيعية، وتطويع المؤسسة التعليمية لتمكين أسس الحكم، فنظرة سريعة على نصوص الكتب المدرسية، تُشير إلى عدم رغبة الطلاب بتحصيل العلم في هذه المدارس، وكيف أنّه لا يوجد تفاعل بين التعليم والتربية والنظام الفكري وقيم الأطفال وأسرهم.
الأجور المتدنية للمعلّمين وعدم الاهتمام بالدعم العلمي والروحي لجزء كبير من المجتمع، وعدم تجهيز المدارس بالمرافق والمعدات الأساسية مثل وسائل التبريد والتدفئة والمرافق الصحية ووجود مساحات للرياضة، والكثير من أوجه القصور الأخرى والعيوب، علامة على عدم كفاءة النظام التعليمي في إيران.
الشمعة التي تحتاجها في البيت، حرام أن تنير بها الجامع/ مثل شعبي
في أواخر عام 2017 ولأول مرة، أظهرت الحكومة جزءاً من موازنة بعض المؤسسات الدينية والمذهبية، حيث أنّ بعض المؤسّسات والحوزات ذات الميزانيات الكبيرة تحاول القيام بأنشطة تعليمية وثقافية على الساحة الدولية، هذه المؤسسات مرتبطة بشكل مباشر بإحدى الشخصيات الروحية المتنفّذة في إيران من قبيل آية الله شاهرودي وآية الله مصباح يزدي وغيرهم.
أحد هذه المؤسسات هي جامعة المصطفى العالمية؛ وهي مؤسّسة دينية لنشر التشيّع في الدول الأخرى، وترتبط بها مجموعة مؤسسات ومدارس دينية مثل؛ مركز المصطفى الدولي للأبحاث، والمجمّع العالي للفقه (المدرسة الحجتية)، والجامعة المجازية للإمام الخميني، مدرسة المهدي، مدرسة بنت الهدى ومنشورات المصطفى الدولية، ومركز هذه المؤسّسة في مدينة قم “المقدّسة” ولها فروع في 60 دولة، وتضم هذه المؤسّسة حوالى 40 ألف طالب أجنبي و40 ألف خريج.
من القائمة أعلاه، يتبين أنّ الموازنة التي تبدو في الظاهر مخصّصة للتربية والتعليم، هي في الواقع أيديولوجية وسياسية، ثلاثة منها فقط؛ مركز الخدمات العلمية الحوزوية، والمجلس الأعلى للحوزات العلمية وجامعة المصطفى العالمية، تحصل على ما مجموعه 1340 مليار تومان. المبلغ الذي يمكن تطويعه لبناء مئات المدارس النموذجية. يبدو أنّ عدم قدرة الحكومة على تمويل التعليم الذي يتذرّع به المسؤولون ويعدوّنها أحد أسباب عجزهم عن تمويل التعليم، ليس المشكلة الأساسية، لكن أولوياتها التي تتوجه إلى رعاية الأيديولوجيا والسياسة بناء على وجهة النظر هذه، هو أحد أسباب تراجع جودة التعليم في إيران من حيث المضمون والإمكانات.
من ناحية أخرى، فإنّ التربية والتعليم في إيران، إضافة إلى المشكلات الداخلية، تعاني من الأزمات العامة التي تنخرط فيها البلاد عموماً من سوء في الإدارة إلى الفساد والاختلاس، وكان من أكبر عمليات الفساد المالي في السنوات الأخيرة، اختلاس مرتبط بصندوق الثقافة الاحتياطي الذي يقدّر بــ8000 مليار تومان من مجموع المؤسسات، لكن لا الحكومة ولا القضاء فعلوا شيئاً.
من الناحية العمليّة، وطالما أنّ الأمور تسير على هذا المنوال، فإنّ مسألة تفكيك مدارس الأكواخ التي يتم التعليم فيها ربما تكون غير صحيحة أيضاً.