بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

الانتخابات العراقية قد تقصي الولائيين عن السلطة

الأنتخابات العراقية
AvaToday caption
هذه الانتخابات المزمع عقدها في منتصف أكتوبر المقبل تحمل مجموعة أخرى من التحديات يطرحها الواقع السياسي العراقي المعاصر في ظل نقمة شعبية سببها الوضع الأمني المنفلت الذي تسيطر عليه الميليشيات
posted onMay 16, 2021
noبۆچوون

تقلص عدد المتقدمين لخوض الانتخابات العراقية المقبلة المزمع إقامتها في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل إلى 3523 مرشحاً، بعد أن سجّل مؤشر الترشيح خلال الدورات الأربع السابقة انخفاضاً كبيراً إلى أكثر من نصف المتقدمين لخوض الانتخابات، التي كان آخرها في 2018. وقتها، أفرزت ترشيح عادل عبد المهدي، رئيساً للسلطة التنفيذية عن الغالبية الشيعية، وبرهم صالح رئيساً للجمهورية عن الكورد، ومحمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان الحالي عن السنّة.

أثارت انتخابات 2018 طعوناً وخلافات جوهرية وتشكيكاً بنسب التصويت وحرق الصناديق وتزويراً على أوسع نطاق في تاريخ الانتخابات العراقية في العهد الذي تلا 2003. لكن الدورة الخامسة المقبلة بهذا العدد من المرشحين، تضع العراق كما يُرجّح مراقبون في "مفترق طرق حقيقي"، لأسباب عدة سنخوض فيها لاحقاً.

ومن بين المتقدمين 1002 مسجلين عن طريق التحالفات السياسية، و1634 مرشحاً عبر الأحزاب الفاعلة في السلطة الحالية، و887 مرشحاً فقط مستقلون، إذ بلغت نسبة المستقلين من بين المرشحين 25 في المئة من المجموع الكلي المتقدم للترشيح.

غير أن التنافس على مقاعد المجلس النيابي البالغة 329 مقعداً سيتركّز بين الأحزاب والتحالفات السياسية الحالية المؤثرة، ويستبعد مراقبون أن تكون هناك مساحة فوز للمستقلين ضمن قوائم توصف بأنها "مؤدلجة".

المنافسة ستتوزع على ثلاثة مكونات في البلاد، يُرجّح أن تكون على أشدها في المكون السنّي الذي يتقاسمه تحالفا "العزم" بزعامة خميس الخنجر و"القوى العراقية" بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وكلاهما من محافظة الأنبار غرب العراق، لكن مرجعياتهما السياسية والمالية مختلفة، ما يشير إلى معركة كسر عظم بين المتنافسين للاستحواذ على أصوات الناخبين، إذ يلعب المال السياسي في تمويل الأصوات وشرائها دوراً في حسم نتائج التصويت، كما يقول متابعو الانتخابات.

أما المكون الشيعي، فسيحظى بتنافس أشرس في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، لا سيما بين الكتل الأربع الرئيسة، وهي "التيار الصدري" بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، وتحالف "الفتح" المدعوم من إيران، و"دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، و"قوة الدولة الوطنية" بقيادة عمار الحكيم المتحالف مع كتلة "تحالف النصر" التي يتزعمها حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق الذي لم يندمج بعد مع تحالف عمار الحكيم، وقرر خوض الانتخابات مستقلاً، لكنه متوافق مع الحكيم بعد فرز النتائج كما هو معلن.

في حين قرر فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي الابتعاد عن قائمة تحالف "الفتح" التي كان تحت مظلتها، وخوض الانتخابات في تحالف جديد باسم "العقد الوطني"، المكون من سبعة كيانات سياسية صغيرة، مستنداً إلى حضوره في مؤسسة الحشد الشعبي التي تدير الملايين من الأتباع، وهي ملحقة بالقوات المسلحة.

التنافس في إقليم كوردستان يتركّز بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكوردستاني "البارتي" بزعامة مسعود البرزاني ومقره أربيل، وحزب الاتحاد الوطني "اليكتي" بقيادة نجل الرئيس الراحل جلال الطالباني بافل طالباني وأبن عمه لاهور شيخ جنكي ومقره في السليمانية المتاخمة للحدود الإيرانية. ويُرجّح أنهما سيفرضان سطوتهما على المناطق التي تقع تحت إدارتهما الجغرافية!

ويتقاسم الطرفان تقريباً الأصوات المؤيدة لكل منهما مع تفوّق عددي لـ"البارتي" حزب مسعود البرزاني الذي يدير رئاسة الإقليم ومؤسساته التنفيذية والتشريعية في أربيل عاصمة الإقليم، مع هيمنة على الأقليات خارج نطاق الإقليم في المناطق المتنازع عليها والإثنيات التي خضعت لسطوة الإقليم مثل الأيزيدية والشريانية والشبك، وله اليد الطولى في قيادة الكورد التي فرضتها السياسة النافذة لأسرة البرزاني وعراقة تحالفاتها وتضحياتها حتى أضحت من أغنى الأسر الممتدة في عمق الحركة الكوردية التي أسست أول دولة لها في إقليم مهاباد داخل إيران.

وخاضت حروباً طويلة مع السلطة المركزية في بغداد لاحقاً في مسعى للاستقلال والحكم الذاتي، الذي منحه إياها نظام صدام حسين في السبعينيات من القرن الماضي، ثم شبه الاستقلال وفق النظام الفيدرالي الذي أقرّه الدستور العراقي النافذ بعد سقوط نظام البعث عام 2003.

المتغير الجديد في هذه الانتخابات، مشاركة بعض قوى تشرين التي أفرزتها "الحركة الاحتجاجية" في أكتوبر 2019 والتي أسقطت وزارة عادل عبد المهدي، وقدّمت آلاف الجرحى والقتلى، إذ تمخّضت عنها أحزاب وتشكيلات دخلت في الانتخابات المقبلة بدوافع ومرامٍ شتى، وانسحبت منها في ما بعد بطريقة دراماتيكية على إثر مقتل الناشط إيهاب الوزني، رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء الذي اغتيل في مايو (أيار) الحالي، وتسبب بعودة مسلسل الهتافات الغاضبة ضد إيران وحرق قنصلياتها هناك.

الأحزاب الشبابية في "حركة تشرين" والمتقدمة لخوض الانتخابات، أعلنت عزمها على عدم المشاركة بعد أن سجّلت نفسها في قوائم المفوضية، وأكدت استمرار الاحتجاجات وإسقاط السلطة، واصفين إياها بـ"غير الشرعية" ومشددين على ضرورة غياب الميليشيات لتهيئة مناخ سياسي حقيقي للاقتراع. وحث الناشطون على عدم تكرار انتخابات 2018، التي لم ترتقِ لـ 20 في المئة من المشاركة فيها بشهادات أممية، وشككت بنزاهتها وباختراق قواعد المفوضية المستقلة التي أعرب عدد من أعضاء مجلسها عن أنها لم تتمكّن من تأمين نزاهتها واتهمتها بعض القوى السياسية على لسان إياد علاوي، رئيس تحالف الوطنية وقتها، بأنها مزورة بامتياز وعلى رؤوس الأشهاد.

لكن، هذا لم يمنع من ارتفاع أصوات منشقة من حركة تشرين، منادية باستمرار الترشح للانتخابات لتفويت الفرصة على القوى الحالية المحتكرة للسلطة من "الولائيين - المنادين بولايه الفقيه" الذين يسعون عبثاً إلى إبعاد الدماء الجديدة المنبثقة من حركة تشرين الاحتجاجية بشتى الوسائل حتى عن طريق الاغتيالات السياسية التي يشهدها العراق حالياً بشهادة ناشطين وقوى حكومية من الجهاز الأمني الذي يصل إلى أبواب موصدة في أثناء التحقيقات عن مرتكبي الاغتيالات التي طالت المئات من الناشطين، واكتفوا بترحيل الجناة إلى ما سمّوه بـ"الطرف الثالث".

لكن، هذه الانتخابات المزمع عقدها في منتصف أكتوبر المقبل تحمل مجموعة أخرى من التحديات يطرحها الواقع السياسي العراقي المعاصر في ظل نقمة شعبية سببها الوضع الأمني المنفلت الذي تسيطر عليه الميليشيات، ويعمّ فيه الفساد والفوضى ودعوات عودة السلاح خارج مشجب الدولة إلى مخازن الدولة، ووقف عمليات استهداف الناشطين المدنيين، ورفع حالة التأهب لدى الجهاز الحكومي للحؤول دون مزيد من القتلى المدنيين.

كذلك هناك تحدي ضرورة التوصل إلى توصيف دقيق لطبيعة آليات السباق الديمقراطي الذي ينبغي أن تجريه السلطة التنفيذية المستندة إلى الدستور النافذ الذي جرى إقراره في أكتوبر 2005، والملزم إجراؤها عبر انتخابات نيابية كل أربعة أعوام لتشكيل برلمان تنبثق منه الحكومة العراقية ومرشحوها ضمن سياق المحاصصة السياسية المعمول بها حالياً توافقياً بين القوى النافذة في الدولة وفق المكونات الرئيسة الثلاثة لإدارة الدولة (شيعي وسني وكوردي) ومشاركة رمزية للأقليات.

يشير الواقع إلى عزوف واضح عن المشاركة من جمهور الناخبين والشرائح المجتمعية الذين تيقّنوا أنها ستكون شبيهة للانتخابات الماضية، وخشية تبديها قوى تشرين الاحتجاجية من احتمال مرجّح لتزويرها كسابقتها، وتخوّفها من أن يلعب المال السياسي دوراً في شراء الأصوات الانتخابية الذي بدأت مظاهره من الآن، وهي في المحصلة نتاج مجتمع الفساد والتنمر السياسي الذي تفرضه الميليشيات والسلاح المنفلت الذي يعد الكاظمي بحصره في يد الدولة عبثاً، مع خلل واضح باستقلال السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) في الدولة.

ويقول ناشطون عراقيون إن هناك هيمنة للمال السياسي ولنفوذ السلطة غير الرسمي وقوى اللادولة وميليشياتها الخفية التي أشاعت منطق زعزعة السلم، تفرض كل هذا الخلل المركب في أداء الدولة العراقية على حد وصف نديم الجابري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد.

المتغير الآخر اللافت الذي رافق هذه الانتخابات قبيل إجرائها هو الانسحاب المفاجئ لمصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة الانتقالية الحالي وتياره "المرحلة والازدهار"، مبرراً ذلك بأنه "يركّز على تهيئة الظروف للسماح بإجراء انتخابات حرة نزيهة، واستعادة ثقة العراقيين بالعملية الديمقراطية"، على حد قوله.

ونفى الكاظمي أن تكون الدوائر المحيطة به ومستشاروه المقربون الذين عملوا على تشكيل كيانات سياسية تهيّئ للمشاركة في الانتخابات، وطرحوا أنفسهم ممثلين لانتفاضة تشرين، ومطالبة ولاية ثانية للكاظمي، مشُيعين ذلك كمطلب الشارع المنتفض، لكنهم لم يقنعوا ذلك الشارع بأنهم ممثلون له! فاضطر الكاظمي إلى الانسحاب والبقاء رئيساً للسلطة التنفيذية، معلناً أنهم "لا يهمهم سوى إنجاح الانتخابات المبكرة"، الذي حدد تاريخها بنفسه، استجابة لدعوة المرجعية العليا في النجف.

لكن المقربين يرجّحون أن وعوداً حصل عليها من جهات شيعية - كردية وعدته بأنه سيكون المرشح المقبل لرئاسة الحكومة في حال عدم دخوله سباق الانتخابات مرشحاً.

المؤشر الإيجابي للانتخابات المقبلة هو اعتماد طريقة الانتخاب الفردي التي تقرّها 70 دولة في العالم، ومغادرة نظام القوائم المعمول به في التجارب السابقة، إذ قُسّمت البلاد إلى دوائر انتخابية بعدد مقاعد البرلمان البالغة 329 أي 329 دائرة انتخابية، تضم كل منها مئة ألف مواطن، اعتماداً على المادة 49 للدستور النافذ.

ويواجه النظام الفردي في العراق الذي يُطبّق للمرة الأولى، فوضى البيانات وعدم دقّتها بالنسبة إلى التقسيمات الإدارية في المحافظات البالغ عددها 18 وصعوبة تأمين مئة ألف مواطن لكل نائب. ويقول النائب ظافر العاني لـ"اندبندنت عربية"، "في ضوء قانون الانتخابات الذي يعتمد الدوائر الصغيرة، من المتوقع أن تخسر الأحزاب المعروفة كوادرها لصالح الشخصيات القبلية والدينية، وأن يكون للمال السياسي والسلاح دور أوضح من السابق".

ويضيف، "بعض التيارات استطاع التكيّف مع القانون، ورشّح شخصيات لها فرصة الفوز على الرغم من أنها خارج تنظيماتها"، مؤكداً أن الولائيين "سيعوّضون الموقف الجماهيري السلبي منهم من خلال المال، وهم لديهم أموال هائلة، وبالذات من خلال هيمنتهم على مصادر تمويل الدولة في وقت لا يزال العراق عاجزاً عن ضبط السلاح المنفلت"، مرجّحاً أن يقوم الولائيون بإكراه الناس على التصويت لصالح مرشح معين، وتهديد مفوضية الانتخابات وموظفيها.

والحصيلة، إن نتائج الانتخابات المقبلة لن تشهد تراجعاً في مقاعد الولائيين على حدّ قوله. فهناك تباين في أعداد الأقضية والنواحي وتباعدها وانتشار الجمهور الناخب في مناطق متباعدة، ما سيحرم كثيراً من المرشحين على مناطق تمثلهم مع تحدي الفرز البايومتري (الإحصاء الحيوي) أصوات الناخبين وعدّها بهدف تأمينها من التزوير كون الجمهور غير مدرّب عليه.

الصراع الحقيقي يكمن في سطوة قوى اللادولة التي تستميت على أن تكون هي المهيمنة على نتائج هذه الانتخابات مسبقاً، يدعمها النفوذ الخارجي الولائي بالدرجة الأساس وامتلاكها السلاح الكفيل بإخراج الجمهور المدني من معادلة الانتخابات.