محسن مهيمني
في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى تأخر رواتب 170 ألف عامل، وارتفاع الدين الحكومي الإيراني بنسبة تصل إلى 286 في المائة، كانت وزارة الاتصالات قد أعلنت في وقت سابق أنها ستنفق "مليوني يورو" فقط على صناعة القمر الصناعي "ظفر" لخلق استثمارات في هذا المجال.
وقد فشلت المحاولة المكررة للجمهورية الإسلامية في وضع قمر صناعي إيراني في مدار فضائي، الأحد 9 فبراير (شباط)، مرة أخرى، لأسباب فنية.
لكن في الوقت نفسه، ومع تأكيد فشل المشروع، أعلن مرتضى براري، رئيس منظمة الفضاء الإيرانية، عن قرار بـ"إعادة" المحاولة.
وعشية إطلاق القمر "ظفر"، واجه محمد جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تعليقات مختلفة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حول تكلفة هذا القرار، ومدى ضرورة تنفيذه.
ورد جهرمي على أحد النشطاء بأن تكلفة القمر الصناعي وحده "مليونا يورو"، وكان وزير الاتصالات نفسه قد أعلن العام الماضي عن تكلفة القمر الصناعي "بيام" والتي تخطت أكثر من "مليون يورو" مطلع عام 2019 والذي انتهى أيضًا بفشل آخر.
تأتي هذه التكلفة بالإضافة إلى الاستثمارات الأخرى لإطلاق قمر صناعي في الفضاء، والتي يقدرها بعض الخبراء الدوليين بـ"ما بين 10 إلى 400 مليون دولار"، حسب القمر الصناعي.
كما جاءت هذه الخطوة الإيرانية مع اشتداد الضغوط والعقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني، أكثر من السابق، بالإضافة إلى تراكم الديون على إيران في مختلف قطاعات الصناعة والصحة والتعليم.
من جهة أخرى، وبسبب التراجع الحاد في صادرات النفط التي هبطت إلى أقل من 300 ألف برميل يوميًا، وارتفاع الدين الحكومي إلى نحو 736 ألف مليار تومان، فإن بعض المنظمات والوزارات بدأت ببيع الأصول والأراضي الممتلكات الحكومية لتأمين رواتب عامليها ونفقاتها الحالية.
ومع تزايد الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أقر الرئيس حسن روحاني عقب احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بأن "75 في المائة من المجتمع الإيراني يعيشون تحت ضغط".
ميزانية الفضاء في ازدياد
وعلى الرغم من الدين الحكومي وأزمات المجتمع، فقد تزايدت الاعتمادات المخصصة لقطاع الفضاء، خلال العامين الأخیرین، على الأقل.
وفي السابق، كانت الحكومة الإيرانية قد أنفقت مليارات الدولارات على تصنيع أقمار صناعية، مثل: "بیام"، و"فجر"، و"نوید"، و"رصد"، و"مصباح"، و"ناهید"، وغيرها.
ووفقًا لما ذکره رئيس وكالة الفضاء الإیرانیة، فقد خصصت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات "الحصة الأكبر" من میزانیتها للأنشطة الفضائية، خلال السنوات الثلاثة الماضية.
وفي هذا السياق، كتبت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إیسنا) أنه في ميزانية عام 2018، تم تخصيص اعتماد بقيمة "11.800 مليار ريال" للأنشطة الفضائية الإيرانية.
قبل هذا العام، ومنذ انضمام وكالة الفضاء ومعهد أبحاث الفضاء الإیراني إلى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تم في فترة حکومة روحاني أیضًا، استثمار "4.700 مليار ريال" في تطوير الخدمات الفضائية.
وقد أخذت الاستثمارات في هذا القطاع في الارتفاع منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وزيادة التوترات مع الغرب، واستئناف العقوبات على إيران وتصاعدها، كما تشير التقارير الرسمية إلى استمرار هذه الوتیرة.
وفي يناير (كانون الثاني) 2018، أعلنت وسائل الإعلام عن زيادة بنسبة 447 في المائة في میزانیة معهد أبحاث الفضاء الإيراني. وبعدها في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، أعلن رئيس وكالة الفضاء الإیرانیة عن زيادة بنحو الضعف، في ميزانية قطاع الفضاء.
اللافت أن تخصيص تريليون ريال من الموارد العامة لصالح قطاع الفضاء الحكومي، والوحدات ذات الصلة في المؤسسات العسكرية، یأتي في وقت يحث فیه روحاني المواطنین، على زيادة قدرتهم علی "تحمل" المصاعب الاقتصادية.
زيادة احتجاجات العمال
تشير الإحصاءات الحكومية الرسمية إلى أن معدل التضخم تجاوز 40 في المائة، وأن القوة الشرائية لجميع فئات المجتمع انخفضت خلال الأشهر الماضية.
ومع ارتفاع معدل التضخم بهذا الشكل، فإن ميزانية الحكومة للعام المقبل لن تكون قادرة على رفع رواتب الموظفين أكثر من 15 في المائة، حسبما ذکر رئيس منظمة الموازنة والتخطيط.
وفي أعقاب تصاعد الأزمة المالية في القطاعين الصناعي والعمالي، كانت هناك احتجاجات مستمرة في الوحدات الصناعية والبتروكيماوية خلال الأشهر الماضية.
وفي غضون ذلك، فإن عمال المجمعات الاقتصادية، بما في ذلك "هفت تبه" لقصب السكر، ومجمع "لردكان" للبتروکیماویات، واتصالات شیراز، و"حقل بارس الجنوبي"، وغيرها، قاموا بتنظيم اعتصامات واحتجاجات متكررة بسبب عدم دفع رواتبهم لعدة أشهر.
وفي السياق نفسه، ذكرت وكالة "مهر" للأنباء، في سبتمبر (أيلول)، أنه تم تأجیل دفع مرتبات 130 ألف عامل في البلاد.
كما أثار إنفاق عشرات الملايين من اليوروهات على تصنيع أقمار صناعية واستثمار رأسمال بقيمة ألف مليار تومان في قطاع الفضاء، أثار انتقادات من بعض الخبراء، عند مقارنتها بالمبالغ اللازمة لتسوية الرواتب المتأخرة للعمال.
أزمة المدارس المتهالكة والفصول الدراسية
يشار إلى أن إيران تشهد مشاكل في القطاع التعليمي، تتمثل في المدراس المتهالكة التي تشكل 30 في المائة، من مدارس إيران، كما تنعكس هذه المشاكل أيضًا في نقص الساحات التعليمية بمقدار 40 مليون متر مكعب، وتحتاج هذه المشاكل والأزمات إلى تخصيص ميزانية حكومية لحلها، ففي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، أعلن مساعد رئيس منظمة تحديث مدارس إيران عن إعادة إعمار 32 ألف مدرسة غير آمنة في البلاد إذا تم تخصيص 40 ألف مليار تومان، وهو مبلغ يمكن من خلاله حل مشاكل عدد كبير من المدارس غير الآمنة في بعض المحافظات المحرومة.
يذكر أن هذا الإجراء هو من الإجراءات الضرورية للحفاظ على سلامة التلاميذ في المناطق المحرومة وضمان تعليمهم، فقد كان سقف أحد فصول مدرسة متهالكة في محافظة هرمزكان، جنوبي إيران، قد انهار على التلميذات في وقت سابق من العام الماضي.
نقص في أسرّة المستشفيات
إلى ذلك، كان نائب رئيس لجنة الصحة والعلاج في البرلمان الإيراني قد أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن مستشفيات البلاد بحاجة إلى 25 ألف سرير للمرضى.
وقال المسؤولون الحكوميون إن تكلفة كل سرير في المستشفى تتراوح بين 400 إلى 800 مليون تومان، وهو مبلغ يبدو ضئيلا مقارنة بميزانيات القطاع الفضائي.
ومن جهة أخرى، وتزامنًا مع ارتفاع تكاليف العلاج والصعوبة في توفير الدواء، أعلن رئيس منظمة التأمين الصحي عن خفض ميزانية هذه المؤسسة التأمينية بمقدار 4800 مليار تومان.
والجدير بالذكر أن التكلفة الإجمالية التي تم إنفاقها لإنشاء أكثر من 10 أقمار صناعية خلال العقدين الماضيين إلى جانب الميزانية المخصصة لإجراء الدراسات اللازمة والأبحاث في مجال صناعة الأقمار الصناعية والصواريخ الحاملة لهذه الأقمار، كلها تكاليف فائقة وكبيرة، مقارنة بحجم الديون الموجودة على عاتق إيران وخفض ميزانيات القطاعات الأخرى في المجالات المختلفة مثل الصحة والتعليم المدني.
وقد انتهى كل هذا الإنفاق، بفشل المشروع الإيراني في إطلاق قمر "ظفر" الصناعي بقيمة مليوني يورو، كما سقطت شظاياه في مناطق محافظة سيستان-بلوشستان، وهي المحافظة التي قال وزير الصحة السابق عنها إنها من "أكثر المحافظات حرمانًا" من حيث عدم كفاية الأسرّة في مستشفياتها، وفي قطاع التعليم أيضًا، حيث إن بها 5 آلاف مدرسة لا بد من هدمها وإعادة بنائها من جديد.