تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

روسيا ورقة إيرانية... في سوريا

صورة بشار الاسد
AvaToday caption
يؤكّد هذا الهجومان على معملين لشركة "أرامكو" وجود رغبة إيرانية في استخدام الحوثيين في تهديد دول الخليج العربي
posted onSeptember 16, 2019
noتعليق

خيرالله خيرالله

لم تنته الحرب في سوريا، كما يقول وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف. لم تنته الحرب لا في سوريا ولا في غير سوريا ما دامت هناك رغبة إيرانية في الاستمرار في مشروع توسّعي على كلّ المستويات وفي انحاء مختلفة في المنطقة.

يترافق هذا المشروع الايراني مع رغبة إسرائيلية في استغلال ما تقوم به ايران الى ابعد حدود من اجل تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

هذه الحرب القائمة في سوريا منذ ثماني سنوات والتي تستهدف الشعب السوري بدأت ولكن بشكل جديد وهي تندرج، اليوم اكثر من أي وقت، في اطار سلسلة الحروب الدائرة في المنطقة.

يشكلّ الهجوم الذي تعرضت له منشأتان نفطيتان سعوديتان في بقيق وهجرة  خريص خير دليل على حرب تشنها ايران عبر ادواتها على المملكة العربية السعودية.

 يؤكّد هذا الهجومان على معملين لشركة "أرامكو" وجود رغبة إيرانية في استخدام الحوثيين في تهديد دول الخليج العربي، على رأسها المملكة العربية السعودية، انطلاقا من اليمن.

وهذا يفرض في طبيعة الحال البحث عن استراتيجية خليجية جديدة في مواجهة الخطر الآتي من ايران والذي تختزله القدرة على استخدام ميليشيات مذهبية في حروب تصب في عملية تقويض مقومات الاستقرار في المنطقة.

ليست لدى روسيا أي رؤية شاملة لما يدور في المنطقة. تعمل روسيا بدورها على الطريقة الايرانية، خصوصا في سوريا حيث ليس ما يشير الى اكثر من رغبة في مواجهة ايران من دون مواجهتها على امل الاستفادة من وجودها في ابتزاز الولايات المتحدة.

نجحت روسيا الى حدّ كبير في ابتزاز تركيا في سوريا. اثبت رجب طيب اردوغان انّه سياسي فاشل لا يعرف ماذا يريد. يطلق شعارات، مثله مثل أي زعيم عربي من أولئك الذين جاؤوا الى السلطة من صفوف الجيش في خمسينات وستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي وراحوا يغطون القمع بالكلام الكبير من نوع تحرير فلسطين.

انتهت تركيا من بلد يريد اسقاط النظام السوري وتحرير الشعب من نظام اقلّوي الى بلد يريد ابتزاز دول اوروبا عن طريق التهديد بإرسال السوريين الموجودين لديه اليها!

كلْ ما في الامر ان الاوضاع تزداد تعقيدا في المنطقة. ليس معروفا بعد هل ستقوم قيامة في يوم من الايّام للعراق حيث يحرص مقتدى الصدر على الاحتفال بذكرى عاشوراء في ايران الى جانب الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري". بدا الصدر الذي كان هناك رهان كبير على لعبه دورا في اظهار وجود نزعة استقلالية لدى شيعة العراق تجاه ايران بمثابة تلميذ نجيب في حضرة "المرشد" علي خامنئي.

امّا في لبنان، فقد ذهبت ايران في تماديها على استقلال البلد وسيادته الى مرحلة اللاعودة، ففي ذكرى عاشوراء، لم يجد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" ما يقوله غير الآتي: "نحن هنا من لبنان نقول للعالم كلّه ان امامنا وقائدنا وسيدّنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الامام السيّد علي الحسيني الخامنئي دام ظلّه وان الجمهورية الإسلامية في ايران هي قلب المحور وهي مركزه الأساسي وهي داعمه الأقوى وهي عنوانه وعنفوانه وقوّته وحقيقته وجوهره".

مضيفا: "نرفض أي مشروع حرب على الجمهورية الإسلامية في ايران لان هذه الحرب ستشعل المنطقة وتدمّر دولا وشعوبا ولانّها ستكون حربا على كلّ محور المقاومة وتهدف الى اسقاط آخر الآمال المعقودة لاستعادة فلسطين والمقدسات".

صحيح ان هذا الكلام لم يلق الردّ الذي كان يجب ان يلقاه من كبار المسؤولين اللبنانيين، الذين يتحدثون عن السيادة اللبنانية بين حين وآخر، لكنّ الصحيح أيضا انّه بات من الممكن التساؤل هل انضمت روسيا، التي تجاهلت هذا الكلام الايراني عن لبنان، الى ما يسمّى "محور المقاومة"؟ 

يمكن القول، ربّما، انّ روسيا تريد الاستفادة من غياب الاستراتيجية الاميركية تجاه سوريا. ليس هناك ما يشير الى رغبة في بلورة استراتيجية أميركية خارج العقوبات على ايران التي تعاني اقتصاديا ولكنّها تبدو مصرّة على تمرير هذه المرحلة لعلّ دونالد ترامب يفشل في الحصول على ولاية ثانية في انتخابات خريف العام 2020.

في حال حصول لقاء بين ترامب والرئيس الايراني حسن روحاني على هامش دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، سيندرج مثل هذا اللقاء في سياق سعي ايران لكسب الوقت ليس الّا وتمرير المرحلة الراهنة، مرحلة العقوبات الاميركية.

من الواضح ان روسيا، التي تواجه وضعا داخليا غير مريح، عبرت عنه نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي اظهر الشعب من خلالها رفضه لسياسات بوتين، لا تنوي التخلي عن ورقة ايران في سوريا. عندما يقول لافروف ان الحرب انتهت في هذا البلد، معنى ذلك ان ايران خرجت منتصرة. كيف يمكن ان تنتهي الحرب فيما تدلّ كلّ المؤشرات على ان الدولة المركزية انهارت كلّيا وان لا مكان في المناطق التي تحت سيطرتها سوى لميليشيات تابعة امّا لإيران وامّا لروسيا او لبعض "الشبيحة" الذين استطاعوا إيجاد موقع لهم في ظلّ الحرب.

ثمّة حاجة روسية الى بعض التواضع والواقعية اكثر من ايّ شيء آخر. في غياب التواضع والواقعية، ليس امام الكرملين سوى لعب دور الشريك في تغيير تركيبة سوريا، خصوصا على الصعيد الديموغرافي، إرضاء لرغبات ايران. هل يمكن لروسيا التي حالت دون خروج بشّار الأسد من دمشق في العام 2015 القبول بلعب دور التابع لإيران؟

هذا السؤال يطرح نفسه بحدّة هذه الايّام في وقت ليس معروفا كيف ستنتهي الصراعات القائمة داخل الحلقة الضيقة المحيطة ببشار الأسد، وهي صراعات تتميّز بلعبة شدّ حبال بين بشّار وابن خاله رامي مخلوف، وهي لعبة لا يبدو ان زوجة بشّار (اسماء) بعيدة عنها.

عندما يقول سرغي لافروف ان الحرب انتهت في سوريا، يبدو معنى ذلك ان روسيا ما زالت تبحث عن دور في هذا البلد بعدما فشلت بتنفيذ وعدها للاميركيين والإسرائيليين في ابعاد الايرانيين مسافة كافية عن الجولان. هذا الفشل هو بيت القصيد الذي يجعل موسكو تبحث عن دور سوري.

 في انتظار العثور على مثل هذا الدور، سيصعب عليها اكتشاف انّ قتل المدنيين في ادلب لا يفيد في شيء ولا ينهي حربا. انّه مساهمة في خدمة دور إيراني لا افق له، لا لشيء سوى لانّ ايران لا تستطيع الوقوف على رجليها اقتصاديا... تماما كما حصل مع الاتحاد السوفياتي الذي أراد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لعب دور لا يستطيع اقتصاده تحمل اعباءه على الصعيد العالمي.