تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لماذا يصرّ ظريف بيع النفط.. "نقدًا"؟

ظريف مع ماكرون في باريس
AvaToday caption
قال ظريف "لا نريد أيًا من هذه كشروط مسبقة للوفاء الكامل بالتزاماتنا؛ نريد فقط أن نكون قادرين على بيع النفط
posted onSeptember 2, 2019
noتعليق

نريمان باورصاد أميديان

لسنوات عديدة، لم تعد "العقوبات" في إيران مجرد كلمة للتهديد، ولكنها أصبحت جزءًا من حياة الإيرانيين. وفي العام الماضي، مع تزايد السلوك الاستفزازي للمؤسسات العسكرية والأمنية الإيرانية، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وعجز أوروبا عن الوفاء بالتزاماتها، أصبح الإيرانيون علی دراية بأکثر العقوبات شدة واتساعًا.

العقوبات التي ضاعفت الأسعار بدءًا من السيارات، وحتى الخبز. فأفلست كثير من الشركات الصغيرة وورش العمل التي تأسست برأسمال شخصي، بسبب الضغوط الضريبية وعدم الاستقرار الاقتصادي، أو فضلت إغلاق أعمالها لتجنب الإفلاس.

لكن جمهورية إيران الإسلامية التي ما زالت تسعى إلى حل لملء خزينتها الشاغرة، حتى لا تشرب كأس السم مرة أخری؛ رفضت التفاوض مع الولايات المتحدة.. لم تنفع هذه المرة الرسائل وسياسة الکیل بمکیالین على المستوى الدولي، ولم تقاطع الولايات المتحدة المرشد الإيراني فحسب، بل قاطعت حتی وزير الخارجية الإيراني.

في هذه الظروف الحرجة حیث یرزح الإيرانيون تحت الضغوط الاقصادیة ويتزايد الاستیاء من الحكومة بشکل ملحوظ، قرر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، السفر إلى أوروبا والقیام بجولة أوروبیة "بناءً على دعوته"، إلی عدد من الدول الاسكندنافية.

ومع نهاية الجولة،  وصل إلى باريس لإجراء محادثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان قبل قمة مجموعة السبع، كما سافر مرة أخرى إلى بياريتز، فرنسا، للقاء نظيره الفرنسي في نفس المبنى في اليوم الذي سبق قمة مجموعة السبع.

كانت تصريحات ماكرون، خلال أيام وجود ظریف في أوروبا، وبعد ذلك، تشير إلى محادثات حاسمة بين البلدين لإيجاد مخرج لإیران من جزء من العقوبات، وهي نافذة أمل تم إغلاقها بسرعة مع معارضة ترامب.

وبعد السفر إلى أوروبا والتفاوض في فرنسا، تحدث وزير الخارجية الإيراني مع صحيفة "تاجاس إنسيدر" السویسریة، وعبر عن مطلب إیران کالآتي: "نريد أن نكون قادرین على بيع نفطنا والحصول على أمواله".

وفي الوقت نفسه، على الرغم من كل الدعاية التي بثها الحرس الثوري وحتى وزارة الخارجية نفسها على المستوى الدولي بأن إيران ستستأنف أنشطتها النووية بسبب انتهاك الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؛ فقد قال ظريف- بعد إتمام رحلته- بأدبیات مختلفة تمامًا، أمام وسائل الإعلام، إن إيران قد أوفت بالتزاماتها.

كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية خمس عشرة مرة أن إيران التزمت بالاتفاق، خمس مرات منها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لكن العلاقات الاقتصادية العالمية مع إيران لم تعد إلى طبيعتها.

في الواقع، لقد تدهورت هذه العلاقات أکثر مما کانت علیه قبل الاتفاق، إذ التزمت أوروبا بإحدی عشرة قضیة، بما في ذلك الاستثمار، وبيع الطائرات المدنية، والشحن، وإعادة الشركات الأوروبية إلى إيران.

ثم قال ظريف "لا نريد أيًا من هذه كشروط مسبقة للوفاء الكامل بالتزاماتنا؛ نريد فقط أن نكون قادرين على بيع النفط والحصول على أمواله. لقد فقدنا مئات المليارات من الدولارات وتضرر اقتصادنا".

النقطة المثيرة للاهتمام في طلب ظریف هي أنه رغم الكثير من الضغوط وأوجه القصور في الحياة اليومية للشعب الإيراني، والأهم من ذلك، الجهود التي بذلتها حكومة روحاني لسنوات عديدة في عملية تشكيل الاتفاق النووي لإضافة هذه الشروط الـ11 المتفق عليها، فإن وزير الخارجية الإيراني الذي یعتبر نفسه ممثلاً لـ 70 في المائة من الشعب الإیراني.

یرفض تصدیر نفط بلاده مقابل السلع الاستهلاکیة والشحیحة في البلاد، ولا سيما الأدوية، التي تركت كثيرًا من العائلات تواجه تحديات كبيرة لحمایة حیاة أحبائهم، حتى من أجل تحسین ظروف المواطنين، وکان یطلب فقط بيع النفط نقدًا؛ رغم حاجة الإيرانيين للدواء والسلع الأساسية، حيث تعلن الحكومة بکل سهولة أن هذه المشاكل لا یمکن حلها ما دامت العقوبات باقیة.

وتكمن فلسفة العقوبات في أن إيران تمول الجماعات المسلحة في المنطقة عن طريق بيع النفط وتلقي الأموال، وبالتالي كان من الأفضل أن تكون مبيعات النفط محدودة، ومقابل السلع بدلاً من الأموال، لتخفيف قلق الدول الأخرى من قيام إيران بدعم الجماعات المسلحة في المنطقة، وكذلك لإنقاذ الشعب الإيراني من وطأة الضغط اليومي.

لقد أظهر أداء إيران في العقود الأخيرة أن "المصلحة الوطنية" تحولت منذ فترة طويلة إلى "مصلحة النظام" في تفسير وسلوك المسؤولين.

وأن أحد العناصر الرئيسية في تأمين مصالح النظام هو تمويل الجماعات العسكرية التي تدافع عن مصالح النظام الإيراني في بلدان أخرى، مثل لبنان واليمن وسوريا، والآخر هو زيادة القدرة على قمع الاستياء الداخلي عن طريق تخصيص المزيد من الأموال للقطاعات العسكرية والأمنية إذا لزم الأمر، واستخدام نفس مجموعات الميليشيات في الخارج للمساعدة في الحفاظ على السلطة في الداخل.

وكما قال مهدي طائب: "سوريا هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثون والدفاع عنها أهم من الدفاع عن محافظة خوزستان".

وما زال ظريف، الیوم، يفضل تلقي الأموال على جميع البنود الـ11 المتفق عليها في الاتفاق النووي، لأن الخزانة دون أموال نقدیة لا يمكن أن تكون دعمًا قويًا للمیلیشیات في المنطقة؛ ففي الأيام التي تصاعد فيها الضغط الدولي لزيادة العقوبات المصرفية الإيرانية، صدر شريط فيديو لخطاب الأمين العام لحزب الله في اجتماع مسؤولي السياسة الخارجية الإیرانیین.

أکد فيه على أنه ما دامت إيران لديها "أموال"، فحزب الله سیبقی صامدًا. لا يمكن لإيران أن تحقق أهدافها في الداخل والخارج دون أموال، لذلك من الأفضل أن تعلن أنها تحتاج فقط إلى النقد مقابل النفط، بدلاً من طلب بیع النفط مقابل الدواء والغذاء وحتى طائرات الركاب، وتعتبر هذا شرطًا مسبقًا للتفاوض.

إن المحظور وفق النظام الإيراني وهيكله السياسي هو التفاوض مع الولايات المتحدة، لكن اليوم، يقول ممثل الأمة الإيرانية نيابة عن هذا النظام فقط (وليس الأمة): "إذا سُمح لنا ببيع 700 ألف برميل من النفط يوميًا وتلقي الأموال نقدًا، یمکننا الجلوس على طاولة المفاوضات".. طاولة المفاوضات التي بقیت فارغة منذ سنوات، لیظهر مسؤولو النظام للعالم معاداتهم للولايات المتحدة ویحافظوا علی مکانة نظامهم المزیفة.

لكن الآن، ورغم ضم المرشد الإيراني ووزير الخارجية إلى قائمة العقوبات، فإنهما يضعان شرطًا مسبقا للذهاب إلى طاولة المفاوضات، وهو بيع النفط مقابل المال، لأن النقد يمكن أن يكون أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية المبنیة علی التدخل في شؤون الغير، أي تصدیر قیم الثورة الإسلامیة وتعزيز قوة إيران في المنطقة وزيادة قوتها الأمنية والعسكرية في الداخل.

لن يتحقق شعور إیران بأنها شرطة المنطقة، ولن تزداد قوتها في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى عشرات الأغراض الأخرى، لن يتحقق كل هذا من خلال الشروط الـ11 التي كان الأوروبيون ملزمين بتنفيذها، ولكن فقط من خلال تلقي الأموال مقابل بيع النفط.

باحث سياسي