تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مشهد من "الإخوة الأعداء"

نيكوس كازانتزاكي
AvaToday caption
هذا المشهد يصور بوضوح ما يحدث في كثير من بلاد المسلمين الآن، من يدعون أنهم رجال دين، فيأخذون من الفقراء ليغتنوا، وبدلا من أن يطلبوا العون والقوة من الله الغني القوي
posted onJune 5, 2019
noتعليق

مصطفى نصر

في رواية "الإخوة الأعداء" - أفضل ما كتب الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكي، في رأيي، وترجمة الرائع إسماعيل المهدوي - يأتي الراهب البدين إلى القرية اليونانية الفقيرة التي تعاني من آثار الحرب الأهلية بين أهل المدينة، وتعاني أيضا من الفقر الشديد، فينادي على أهل القرية معلنا عن وجود صندوق من الفضة معه فيه الحزام الحقيقي الذي كانت السيدة العذراء تلفه حول وسطها. وسوف يعرضه في ميدان القرية الكبير والواسع.

الأب ياناروس لا يثق في الرهبان، فقد رأى هذا الحزام من قبل، هو حزام من الصوف ذي اللون البني متوج بخيوط من الذهب، فكيف يكون هذا، والعذراء كانت فقيرة وابنها – المسيح – فقير أيضا؟!

يذكر ياناروس أنهم عرضوا عليه – في دير آخر – حاملا أثريا من الذهب بداخله جمجمة طفل، قال الراهب – الموكل بحراسة الأثر الثمين، وقتها: هذه رأس القديس كريكوس.

وبعد يومين عرضوا عليه رأسا أكبر كثيرا من الرأس الأولى، وقال خادم الدير: إنها رأس القديس كريكوس.

فقال ياناروس:

-    لكنهم عرضوا على أول أمس جمجمة أخرى، جمجمة طفل.

فأجاب خادم الدير:

-    هذا صحيح، فالجمجمة الأولى كانت للقديس كريكوس وهو صغير.

ووقف الراهب البدين الذي حمل حزام العذراء، كانت رأسه عارية، وشعره معقود على قفاه، وبطنه بارزة. وتتدلى عن يمينه ويساره سلتان كبيرتان مليئتان بالزجاجات  والمأكولات والعلف.

هذا ما جمعه من قرية فقيرة أخرى، ويريد الآن من سكان هذه القرية أن يقدوموا هداياهم للعذراء البتول:

-    اذهبوا إلى بيوتكم وابحثوا عن هباتكم للسيدة العذراء، نقود أو خبز أو خمر أو جبن، أو صوف أو زيت، أو أي شيء، احضروا ما لديكم وتعالوا لتركعوا.

لكن الأب ياناروس اعترض الراهب البدين قائلا:

-    لا تدنس اسم الله المقدس، لو كانت السيدة العذراء هي التي أرسلتك إلى هذه القرية شديدة الفقر، لأثقلت كتفيك بالقمح والزيت والملابس وكل ما هو متوفر عند الرهبان، لتوزعه على شعبها العاري الحافي الذي يموت من الجوع، بدلا من أن تحضر لتنزع من فمهم قطعة جبن لم يبق غيرها.

جاء أهل القرية وتجمعوا، وكل واحد فيهم يمسك شيئا في يده أو في طاقيته: بصلة أو حفنة قمح، أو قليلا من صوف نعجة، أي شيء يملكونه ليقدموه للسيدة للعذراء.

    لكن الأب ياناروس صاح فيهم:

-    لا تعطوا حبة قمح لهذا الراهب فأنتم فقراء جوعي وأطفالكم جوعى، العذراء ليست في حاجة إلى الهبات، وهل تأخذ العذراء – حاشالله – إنها تعطي ولا تأخذ، هل يمكن أن ترى أولادها يقاسون الجوع دون أن تمد يدها إليهم بيد العطف، لتعطيهم الخبز.

وأشار إلى الراهب البدين – انظروا إلى هذا الرجل الطيب، لقد جاء إلى قريتنا ليملأ سلاله، لكنه رأى فقرنا، وشاهد الأطفال الجوعى يجرون خلفه، فرق لحالهم، لقد أشفق على شقائكم، وسيوزع كل ما جمعه من القرى الأخرى عليكم.

وأسرع أهل القرية إلى الراهب البدين الذي لم يستطع أن ينطق من شدة غيظه، فقبلوا يديه وأخذوا كل ما في السلتين.

كان الراهب يلهث في ألم والعرق يتصبب منه، ويقذف الأب ياناروس بنظرة مسمومة من وقت لآخر، وهمس في أذنه بصوت لم يسمعه سوى ياناروس:

-    هزمتني يا خادم الشيطان.

هذا المشهد يصور بوضوح ما يحدث في كثير من بلاد المسلمين الآن، من يدعون أنهم رجال دين، فيأخذون من الفقراء ليغتنوا، وبدلا من أن يطلبوا العون والقوة من الله الغني القوي، يحرضون السفهاء والبلهاء لكي يفجروا أنفسهم محبة في الله، بحجة الدفاع عن الله، نفس المشهد الذي صوره نيكوس كازنتزاكي، فالله هو الأقوى وهو – سبحانه – ليس في حاجة لكي يقتلوا الناس من أجله.

وما ذكره  نيكوس كازانتزاكي ذكرته واحدة من أكبر علماء الطب الفرعوني بجامعة مانشتسر الانجليزية، حيث توصلت  إلى أن الكهنة – أيام الفراعنة - كانوا يقدمون للآلهة أفخر الطعام الغارق في الدهون‏: ‏البط المحمر والخبز بالدسم والخضراوات‏؛ يضعونها أمام تماثيل الآلهة أرضاء لها‏-  وهي الطقوس اليومية التي يمارسونها ثلاث مرات يوميا ‏- ‏ثم يعود الكهنة بهذا الطعام إلى بيوتهم.