تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الإيرانيون العراقيون أخيرا بلا أقنعة

ميليشيات الحشد الشعبي
AvaToday caption
إذا كان رئيس الوزراء القابض على رقبة العراق بكماشة إيرانية، ورفاقُه الفطاحل المتبحرون في علم السياسة وشؤون الحرب والسلام، لا يعلمون بأن الأمور ليست بهذه السهولة فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون بأنها صعبة وعسيرة وأشبه بالمستحيلة
posted onMay 19, 2019
noتعليق

إبراهيم الزبيدي

إن (الإيرانيين) العراقيين، على اختلاف ميليشياتهم، وتعدد أنواعها وأحجامها، وبجميع مستويات مواقعهم في الحكومة العراقية والبرلمان، يضعون أنفسهم في مأزق هم في غنى عنه. وأشرح لكم المسألة بالتفاصيل.

نقلت وكالة (إرنا) الإيرانية الرسمية عن قائد القوات البحرية الإيرانية حسين خانزادي قوله إن قواته “في تمام الجهوزية لأداء المهام الموكلة لها، في أي لحظة، من حيث الكوادر البشرية والسلاح والمعدات والخطط اللازمة لحرب حقيقية”.

وأضاف قائلا إن “إرسال حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لينكولن إلى المنطقة تضخيم يائس لشبح الحرب، واستعراض عقيم وخادع للقوة، وقد بلغ نهاية مطافه، وعليهم مغادرة المنطقة”. وختم تصريحه بالقول إن “المرشد الأعلى قال الكلمة الأساسية، وهي أن الحرب لن تقع، وفيما لو وقعت فإننا جاهزون لها، ولن نتفاوض مع أحد”.

إذن، إذا كان الأمر كذلك، مثلما أفتى صاحب القضية الإيراني الحقيقي، وليس وكيله الخارجي الجاهل ببواطن الأمور، فما الذي جعل عادل عبدالمهدي يكلف ثلاثة من إخوته المجاهدين (الإيرانيين) العراقيين، محمد الحكيم وزير الخارجية، وفالح الفياض مستشار الأمن (القومي) رئيس الحشد الشعبي، ومصطفى الكاظمي رئيس المخابرات، بالقيام بجولة مكوكية في دول الخليج وتركيا طلبا للتوسط بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبين نظام الولي الفقيه، من أجل إيقاف التصعيد الأميركي الإيراني، (هكذا)، لا تخفيفه؟

فإذا كان رئيس الوزراء القابض على رقبة العراق بكماشة إيرانية، ورفاقُه الفطاحل المتبحرون في علم السياسة وشؤون الحرب والسلام، لا يعلمون بأن الأمور ليست بهذه السهولة فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون بأنها صعبة وعسيرة وأشبه بالمستحيلة، وأكبر من حجم أي صديق أو حليف عربي أو تركي لأميركا، فتلك مصيبة أعظم، لأنهم، في الحالتين، يبرهنون على ضحالة تفكيرهم، من جانب، وعلى تبعيتهم الكاملة لإيران، من جانب آخر، ويكشفون خوفهم من أن ترامب لا يلعب، وأن الحرب حقيقة واقعة، وأن القائد البحري الإيراني وسيده المرشد الأعلى يحلمان ويهذيان.

ومن غير المعقول أن يكون عادل عبدالمهدي، وهو حاكم العراق والمؤتمن على مصالح شعبه، ساذجا إلى هذا الحد فيعجز عن تحليل الواقع السياسي الأميركي، وفهمه، خصوصا في ظروف ما قبل الانتخابات الأميركية الدامية القادمة.

الحقيقة التي يعرفها أبسط المراقبين والمحللين السياسيين، في أميركا وخارجها، هي أن ترامب حين خرج غازيا، ولأول مرة في رئاسته المحاصرة بالمتربصين، وبكل هذا الهيلمان المسلح الضخم المخيف الذي تكسر تكاليفه الباهظة ظهر أكبر جيوش الأرض، (رغم أن ثلاثة أرباعها مدفوعة من أطراف ثالثة)، لا يستطيع العودة إلى بلاده خالي الوفاض فيُغضبُ حلفاءه اليهود الأميركيين والإسرائيليين، وحزبه الجمهوري، ويعطي خصومه الديمقراطيين الخنجر الذي يذبحونه به ويذبحون حزبه، بسهولة.

ومع ذلك فإن ترامب مخلص، فعلا، في طلب الجلوس مع الإيرانيين على طاولة المفاوضات لكي يتجنب حربا لا يعرف هو وغيرُه تبعاتها وتداعياتها وأخطارها على فرص انتخابه مجددا، وعلى مصالح دولته وحلفائها في المنطقة، وربما في العالم، ما دامت النتيجة واحدة في الحالتين.

الحوار لن يكون إلا بعد رضوخ النظام الإيراني، بالكامل، ومقدَّما، لجميع شروط وزير الخارجية مايك بومبيو الإثني عشر، دفعة واحدة أو مقسطة على مراحل. وهذا معناه بداية مسلسل تركيع النظام المشاكس، ونزع أظافره وخلع أنيابه، وإعادته إلى داخل حدود بلاده ملوما محسورا. هذا إذا لم يعاقبه شعبه على ما أضاعه من دماء وثروات وكرامة واستقلال ولم يسقطه بثورة شعبية ساحقة ماحقة، وإذا ما بقيت إيران دولة واحدة موحدة.

ومن يدري فقد يكون المطلوب، أميركيا وإسرائيليا وأوروبيا، وحتى روسيّا، هو تفكيك الدولة الإيرانية إلى مقاطعات قومية وطائفية ودينية ومناطقية متنافرة، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

سؤال مهم. ألهذه الدرجة يشتعل قلب عادل عبدالمهدي نارا على سلامة رأس النظام الإيراني، ولا يخشى على أهله العراقيين من دمار جديد يضاف إلى ما حل به من دمار فيعلن عن فك ارتباطه بإيران، على الأقل حتى تمر العاصفة؟

ثم من الذي داس على طرف لإخوته في حزب الدعوة والتيار الصدري وميليشيات هادي العامري وقيس الخزعلي، وشلة نوري المالكي، وسنة السفارة الإيرانية في بغداد، لينتفضوا غضبا على ترامب وعلى حشوده العسكرية، ويخرجوا ملوحين ببنادقهم وسيوفهم وخناجرهم، مهدّدين متوعدين، ومتعهدين بالتضحية بالغالي والنفيس، وبالقتال حتى آخر نفس، حتى لو أحرقوا العراق كله، وجوعوا أهله، وتسببوا بتهديم ما تبقى من بيوتهم على رؤوسهم، وعلى رؤوس آبائهم وأجدادهم، وهم أبرياء؟

حسنا، ورب ضارة نافعة. فقد كشفوا أنفسهم أكثر مما كانوا مكشوفين، ونزعوا آخر ما بقي على وجوههم من أقنعة، وأعلنوا، بلا خوف ولا حياء، أنهم عملاء سفهاء وعبيد لأجانب، وخونة وطن أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وجعلهم رؤساء ووزراء وزعماء، بعد أن كانوا شحاذين جوالين دوارين على العواصم المجزية يستعطون حفنة دولارات، أو ريالات، أو دراهم، أو تومانات، وجائعين ومفلسين.

ألهذه الدرجة من العمالة والجهالة والضلالة أيها الإيرانيون المُرتَدُون ثيابَ عراقيين؟

كاتب عراقي