تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إيران وتركيا خارج مدار اللعبة السورية

بوتين و نتنياهو في موسكو
AvaToday caption
كانت وسائل إعلام إسرائيلية قد تحدثت قبل أيام عن خطة لنتنياهو لحل الأزمة في سوريا وأنه أطلع الرئيس دونالد ترامب عليها خلال زيارته في مارس الماضي للبيت الأبيض. وأبدى الكرملين الأربعاء رغبة في الاستماع إلى الخطة الإسرائيلية، نافيا أن يكون جرى في السابق بحثها
posted onApril 6, 2019
noتعليق

صابرة دوح

تشهد الساحة السورية مخاضا لتحولات جديدة على مستوى التحالفات وسط توقعات بأن أنقرة كما طهران الخاسر الأكبر من هذه المتغيرات التي يرجح أن يتسارع نسقها بعد انتهاء الانتخابات البلدية في تركيا (الأحد الماضي)، والانتخابات الإسرائيلية العامة المقررة الأسبوع المقبل.

وتفيد دوائر سياسية بأن إسرائيل باتت في صلب المعادلة السورية بفضل روسيا التي قال رئيسها فلاديمير بوتين في فبراير الماضي إنه بصدد تشكيل “مجموعة عمل” تتضمن مختلف الفاعلين في المشهد السوري وبينهم إسرائيل لإنهاء الأزمة، في تصريح أثار حينها الكثير من التساؤلات بشأن مستقبل مسار أستانة الذي ترعاه كل من موسكو وأنقرة وطهران.

وتشير الدوائر إلى أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات العامة في إسرائيل إلى موسكو وتسلمه لـ”هدية” هي عبارة عن رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل الذي فقد خلال معركة السلطان يعقوب في منطقة البقاع في العام 1982 خلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وتأكيد بوتين على أن العثور على رفات هذا الجندي تم بمساعدة من “شركائنا السوريين” في إشارة إلى دمشق، مؤشر جدي على تغيير دراماتيكي في المسرح السوري.

وعقب زيارة نتنياهو إلى موسكو الخميس، عقد الرئيس بوتين اجتماعا طارئا مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي الجمعة لبحث الوضع في سوريا، والاتصالات الدولية الحالية والقادمة بشأنها، على ضوء المباحثات التي جرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وكان مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أعلن الخميس أن بوتين ونتنياهو قد ناقشا خلال لقائهما موضوع سوريا على نطاق واسع وفي جوانب مختلفة، ما يعكس أن دور إسرائيل في الملف السوري لم يعد يقتصر فقط على الجانب المتعلق بأمنها في علاقة بالوجود الإيراني بل أنها صارت طرفا رئيسيا وسيكون لها دور مستقبلي في مسار تسوية النزاع.

وتدرك روسيا مدى تأثير إسرائيل على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبالتالي فإن إشراكها في الأزمة السورية قد يقودها إلى حل مع واشنطن التي رغم حضورها الميداني الضعيف (مقارنة بالوجود الروسي) إلا أنه من الواضح أن تحقيق السلام وإعادة الإعمار لا يمكن أن يتمّا دون التوصل إلى تفاهمات معها.

ويعتبر كثيرون أن إعلان الرئيس الأميركي ترامب سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل وإن كان الهدف المباشر منه هو دعم نتنياهو في معركة الانتخابات الصعبة التي يواجهها، إلا أنه لا يمكن تجاهل فرضية ارتباط الأمر بمسار حل الصراع السوري. ويبني هؤلاء فرضيتهم على مواقف كل من موسكو وحتى دمشق اللتين اقتصرتا على التنديد بخطوة ترامب دون أن يكون هناك أي توجه لرد عملي، بل العكس تماما فقد تم تسليم نتنياهو “هدية قيمة” وهي رفات الجندي باومل قبل أيام قليلة من الانتخابات.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد تحدثت قبل أيام عن خطة لنتنياهو لحل الأزمة في سوريا وأنه أطلع الرئيس دونالد ترامب عليها خلال زيارته في مارس الماضي للبيت الأبيض. وأبدى الكرملين الأربعاء رغبة في الاستماع إلى الخطة الإسرائيلية، نافيا أن يكون جرى في السابق بحثها.

وتقول الدوائر السياسية إن بوتين الذي تتسم سياساته ببراغماتية شديدة لن يتوانى عن تعزيز التعاون مع إسرائيل للتوصل إلى تسوية في سوريا، ولو كان ذلك على حساب حليفته المفترضة إيران التي باتت تنظر بقلق شديد إلى هذا التغير الروسي.

وبدأت ملامح هذا التغير تتبلور منذ أواخر العام الماضي حينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته سحب قوات بلاده الألفين من سوريا. وتلت ذلك دعوات روسية لمختلف الدول المنخرطة بشكل مباشر في النزاع، بما فيها إيران، إلى سحب عناصرها من هذا البلد.

وكثفت روسيا تحركاتها الدبلوماسية في الأشهر الأخيرة حيث قام وزير خارجيتها سيرجي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شويجو بجولات شملت عدة دول عربية، رغبةً في أن تلعب هذه الدول دورا متقدما يخلق نوعا من التوازن في مقابل الوجود التركي والإيراني.

وبدأ لافروف الجمعة جولة جديدة في المنطقة تستمر حتى السابع من أبريل، وتشمل كلا من مصر والأردن حيث مرجح أن يلتقي قادة البلدين إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، وسط ترجيحات بأن يكون الملف السوري الموضوع الأبرز على طاولة المحادثات بناء على ما تمت مناقشته خلال اجتماع بوتين ونتنياهو.

ويعود التغير الروسي في معالجة المعضلة السورية إلى عدة عوامل أهمها استيفاء مسار أستانة لغاياته، فضلا عن كون الطرفين المشاركين في هذا المسار -أي تركيا وإيران- أصبحا حجر عثرة أمام تحقيق أي تقدم هناك، في ظل طموحاتهما التي تتعارض مع المصالح الروسية وعدم إبداء أي منهما رغبة في تقديم تنازلات.

ففي ما يتعلق بالجانب التركي اتضح بالكاشف أن اتفاق سوتشي الذي تم توقيعه بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر الماضي بشأن إنشاء منطقة آمنة في إدلب وجوارها لم يكن الهدف منه سوى كسب الوقت لتكريس أنقرة هيمنتها على تلك المحافظة عبر هيئة تحرير الشام التي تتشكل من جماعات إرهابية على رأسها جبهة النصرة.

وعلى خلاف المتفق عليه وهو سحب تلك الجماعات إلى الحدود التركية عمدت أنقرة إلى منحها الضوء الأخضر في ديسمبر الماضي لوضع يدها على كامل إدلب بعد طرد الفصائل التي توصف بالمعتدلة.

وتراهن تركيا على أن المجتمع الدولي لن يقبل أي عملية عسكرية يشنها النظام السوري وحليفته روسيا ضد المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد، بالنظر إلى احتضانها أكثر من 3 ملايين نسمة وما يمكن أن تخلفه أي عملية من موجة نزوح غير مسبوقة.

كما تراهن أنقرة على أن وجود الآلاف من المقاتلين الذين خبروا المعارك طيلة السنوات الثماني الماضية، سيدفع روسيا إلى مراجعة حساباتها حيال شن أي عملية في إدلب.

وتريد تركيا إلى جانب تكريس هيمنتها على إدلب وأجزاء من ريفي حماه وحلب التمدد للسيطرة على كامل الشريط الحدودي حتى العراق بداعي حماية أمنها القومي من الخطر الكردي، وهي تسعى لتقديم إغراءات للولايات المتحدة بيد أنها حتى اليوم لم تحرز أي تقدم، بل العكس تماما حيث تتجه العلاقات التركية الأميركية نحو المزيد من التوتر، بسبب الرفض الأميركي لصفقة أس 400.

وهذا الإصرار التركي على السيطرة على الشمال السوري يتعارض مع الموقف الروسي الذي يتمسك باستعادة الحكومة السورية لكافة أراضيها، وهناك اليوم حالة من الإحباط الروسي إزاء التمشي التركي وسط قناعة بأن الأخيرة لن تعدل عن طموحاتها ما لم تكن هناك ضغوط أكبر تمارس عليها، وقد يكون الخيار الأمثل هنا التوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة.

وفي ما يتعلق بالجانب الإيراني فإن روسيا رغم أنها في الخندق ذاته مع إيران الداعمة للرئيس بشار الأسد، بيد أن هذا التحالف بات عبئا ثقيلا في ظل وجود فيتو دولي على الوجود الإيراني في سوريا، فضلا عن أن هذا الوجود قد يشكل تهديدا للنفوذ الروسي مستقبلا، والنموذج العراقي يبرر هكذا هواجس.

وكانت روسيا خلال السنوات الماضية سمحت لإسرائيل بضرب عشرات المواقع التابعة للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية له كحزب الله اللبناني في سوريا.

وهناك قناعة روسية بأنه لا مجال لتحقيق تسوية في سوريا دون خروج القوات الإيرانية والتركية ومعالجة معضلة الجهاديين في إدلب وغيرها، فضلا عن مشكلة الأكراد ضمن نطاق أوسع، وعلى هذا الأساس تسعى جاهدة للتوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة مع إشراك دول المنطقة بما فيها إسرائيل، فغير ذلك يعني استمرار الأزمة وتحولها إلى ورطة تهدد مكتسباتها.

 

كاتبة تونسية