تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تعمل إيران على تعزيز نفوذها في سوريا

مسجد في دير الزور
AvaToday caption
"الحملة الإيرانية استهدفت في الغالب المناطق التي تقع على طول الحدود السورية العراقية، حيث سعت طهران إلى إنشاء خطوط إمداد عسكرية، وجسر بري بين إيران ولبنان"
posted onMarch 28, 2019
noتعليق

في معقل تنظيم الدولة السابق شرق سوريا، تحشد جمهورية إيران الإسلامية قواها العسكرية والاقتصادية لتحظى بموطئ قدم دائم في المنطقة.

 وفي أعقاب التدخل العسكري الإيراني الذي ساعد الرئيس السوري بشار الأسد على الاقتراب من تحقيق الانتصار في الحرب التي تدور رحاها منذ حوالي ثماني سنوات، تتحرك طهران لتعزيز نفوذها طويل الأمد في سوريا من خلال التعبير عن نواياها الحسنة والظفر بالأشخاص الذين غيروا انتماءاتهم واتجهوا نحو اعتناق المذهب الشيعي.

بالنسبة للسوريين الذي دمرت الحرب حياتهم، تعمد إيران إلى منحهم الطعام والنقود وبطاقات الهوية الإيرانية والخدمات العامة، فضلا عن منح أطفالهم تعليما مجانيا.

 

مقاتل كوردي في الرقة

 

وقد صرح عضو مجلس الرقة المدني، منير الخلف، أن "الهدف من ذلك هو إعادة إنشاء الإمبراطورية الفارسية".

والجدير بالذكر أن الرقة كانت عاصمة تنظيم الدولة في السابق.

تقوض حملة إيران لاستمالة قلوب وعقول السوريين الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية لدحر نفوذ طهران وطردها من سوريا.

وتأتي هذه الحملة في الوقت الذي يخطط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتقليص التواجد العسكري للولايات المتحدة في البلاد، الذي يبلغ قوامه حوالي ألفي جندي، وذلك عقب شن معارك على الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة.

من جهتهم، أعرب المسؤولون الأمريكيون أنهم لن يتخلوا عن مساعيهم للتحقق من النشاط الإيراني في سوريا، كما تخطط الولايات المتحدة لتركيز جهودها في جمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة للتصدي لاستراتيجية طهران المتمثلة في إنشاء ممر بري من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان لتحويل الأسلحة إلى الحلفاء الإقليميين.

في الواقع، تستهدف حملة النفوذ الإيراني غالبية سكان سوريا من المسلمين السُّنة، ويشمل ذلك المواطنين الذين يقطنون في المناطق التي اتخذها تنظيم الدولة معاقل له في السابق، والتي تمتد من محافظة دير الزور الشرقية إلى الحدود الغربية للبلاد مع لبنان. وتبدو الممارسات الرامية لاستمالة المواطنين السنّيين واضحة للعيان في المدن الكبرى مثل البوكمال، والتي تقع بالقرب من الحدود العراقية، والتي تشهد سيطرة الحرس الثوري الإيراني على مركز شرطتها. ووفقا لتصريحات شاب يبلغ 24 سنة من قرية الجلاء السورية المجاورة، يوزع الإيرانيون المواد الغذائية والأدوات المنزلية على المحتاجين في المدينة.

إلى جانب هذه الأعمال الخيرية، أفاد الشاب السوري بأن الإيرانيين يعرضون على المواطنين السنة الانضمام إلى صفوف الجماعات الإيرانية المسلحة والتحول إلى الطائفة الشيعية. ومقابل التجنيد، وُعِد الرجال بالحصول على بطاقات هوية تفيد بانتمائهم إلى فيلق الحرس ليتسنى لهم عبور نقاط التفتيش دون مشاحنات، فضلا عن الحصول على مبلغ 200 دولار شهريا. نتيجة لذلك، قال الشاب السوري: "ستجد فردا أو اثنين من كل عائلة قد أصبح شيعيا، ويقولون إنهم يتحولون إلى الطائفة الشيعية بغرض العثور على الوظائف أو انطلاقا من رغبتهم في التجوال دون التعرض للإزعاج".

وفقا لوفقًا للسكان المحليين ومسؤول أمريكي وشخص مطلع على عمليات الاستخبارات الأمريكية في المنطقة، تعمد إيران إلى منح رجال القبائل العربية في المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة سابقًا مساعدات نقدية، وتقدم لهم خدمات رعاية صحية وتعليما مجانيا لتحفيزهم على التحول إلى شيعة.

وتجدر الإشارة إلى أن الجماعات الإيرانية المسلحة استولت على المساجد في المدن والقرى في جميع أنحاء شرق البلاد وفي أجزاء من وسط سوريا، وباشرت الدعوة الشيعية إلى الصلاة من المآذن. وعمل الإيرانيون على إقامة مزارات شيعية في أماكن ذات أهمية تاريخية دينية، كما اشتروا العقارات بموجب قانون الملكية المتنازع عليها وافتتحوا مدارس باللغة الفارسية.

حيال هذا الشأن، صرح أحد عمال الإغاثة في مدينة القامشلي الواقعة شمال شرق سوريا، بأنه: "إذا كنتَ طالبًا، سيقدمون لك منحة دراسية. وإذا كنتَ فقيرًا، سيقدمون لك المساعدة. مهما كانت حاجتك، سيعملون على سدّها حتى تصبح شيعيًّا بدورك". وذكر عامل الإغاثة أن صديقه تلقى فرصة لاستكمال دراسته في إيران.

 

أنقاذ مدينة المدمرة الرقة

 

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة السورية لم ترد على طلبات التعليق التي أرسلتها صحيفة "وول ستريت جورنال". وبالنسبة لبشار الأسد، الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تعتبر أحد فروع الإسلام الشيعي، فإن حملة إيران لإعادة التوطين والتحويل الطائفي لا تتمحور بالأساس حول رغبته في قلب الموازين الطائفية، لكنه يسعى من خلالها إلى تسوية ديونه لأحد مؤيديه العسكريين الرئيسيين في الصراع المحتدم في بلاده. ومن جهته، قال الشخص المطلع على العمليات الاستخباراتية الأمريكية في المنطقة إنه "بالنسبة للأسد، تعتبر هذه طريقة لسداد دين الإيرانيين والتأكد من أنهم لن يتخلوا عن دعمه".

في هذا السياق، أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، بأن الجهود الإنسانية لبلاده ليس لها دوافع خفية، مشيرا إلى أنه "لا أحد يسعى لتنفيذ دعاية دينية وخلق صراعات دينية. وتتماشى جهود إيران تمامًا مع خلق مناخ سلمي ضروري لتحقيق الهدوء والسلم ومساعدة هؤلاء الأشخاص على تلبية احتياجاتهم الأساسية".

لكن مواطني محافظة دير الزور يشبّهون استراتيجية إيران المتمثلة في استمالة الشباب بأساليب التلقين التي كانت تستخدمها الدولة الإسلامية في السابق. وصرح والد لطفلين في سن الدراسة بأنه "مثلما قدم تنظيم الدولة دروسًا دينية للأطفال بعد الصلاة، يقوم الشيعة الإيرانيون بالأمر ذاته"، مضيفا أن قريته باتت خاضعة لسيطرة الميليشيات الإيرانية.

وفي سياق متصل، أضاف والد الطفلين أن العديد من أفراد أسرته توجهوا نحو الطائفة الشيعية وتحولوا إليها بعد أن كانوا من السنة، وذلك إما للحصول على الوظائف أو التماسا للحماية. ويعيش هذا الرجل في قرية محيميدة، على بعد بضعة أميال من قريته التي تنتمي إلى محافظة دير الزور، وهو يعمل جاهدا على تجنب العودة إلى قريته، مضيفا أنه "في حال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، سيتعين عليّ العودة إلى قريتي. إلى أين سأذهب؟ من المرجح أنني سأصبح شيعيًا".

إن مساعي طهران من أجل دعم الأشخاص الذين اعتنقوا الطائفة الشيعية والموالين لها تواجه بعض المقاومة من السكان الذين اعترضوا على تغيير المساجد من السنة إلى الشيعة. وفي بعض الحالات، عادت الدعوة إلى الصلاة مرة أخرى إلى الطريقة السنية. وتجدر الإشارة إلى أن أتباع الطائفتين يتبنون بعض المعتقدات الدينية المختلفة ويؤدون الصلوات والطقوس بطريقة مختلفة إلى حد ما.

لذلك، يمكن القول إن حملة فرض النفوذ الإيرانية تتخطى تركيز خطة دفع المال مقابل الصلاة. فبينما يكافح نظام الأسد لتوفير الخدمات الأساسية في المناطق التي استعاد السيطرة عليها، قام الإيرانيون والمليشيات والجمعيات الخيرية التابعة لهم بسد هذا النقص. وحيال هذا الشأن، أفاد محلل أمني يعمل مستشارا للحكومة الأمريكية حول شرق سوريا بأن منظمة حسين، التي تعد مؤسسة خيرية إيرانية، "قد جلبت مولدات ومضخات مياه، فضلا عن أنها وزعت الأغذية واللوازم المدرسية في المدن والقرى في دير الزور".

 في شأن ذي صلة، أشارت الباحثة بمعهد واشنطن، حنين غدار، إلى أن "الحملة الإيرانية استهدفت في الغالب المناطق التي تقع على طول الحدود السورية العراقية، حيث سعت طهران إلى إنشاء خطوط إمداد عسكرية، وجسر بري بين إيران ولبنان".

تابعت حنين غدار قائلة إن "هذه هي الطريقة الوحيدة التي سمحت لإيران بالحفاظ على نفوذها في حال وقع إجبارها على الانسحاب عسكريًا". ووفقا للسكان ومسؤول أمريكي وشخص مشارك في عمليات الاستخبارات الأمريكية في المنطقة، شجعت إيران المقاتلين الأجانب المؤيدين لها على إعادة الاستيطان في المناطق التي هجرها السكان السنة خلال فترة النزاع.

في الحقيقة، لا تعد هذه المرة الأولى التي تسعى فيها إيران لتغيير التركيبة الطائفية في سوريا، على حد تعبير السكان.

وقد أفاد أحمد الخابور، صاحب أقدم مكتبة في الرقة، بأن أحد المساجد الشيعية التي تمولها إيران في الرقة كان يقدم دروسًا دينية ويمتلك مكتبة توزع الكتب الدينية مجانًا، لكن مقاتلي تنظيم الدولة فجّروا المسجد فيما بعد. لكن لا تزال أجزاء منه قائمة جزئيا على غرار البلاط الأزرق والفيروزي.

من المرجح أن تحقق جهود إيران الحالية في تحويل السكان إلى المذهب الشيعي وزرع الولاء مزيدًا من النجاح في الوقت الحالي مقارنة بالعقود السابقة، حيث يتوق بعض السوريون الذين يعيشون حالة من الفوضى إلى التحالف مع كيان له نفوذ. وحيال هذا الشأن، أفاد والد الطفلين بأنهم "من قبل كانوا يستخدمون المال، أما في الوقت الراهن أضحوا يستخدمون القوة وسياسة التخويف مؤكدًا أن الخوف هو الدافع الأقوى".