فيما يعاني ملايين الإيرانيين من وطأة الفقر المدقع، يحتفل النظام الإيراني ومناصروه في 11 فبراير/ شباط (22 بهمن تبعا للرزنامة الفارسية) بالذكرى الـ40 للثورة الخمينية التي قادها الخميني بعد وصوله من منفاه (14 عاما) في فرنسا، ونجح من خلالها في الإطاحة بآخر ملوك الأسرة البهلوية عام 1979، وسط وعود براقة لم تتجاوز الألسنة طوال 4 عقود.
لم يمض سوى شهرين قبل أن يحكم الخميني وتياره المتشدد قبضتهم على كل مقاليد الحكم فضلا عن قمع المعارضين، حيث أعلن في مطلع أبريل/نيسان من العام ذاته تأسيس نظام جديد تحت اسم "الجمهورية الإسلامية"، بمرجعية (ولاية الفقيه) وعلى رأس هذا النظام يقبع المرشد الأعلى الذي باتت لديه منذ تلك اللحظة صلاحيات واسعة للغاية، في الوقت الذي دخلت طهران عزلة دولية إلى جانب انحدار ملايين الإيرانيين أسفل خط الفقر المدقع.
في هذا الصدد، يقول الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإيرانية مسعود الزاهد إن الثورة الخمينية حينما انطلقت قبل 40 عاما رفعت شعارات أولها الحرية ثم الاستقلال إضافة إلى العدالة الاجتماعية، مؤكدا أن الإيرانيين لا يزالون يرفعون المطالب ذاتها حاليا في مظاهراتهم واحتجاجاتهم التي تخرج بين الحين والآخر.
وأوضح الزاهد في تصريحات صحفية أن القوميات والشعوب غير الفارسية سعت قبل عام 1979 للتخلص من النظام البهلوي بسبب منع الحريات المنصوص عليها في دستور الثورة المشروطة الدستورية التي اندلعت في إيران عام 1909، لافتا إلى أن دائرة الحريات باتت أشد ضيقا في ظل نظام ولاية الفقيه الذي يحظر الأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية.
السلطات الإيرانية أصبحت تتدخل دون محاسبة حتى في الحياة الخاصة لأفراد الشعب داخل بيوتهم، بينما كان يطمح الإيرانيون قبل مجيء الخميني لإيران في مسائلة الشاه برلمانيا، وكذلك وجود أحزاب سياسية عدا حزب وحيد موال للنظام، إلى جانب التخلص من الفوارق الطبقية حيث كانت تسيطر ألف عائلة على ثروات البلاد، يقول الزاهد.
وأكد الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإيرانية أن إيران تعاني عزلة دولية بالفعل حيث بات من الصعب على المسافر الإيراني الحصول على تأشيرة لزيارة بلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مردفا أن الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني (1989 - 1997) سبق له أن أعرب عن فخره بدخول دول أوروبية حاملا جواز السفر الإيراني خلال الحقبة البهلوية.
وشدد الزاهد على أن كثيرا من علاقات إيران بدول العالم وخاصة بدول الجوار متأزمة بشكل غير مسبوق، وذلك في ظل اتباعها سياسة تصدير الثورة الخمينية التي فشلت في تحقيق آمال الشعوب في إيران، فكيف يمكنها أن تأتي بالخير للشعوب الأخرى، وفق قوله.
وأشار مسعود الزاهد في تصريحاته إلى أن المؤسسة الدينية التي كان على رأسها الخميني ورجاله صادرت تحت رداء الدين الثورة الشعبية التي اندلعت ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي قبل 4 عقود، مضيفا أن أوضاع إيران الراهنة هي الأسوأ تاريخيا على كافة الأصعدة.
وتحولت مليشيات الحرس الثوري الإيراني إلى أداة بيد مرشد نظام طهران علي خامنئي، حيث تمثل هذه المليشيات فعليا القبضة الحديدية للدولة العميقة في إيران، في الوقت الذي يتوجب على رئيس البلاد تنفيذ القرارات الصادرة عنها فقط دون إرادة من الشعب الإيراني، وفقا للزاهد.
ويمتلك الحرس الثوري ما يزيد عن 5000 شركة تنشط في كل المجالات الاقتصادية والصناعية، إلى جانب عمليات التصدير والاستيراد، دون أن تخضع جميعها للشفافية أو حتى المراقبة ماليا من قبل السلطتين التنفيذية أو القضائية؛ فيما تذهب تلك العوائد الضخمة إلى تعزيز التدخلات العسكرية والنفوذ الإيراني من خلال المليشيات خارج الحدود.
واختتم مسعود الزاهد كلامه قائلا إن النظام الذي دشنه الخميني منع الحريات وزاد من رقعة الفقر؛ فيما تحولت السلطة إلى احتكارية وفردية وفقا لمبدأ ولاية الفقيه، وسط صراع شكلي بين التيارات السياسية الأصولية، والمعتدلة يجرى هندسته من قبل خامنئي، على حد قوله.
واستطرد أن إيران بلد يمتلك ثروات كبيرة وطاقة بشرية طموحة مكونة من عدة قوميات مثل الأكراد والعرب والبلوش والتوركمان والجيلك وغيرهم، حيث يبحثون جميعا عن نيل الحقوق والحريات العامة وسط تعطيل متعمد للمادة 15 من الدستور الإيراني، الذي يكفل لهم التعبير عن أنفسهم بلغتهم القومية في المدارس ووسائل الإعلام.
وفي السياق ذاته، تحدث مدير مركز الأحواز للإعلام والدراسات الاستراتيجية حسن راضي قائلا إن إيران تراجعت كثيرا للوراء سواء سياسيا، أو اقتصاديا أو إقليميا ودوليا بعد 40 عاما من الثورة الخمينية، التي رفعت وعودا كبيرة أبرزها مجانية الكهرباء والسكن والخدمات الأساسية.
وأضاف راضي في تصريحات أعلامية أن الخميني قمع الجميع بعد سيطرته على حكم البلاد، قبل أن يشن حرب السنوات الثماني مع العراق (1980 – 1988) والتي انتهت بتدمير مئات القرى والمدن وتهجير سكانها فضلا عن تبديد موارد وثروات الشعب الإيراني.
وأكد راضي أن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي متدهوران للغاية داخل إيران، حيث تكشف أرقام رسمية عن أن أكثر من 13 مليون عائلة إيرانية تعيش حاليا تحت خط الفقر المدقع، بينما بات قرابة 70% من العمال الإيرانيين يعانون الأمر ذاته، في الوقت الذي تتركز ثروات البلاد بيد 5% فقط من مسؤولي نظام ولاية الفقيه، وسط اتساع للفوارق الطبقية بشكل غير مسبوق.
وأشار الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية إلى أن المرشد علي خامنئي يعد الشخص الأكثر ثراءا داخل البلاد بثروة تتجاوز 100 مليار دولار تشمل شركات ومؤسسات اقتصادية كبرى يديرها الحرس الثوري، بينما تتبع طهران سياسة ممنهجة لقمع الإيرانيين في الداخل ولا سيما الشعوب غير الفارسية.
ولفت راضي إلى أن العلاقات الإيرانية تمر بمرحلة عزلة دولية كبيرة منذ سنوات سواء مع الولايات المتحدة وكذلك دول أوروبية وإقليمية نتيجة انتهاكات حقوق الإنسان، فضلا عن دعم الإرهاب والسياسات الاستفزازية المهددة للأمن والاستقرار الدوليين، مرجحا فرض عقوبات جديدة على النظام الإيراني وتوتر علاقاته مع دول أخرى بسبب السياسات العدائية.
وأوضح حسن راضي أن الثورة الخمينية قبل 40 عاما جعلت من إيران بلد متخلف لم تنجح سوى في التخريب والتدمير وإعدام آلاف من شعبها، في الوقت الذي يباهي نظام طهران بأسلحة ومعدات عسكرية مزيفة في إطار سياساته الخادعة والكاذبة طوال عقود.
ويؤكد راضي في ختام تصريحاته أن الإيرانيين يعبرون اليوم من خلال الاحتجاجات عن تذمرهم من هذا النظام القابع على حكم البلاد منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي بدأت وتيرة الانقسامات تتسع حتى داخل بنية نظام طهران الذي أوشك على الانهيار نهائيا.