في وقت سابق من العام الحالي، أجرى إيلون ماسك أحد التعديلات التي يكاد لا يلاحظها أحد على منصته "إكس"، أو "تويتر" سابقاً. منذ قرابة 15 عاماً، كان موقع التواصل الاجتماعي يدرج رسالة في خاصيته "أداة كتابة التغريدات" tweet composer تطرح السؤال التالي: "ماذا يحدث؟" ?What's happening إذ ترد الكلمتان What is مدموجتين مع بعضهما بعضاً بشكل مختصر What's، ولكن هذا الصيف، لم يعد السؤال مستعملاً في شكله المختصر وأضيفت إليه علامة تعجب (!) ليصبح ?!What is happening "ماذا يحدث؟!".
في الحقيقة، يبدو الأسلوب ذو الطابع العنيف والمدهوش مثالياً لعصرنا هذا وللشكل الذي آلت إليه منصة "تويتر"/"إكس" اليوم. كذلك التلميح إلى أن السؤال قد انتقل من كونه تساؤلاً حقيقياً إلى كونه استفهاماً مجازياً [بمعنى أن الغرض من طرح السؤال إحداث تأثير مقنع وأنه ليس عبارة عن طلب حقيقي للحصول على معلومات إذ يشير المتحدث ضمناً إلى أن الإجابة واضحة جداً إلى حد أنها لا تتطلب الرد]. المضحك في شأن "تويتر"/"إكس"، أن المستخدمين قدموا ذات مرة إجابة عن هذا السؤال متحدثين عن وجبتهم الصباحية من الطعام، ولكن اليوم، إذا ما حظي هذا السؤال بإجابة أصلاً، فمن المرجح أن ترتدي طابع الحيرة أو الاستنكار أو الغضب.
"ماذا يحدث؟!" حسناً، أمر واحد بالتأكيد، وهو أن "تويتر"/"إكس" ليس قطعاً مكاناً جيداً لمعرفة ماذا يحدث. وإنه لا ينفك يصير أكثر سوءاً.
الأسبوع الجاري، وحين كان العنف يجتاح إسرائيل وغزة، كان من المفترض أن يعود "تويتر"/"إكس" ببعض النفع في تجميع مجريات الأحداث وربطها وسردها. في ما مضى، ازدهرت المنصة في مثل هذه اللحظات، إذ قدمت مزيجاً من التقارير الميدانية، وتغطية إعلامية مهنية ذات مصادر موثوقة، وتحليلات واعية ودقيقة لعدد من الخبراء مبنية على معلومات فعلية.
ولكن على مر السنين، حتى قبل أن يستحوذ ماسك على المنصة، ضاع ذلك كله. اختلطت تلك التقارير بتقارير مضللة، وحل الرأي مكان التحليل.
وقد أصبحت المشكلة متفشية إلى حد أن ماسك يواجه اليوم انتقادات من "الاتحاد الأوروبي". وقد كتب المفوض الأوروبي [للشؤون الرقمية] تييري بريتون أن دلائل تشير إلى أن "تويتر"/ "إكس" يعرض "صوراً وحقائق مزيفة تعرضت للتلاعب... مثل الصور القديمة المعاد توظيفها لصراعات مسلحة غير ذات صلة، أو لقطات عسكرية مصدرها الأساس ألعاب الفيديو".
وأشار بريتون إلى أن القواعد الخاصة بالمحتوى الذي يعرضه "تويتر"/ "إكس" ليست واضحة، وأن المنصة لم تحذف المحتوى الإشكالي حتى عندما أبلغت عنه السلطات المتخصصة، وأنها لم تتخذ تدابير كافية لردع انتشار المعلومات المضللة. يذكر أنه بموجب "قانون الخدمات الرقمية" الجديد، من صلاحيات الاتحاد الأوروبي إغلاق "تويتر"/ "إكس" في مختلف أنحاء قارة أوروبا إذا لم يكن راضياً عن رد ماسك.
وفي رده على "تويتر"/ "إكس"، قال ماسك: "تقتضي سياستنا الصراحة والشفافية في الأمور كافة، وهو نهج أعلم أن الاتحاد الأوروبي يدعمه. أرجو منك كتابة المخالفات التي تلمح إليها في إكس، كي تصير متوفرة أمام الجمهور للاطلاع عليها".
وفي أحسن الحالات، كانت السرعة والصراحة اللتان يتسم بهما "تويتر"/ "إكس" مفيدتين جداً، وشكلت المنصة نافذة أخرى على المجريات إلى جانب الصحف ومحطات البث التقليدية. في الحقيقة، تبدو المنصات الأخرى، من قبيل منافذ أنشأتها شركة "ميتا"، غير مجدية لنقل الأخبار العاجلة. ولما كانت الجهات المنافسة لـ"تويتر"/ "إكس" ما زالت صغيرة الشأن ومتزعزعة تراها لا تعود بأي منفعة كبيرة في هذا المجال.
ولكن "تويتر"/ "إكس" لم يعد قادراً على أداء الوظيفة التي يحتاج إليها الناس. وقد كشفت محاولته متابعة آخر التطورات في شأن إسرائيل وغزة الدرك الأسفل الذي بلغه. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا حدث هذا؟
في الواقع، يأتي بعض هذا التدهور نتيجة مباشرة للتغييرات التي أدخلها ماسك خلال العام الحالي أو نحو ذلك إلى الموقع منذ توليه زمام الأمور، ومرد ذلك جزئياً إلى عداءات وتنافسات [بينه وبين الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرغ مثلاً] طرحت عواقب وخيمة غير مقصودة.
وكان اتخذ كثير من إجراءاته منحى معادياً بشدة للتقارير الموثوقة: انزعج من وسائل الإعلام لأسباب عدة، فاتخذ خطوات لتسطيح أي امتياز تتمتع به على الموقع. هكذا، فإن أي منشور كاذب يعرضه شخص لا علاقة له بهذا المجال ولا تطاله عواقب الأمور بأي أثر، سيلقى على الأرجح التضخيم كما لو أنه مثلاً منشور حقيقي جاء به شخص من مكان الحدث الفعلي.
وكانت كراهية ماسك القيود المفروضة على حرية التعبير سبباً في تقويض الإشراف على المحتوى بصورة عامة، مما حد من كفاءة الأنظمة التي من المفترض بها حذف المحتوى الزائف والمزعج. وفي وقت سابق من العام الحالي، مثلاً، انتقدت دراسة نهض بها الاتحاد الأوروبي "تفكيك معايير السلامة على تويتر"، ووجدت أن هذا التوجه قاد إلى تضخيم المعلومات المضللة الروسية ("تويتر"/ "إكس" تحت سلطة ماسك، أثبت أنه لا يعير العمل مع الباحثين في هذا النوع من الدراسات اهتماماً، مما يجعل من الصعب العثور على أرقام جيدة حول انتشار المعلومات الكاذبة).
ذلك مفاده وجود احتمالات كثيرة مثيرة للقلق بأنك ستدخل إلى منصة "تويتر"/ "إكس" على أمل أن تطلع على مستجدات في شأن الصراع، ولكنك ستكتشف أنك تشاهد بدلاً من ذلك، ومن دون قصد، جريمة حرب لا تمت إلى الأحداث الجارية بأي صلة ربما.
هكذا، يجد المستخدمون أنفسهم أمام وابل من المعلومات، لا يميز إلا النزر اليسير منها بين الحقيقي وغير الحقيقي. لقد حذف "تويتر"/ "إكس" جميع المواد التي تدعم تلك المستندات، من السياق الذي يتحرى الوقائع إلى التحذيرات من احتمال مواجهتك محتوى مؤلماً.
وتبدو إحدى المشكلات الأخرى التي تسبب بها "تويتر"/ "إكس" نفسه أقل وضوحاً بعض الشيء. أن تصب المنصة تركيزها على صفحة "فور يو" for you ("من أجلك") ليس بالخيار السيئ في حد ذاته: نظرياً، يعني ذلك حصولك على التغريدات الأكثر صلة، بغض النظر عما إذا كنت تتابع المستخدم وراءها أم لا، ولكن في جوهرها، علامة التبويب "من أجلك" مرآة، وإن كانت متهشمة قليلاً، تعكس ما تعتقد أن المستخدمين يعيرونه اهتماماً.
تكمن المشكلة في أن المستخدمين لا يعجبهم غالباً ما يرونه على المنصة. تعرض الأخيرة منشورات أصحاب الرأي الأكثر تفاعلاً ونشاطاً على مستخدمين آخرين لديهم آراء صاخبة مماثلة، ثم يشعرون بأنهم مضطرون إلى الرد عليهم، مما يؤجج دوامة مفرغة من التعليقات الأكثر حدة وانعزالية.
بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص، جلي أن هذه المسألة تبدو عاجلة ومهمة، ولكن بالنسبة إلى أي شخص آخر، ربما تبدو التغريدات غريبة: أشخاص يعلنون أن "تسلسل المنشورات (أو الخلاصة الزمنية) الخاص بهم برمته" قد تبنى موقفاً محدداً، وأنهم أنفسهم سيتخذون وجهة نظر معارضة ولكنها أيضاً غير مهمة.
لعلنا هنا إزاء مشكلة تؤثر بشدة في المستخدمين الذين يمضون قدراً كبيراً من الوقت في الجدل عبر الإنترنت: ينطبق ذلك على عدد كبير من المشاهير في العالم، ولكنه يحوز اهتماماً بسيطاً إلى حد كبير.
ولكن هؤلاء الأشخاص يستخدمون شبكة الإنترنت نفسها والمنصات الاجتماعية التي يستخدمها أي شخص آخر، وأحياناً يتسع نطاق هذه المشكلة. في الأيام الأخيرة، حتى إذا كنت لا تمانع أن تتصفح معلومات مضللة وتخوض في مسائل شائكة أخرى تواجهك على المنصة كي تحصل على الأخبار، كان من الصعب العثور على منشورات عن الأحداث الجارية فعلاً. بدلاً من ذلك، ستجد نفسك تطلع مكرهاً على منشورات تتجادل في منشورات أخرى فقدت منذ فترة طويلة أي علاقة بالمجريات الراهنة.
ولكن لا شيء مما ذكرناه آنفاً يعني أن صفحة "تويتر"/ "إكس" قد انطوت، أو أنه في مرحلة الاحتضار. لقد استمرت المنصة حتى الآن بفضل فضائح وإخفاقات مماثلة. ليس في متناولنا طريقة حقيقية لمعرفة ما إذا كانت أعداد المستخدمين قد تراجعت، نظراً إلى أن "تويتر"/ "إكس" يحتفظ الآن بسرية هذه الأرقام. وحتى لو أن الموقع فاض بمستخدمين يقولون إنه أصبح غير صالح للاستخدام، يوحي شيء ما بأنهم متمسكون به لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم اللجوء إليه.
تتلخص المشكلة في أن المستخدمين الذين يغادرون المنصة فعلاً يغادرونها بصمت دونما أي ضجيج. تراهم يبتعدون بهدوء من دون أن يلاحظهم أحد. وفي أحيان كثيرة كان هؤلاء المستخدمون، الذين يحرصون على نشر المعلومات وليس الجدالات، ولا يركزون على الجدل المتصاعد الذي لا نهاية له في أوجه الخلاف، هم الجهة التي منحت "تويتر"/ "إكس" قدراً كبيراً من قيمته. وليس السؤال المطروح هنا ما إذا كان "تويتر"/ "إكس" موجوداً أو سيظل موجوداً، بل ما نوع "تويتر"/ "إكس" الذي سيستمر؟ وهو في الحقيقة لا يبدو مشجعاً.