تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

صداع إيراني لن تنفع معه المهدئات

ابراهيم رئيسي
AvaToday caption
لا يمكن إنكاره أن إيران قد بدأت في تحسين صورتها الخارجية بالرغم من أن ابراهيم رئيسي وهو رأس النظام يعد من الصقور الذين ينتمون إلى أكثر مراحل النظام قسوة
posted onJune 21, 2023
noتعليق

فاروق يوسف

ربما مهدت الهدنة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران الطريق إلى توقيع اتفاق نووي ثنائي يكون نواة لاتفاق نووي شامل، لن تمانع أوروبا في أن تكون جزءا منه. فالولايات المتحدة التي لم تبد انزعاجها من قيام الصين بلعب دور ايجابي في حل مشكلات المنطقة التي زادها التدخل الأميركي تعقيدا قد تجد في تخفيف التوتر بينها وبين الميليشيات الإيرانية في العراق مناسبة لفتح الأبواب الموصدة في وجه إيران التي سيكون ذلك لها مريحا ما دام قد حدث من غير تنازلات أو شروط مسبقة.

لم يلعب الأميركان أي دور ايجابي لمصلحة حلفائهم العرب. لم يقفوا معهم بقوة حين كانت إيران لا تُخفي نواياها العدوانية ضدهم. كان الموقف الأميركي دائما مائعا وضبابيا حين يتعلق الأمر بالسياسات الإيرانية في المنطقة. وإذا ما استطاعت إيران فعلا من حل مشكلاتها مع المملكة العربية السعودية فإنها ستتمكن من وضع الإدارة الأميركية في موقع حرج وتدفعها مضطرة إلى إجراء نوع من التعديلات على نظام العقوبات التي تفرضها عليها. ولكن ذلك الانفراج لن يحل مشكلات إيران التي هي جزء عضوي من بنية نظامها القائمة أصلا على أزمة، مصدرها انفصال ذلك النظام الشمولي عن الشعب الذي يدير شؤونه.

إيران دولة دينية. ربما هي الدولة الدينية الوحيدة في عالمنا المعاصر. في غير مناسبة كشفت تلك الدولة عن عجزها عن اللحاق بمطالب المجتمع المدنية، بل وعن رفضها تلبية تلك المطالب حتى ولو جزء منها. ظهر ذلك جليا في أزمة غطاء الرأس النسائي التي تسببت في اندلاع احتجاجات، مارس النظام أقصى درجات العنف في قمعها. سيحتال النظام كعادته على مناصريه حين يقنعهم أنه عن طريق القمع استطاع أن يثبت شريعة الدولة الدينية. ذلك لأن كل انتفاضات الإيرانيين السابقة لا تزال تملك أسباب تجددها في أوقات لاحقة. فالمصالحة ليست من مفردات النظام فهي تتطلب تقديم تنازلات ليست الدولة الدينية مستعدة لتقديمها.

إيران هي دولة الولي الفقيه الذي رفع شعار "الموت لأميركا وإسرائيل". كان من الممكن أن يكون ذلك الشعار الجذاب جاذبا للإيرانيين لو أنهم شعروا أن تلك الدولة هي دولتهم التي تحترم إرادتهم في بناء مجتمع مدني حر لا تنحرف تجربته المستقلة في اتجاه الحروب وما "مبدأ تصدير الثورة" إلا الطريق التي ستنزلق بهم إلى أن يكونوا ضحايا لحروب لا تنتهي ضد العالم. ومنذ أكثر من أربعين سنة وإيران تعيش حربا، كانت حرب الثمان سنوات مع العراق الجزء المعلن منها أما الأجزاء الأخرى فقد دفعت الشعوب الإيرانية ضرائبها الباهظة. دولة الولي الفقيه هي دولة الميليشيات العابرة للحدود. ما كان الفرد الإيراني يخسره من مائدته اليومية كان يذهب لتمويل مقاتلي عصابات مسلحة في العراق واليمن وسوريا ولبنان. ما الذي استفاده الإيرانيون من كل تلك الحروب المقنعة؟ إذا قيل له أن الحاج قاسم سليماني صار شخصا مرهوب الجانب في تلك الدول فهل سيكون ذلك سببا لسروره؟

مما لا يمكن إنكاره أن إيران قد بدأت في تحسين صورتها الخارجية بالرغم من أن ابراهيم رئيسي وهو رأس النظام يعد من الصقور الذين ينتمون إلى أكثر مراحل النظام قسوة. ولكنها صورة قد لا تبشر بخير على مستوى حياة الناس العاديين في إيران. ما يقع في كيس النظام لن ترى الشعوب الإيرانية أثرا له في حياتها. فالانفصال بين دولة يمسك الولي الفقيه بخناقها وشعوب تطمح إلى أن تبني حياتها على أسس مدنية سيظل قائما بغض النظر عن الطريقة التي يدير فيها النظام ملفاته الخارجية.

ولكن صداعا تعاني منه المنطقة بسبب السياسات الإيرانية لا تنفع معه المهدئات. نحن نقف أمام دولة استعمارية وضعت يدها على ثلاث دول على الأقل. فهل نتوقع أن من اليسير عليها أن ترفع يدها ما لم تُجبر على ذلك بالقوة؟ تلك هي مشكلة إيران ومشكلة العالم معها. وما لم تُحل تلك المشكلة فإن علاقة طبيعية مع السعودية ستكون اختبارا صعبا، فيه الكثير من العقد التي يجب تفكيكها. أما إذا ارادت الولايات المتحدة أن تستهل علاقتها الجديدة بإيران بما يصب في مصلحة النظام الإيراني وليس في مصلحة دول المنطقة ولا في مصلحة شعوب إيران فإنها كمَن يُعد حطبا لحروب قادمة.