تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

وضوح إيراني... وغموض أميركي!

النووي الايراني
AvaToday caption
ليس معروفا ما الذي تريده اميركا من إيران باستثناء الإستعداد لصفقة تشمل مواطنين اميركيين محتجزين في سجون "الجمهوريّة الإسلاميّة"
posted onJune 18, 2023
noتعليق

خيرالله خيرالله

يصعب التكهنّ بما يمكن أن تفضي إليه المفاوضات غير المباشرة الأميركيّة – الإيرانيّة. الأمر الوحيد الأكيد أنّ هذه المفاوضات باتت حقيقة وأنّ إدارة جو بايدن تراهن على تجميد للبرنامج النووي الإيراني وإطلاق سجناء اميركيين في مقابل الإفراج عن أموال إيرانيّة محتجزة في انحاء مختلفة من العالم، بينها كوريا الجنوبيّة.

يبدو أوّل الغيث الإفراج عن نحو ملياري دولار عائدة إلى إيران كانت محتجزة في العراق ثمنا لكهرباء ورّدتها "الجمهوريّة الإسلاميّة" للبلد الجار الذي جعلته تحت وصايتها بفضل المغامرة التي قام بها جورج بوش الإبن في العام 2003.

تبدو هذه الخطوة العراقيّة تجاه طهران، وهي خطوة سمحت بها واشنطن، بمثابة دليل على حسن نيّة أميركيّة على هامش المفاوضات الدائرة بين واشنطن وطهران برعاية سلطنة عُمان.

واضح ما الذي تسعى إليه "الجمهوريّة الإسلاميّة". ما ليس واضحا، بل غامضا، ما تسعى إليه إدارة جو بايدن التي تدرك قبل غيرها، أو هكذا يُفترض، خطورة المشروع التوسّعي الإيراني وابعاده وانعكاساته على دول المنطقة، خصوصا العراق وسوريا ولبنان واليمن. يتأكّد يوميا أنّ جزءا من من اليمن تحوّل، في ظلّ تهاون أميركي، إلى قاعدة عسكريّة لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في شبه الجزيرة العربيّة.

يتمثّل الوضوح الإيراني في السعي إلى تكرار تجربة باراك أوباما مع جو بايدن، وهي تجربة توجت بتوقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بين مجموعة الخمسة زائدا واحدا و"الجمهوريّة الإسلاميّة". في الواقع، كان الاتفاق اميركيّا – إيرانيا. لم تكن مجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي أضيفت أليها المانيا، سوى تغطية لفعل أميركي صبّ في مصلحة ايران.

في المقابل يتمثّل الغموض في تصريحات تصدر عن مسؤولين أميركيين، بمن في ذلك مصادر في وزارة الخارجية قالت حديثا: "نريد من إيران اتخاذ خطوات لوقف أعمالها المزعزعة لاستقرار المنطقة. يشمل ذلك خطوات لتقليص برنامجها النووي". ليس معروفا ما الذي تريده اميركا من إيران باستثناء الإستعداد لصفقة تشمل مواطنين اميركيين محتجزين في سجون "الجمهوريّة الإسلاميّة". في النهاية، ليس هناك موقف أميركي واضح من ايران منذ عهد الرئيس جيمي كارتر الذي تصرّف بطريقة عجيبة غريبة لدى احتجاز الإيرانيين ديبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران طوال 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1979. أسّس سلوك إدارة كارتر لسياسة أميركيّة ما زالت مستمرّة إلى يومنا هذا. تقوم هذه السياسة على تقديم تنازلات إلى ايران بمجرّد احتجازها مواطنين اميركيين... حتّى لو كان ذلك في لبنان.

هناك كلام كثير عن الأهداف الأميركيّة من التفاوض مع ايران. لكنّه، لا يمرّ يوم إلّا ويزداد الغموض الأميركي فيما تريد ايران التوصل إلى صفقة تسمح لها باستعادة مليارات الدولارات وذلك في ضوء رفع جزئي للعقوبات الأميركيّة. كذلك، تسمح لها مثل هذه الصفقة بتخفيف الضغط الأميركي على الاقتصاد في المرحلة الإنتقالية التي تمرّ بها "الجمهوريّة الإسلاميّة" مع تقدم "المرشد" علي خامنئي في السن. لا يمكن تجاهل أن مثل هذا الاتفاق المحتمل سيقوض احتمال ضربة إسرائيلية تستهدف منشآت إيرانية. ليس سرّا أن إسرائيل لا يمكن أن تنفّذ مثل هذه الضربة من دون تنسيق مع اميركا.

يفسّر الغموض الأميركي لجوء دول عربيّة عدّة حليفة لأميركا إلى إقامة شبكة علاقات متنوّعة، تشمل الصين، خلافا لرغبات الولايات المتحدة.

يبقى الأهم من ذلك كلّه ما الذي تريده ايران من مفاوضات جديدة مع اميركا؟ الجواب أنّها تريد استعادة شهر العسل الذي استطاعت اقامته مع إدارة باراك أوباما حين كان جو بايدن نائبا لرئيس الجمهورية. استطاعت "الجمهوريّة الإسلاميّة" تصوير الاتفاق في شأن برنامجها النووي بأنّه انتصار حققه باراك أوباما الذي عانت ادارته من ضعف شديد على صعيد الدور الأميركي في العالم. اختزل أوباما كل مشاكل الشرق الأوسط والخليج بالبرنامج النووي الإيراني. اكثر من ذلك، سمح بوصول مليارات الدولارات إلى ايران كي تدعم ميليشياتها المنتشرة في كلّ انحاء المنطقة وتعيد الحياة إليها.

يوجد حاليا رهان إيراني على أنّ إدارة جو بايدن ستسير في إتجاه التوصل إلى اتفاق يصبّ في مصلحة "الجمهوريّة الإسلاميّة". مجرد قبول واشنطن التفاوض في شأن الرهائن الأميركيين لدى ايران يعزّز هذا التوجه الذي بدأ النظام السوري يراهن بدوره عليه وعلى انتصار "الجمهوريّة الإسلاميّة" ومشروعها الإقليمي.

اميركا لم تتغيّر، كذلك إيران. لا تزال الإدارة في واشنطن مستعدة لصفقة مع "الجمهوريّة الإسلاميّة" على الرغم من أنّها شريكة في الحرب الروسيّة على أوكرانيا وشعبها مثلما هي شريكة في الحرب على الشعب السوري، وهي حرب مستمرّة منذ العام 2011. إضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل الدور الإيراني في تحويل النظام العراقي تدريجيا إلى نسخة عن نظام الوليّ الفقيه في طهران. مع مرور الوقت، تزداد قوة "الحشد الشعبي" ونفوذه في العراق. صار البلد مهيّأ ليكون فيه "الحشد الشعبي" الذي يضمّ مجموعة من الميليشيات الموالية لإيران بمثابة "الحرس الثوري" الإيراني!

الأكيد أن ليس مطلوبا صداما اميركيا مع "الجمهوريّة الإسلاميّة"، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في سياق المفاوضات الأميركيّة – الإيرانيّة: ماذا تفعل ايران في العراق؟ وماذا تفعل في سوريا؟ وماذا تفعل في لبنان حيث قضت على مؤسسات الدولة اللبنانيّة الواحدة تلو الأخرى؟ وماذا تفعل في اليمن حيث لا وجود لأي حل سياسي في الأفق من جهة وحيث يتابع الحوثيون رفع سقف مطالبهم من جهة أخرى؟

هذه مجرد أسئلة يستوجب طرحها قبل الإفراج عن أموال ايرانيّة معروف تماما كيف ستستخدم. ما هو معروف اكثر أنّ السلوك الذي تمارسه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في داخل حدودها وخارجها لن يتغيّر. مرّة أخرى، هناك وضوح إيراني وغموض أميركي في منطقة تحتاج، أوّل ما تحتاج، إلى استفادة الولايات المتحدة من تجاربها السابقة مع ايران.