تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إيران وأسواق النفط

منشأة نفطية
AvaToday caption
التعامل مع بيانات إيران النفطية صعب للغاية، وبشكل عام فإن بيانات شركات المراقبة متناقضة، وما تنشره وسائل الإعلام قد يكون أقل مما تنتجه وتصدره إيران لأنها تعتمد على البيانات الإلكترونية
posted onJune 13, 2023
noتعليق

أنس بن فيصل الحجي

نشرت إحدى الصحف خبراً في الأسبوع الماضي يفيد بتوصل إدارة بايدن إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية بشأن برنامجها النووي، يقتضي تقليصه ويتضمن حصول إيران على الأموال المجمدة، على إثر ذلك انخفضت أسعار النفط بنسبة 4.5 في المئة. على إثر صدور الخبر أرسلنا رسالة إلى عملائنا في تجارة النفط والمستثمرين في أسواق الطاقة مفادها بأن الخبر مشكوك فيه لسببين، الأول هو المصدر، الجريدة التي نشرته، والثاني أن تفاصيله توحي أنه غير صحيح، بخاصة أن أموال إيران المجمدة التي تحاول الحصول عليها خارج الولايات المتحدة. وهناك أمور ثانوية منها أن وضع إيران حالياً أقوى بكثير مما كانت عليه منذ عامين، ومن ثم فإنها لن تقبل بالحدود الدنيا كما صرح عدد من المسؤولين الإيرانيين، وأن هناك فئة معينة تحاول استغلال الخبر لصالحها.

بعد ذلك بقليل أصدر البيت الأبيض تصريحاً ينفي صحة الخبر فاسترجعت الأسعار أغلب خسائرها، وحقق بعض عملائنا من التجار والمستثمرين ممن أيقنوا مبكراً أن الخبر غير صحيح أرباحاً كبيرة. ثم نفت الحكومة الإيرانية الخبر بعد أيام، وهذا النفي لم يلق اهتماماً من الإعلام الغربي.

هذه الحادثة أثارت المواضيع القديمة: لماذا تتأثر الأسواق بخبر عن إيران بهذا الشكل؟ ولم تتأثر كثيراً بخبر عن "أوبك" أو السعودية مثل إعلان السعودية خفضاً طوعياً بمقدار مليون برميل يومياً؟ وما دور إيران في أسواق النفط إذا تم فعلاً التوصل إلى اتفاق نووي ورفع الحظر عن إيران؟

إجابة السؤال الأول تتمثل بما يلي:

1- الأسواق تتأثر بالمجهول أكثر من المعلوم، هناك خبر كبير مثل الاتفاق الأميركي - الإيراني، ولكن كثيرين لا يعرفون شيئاً عن قدرات إيران النفطية سوى أنها بلد نفطي كبير وأنها ستنتج بكميات كبيرة إذا رفع الحظر.

2- توقع كثيرون قيام "أوبك+" بخفض الإنتاج في اجتماعها الأخير، ومن ثم فإنهم جهزوا تجارتهم واستثماراتهم على هذا الأساس، ولما لم يحصل جاء الخفض السعودي بديلاً عن ذلك، بعبارة أخرى جاء كأنه متوقعاً لأنه حل محل خفض "أوبك".

3- الخفض منع أسعار النفط من الانخفاض إلى الستينيات، بينما خبر إيران جاء فوق ذلك، فخفض الأسعار.

هل تزيد إيران إنتاج النفط إذا رفع الحظر؟

التعامل مع بيانات إيران النفطية صعب للغاية، وبشكل عام فإن بيانات شركات المراقبة متناقضة، وما تنشره وسائل الإعلام قد يكون أقل مما تنتجه وتصدره إيران لأنها تعتمد على البيانات الإلكترونية لأجهزة التتبع المركبة في حاملات النفط، بينما تقوم كثير من حاملات النفط الإيرانية وغيرها ممن يحمل النفط الإيراني بإطفاء أجهزة التتبع. كما أن هناك نفطاً إيرانياً يباع على أنه نفط دول مجاورة. كما يصعب تتبع الشحنات البرية من النفط والمنتجات النفطية إلى الدول المجاورة، بخاصة باكستان، التي تعاني أزمة طاقة خانقة، نتج منها اعتماد كبير على التهريب من إيران بسبب فارق السعر لأن أسعار المنتجات النفطية في إيران من الأرخص في العالم.

أضف إلى ذلك أن الحكومة الإيرانية توقفت منذ زمن عن تقديم بيانات الإنتاج لمنظمة "أوبك"، وقد تكون أدق بيانات هي بيانات المخزون العائم لأنه يمكن مراقبته عن بعد بسهولة.

تقرير "أوبك" الشهري يقول إن متوسط إنتاج إيران يبلغ نحو 2.5 مليون برميل يومياً، وفقاً لشركات المراقبة. هذا الرقم مشكوك فيه لأنه لم يتغير منذ فترة طويلة، وهذا ليس من طبيعة إنتاج النفط في أية دولة.

وتفيد البيانات المنشورة بأن صادرات إيران تراوحت ما بين 800 ألف برميل يومياً إلى 1.6 مليون برميل يومياً، هذه البيانات مشكوك فيها أيضاً للأسباب المذكورة أعلاه. أضف إلى ذلك إلى أن المخزون العائم قد يرفع الصادرات من دون زيادة الإنتاج. هناك أدلة عديدة تفيد أن إنتاج إيران أكبر مما ينشر في تقارير "أوبك"، وصادراتها أعلى مما ينشر، بخاصة أن واردات بعض الدول الأجنبية من بعض الدول المجاورة لإيران، أكبر من صادرات تلك الدول.

وتنتج إيران حالياً وتصدر بأقصى طاقتها الإنتاجية، خصوصاً بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من إدارة بايدن بتصدير النفط إلى أوروبا التي وصل إليها بشكل علني. ومنذ قدوم إدارة بايدن للبيت الأبيض، وقعت في دوامة: لا تريد تطبيق العقوبات التي أعادها الرئيس ترمب على إيران حتى لا تنسحب الأخيرة من المفاوضات حول برنامجها النووي في فيينا. بعبارة أخرى استطاعت إيران التوسع في تجارتها النفطية عالمياً لمعرفتها أنها تستطيع أن تضغط على إدارة بادين عن طريق الانسحاب من المفاوضات. مع مرور الزمن تطورت قدرات إيران على تخضيب اليورانيوم، وتعززت علاقاتها مع روسيا والصين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن ثم فليس من صالحها أن تعود للاتفاق القديم الذي وقع في عام 2014. كما أنها تحصل على عائدات النفط بطريقة أو بأخرى، وتستطيع الحصول على عائدات البنزين والغاز والكهرباء الذين تصدرهم إلى العراق بطرق مختلفة، على رغم الحظر الأميركي. إذاً ليس لها حافز للعودة إلى الاتفاق السابق.

أضف إلى ذلك أن هناك فئات متنفذة تستفيد من الحظر الأميركي إذ تسيطر على تجارة النفط من جهة، وأغلب ما تستورده إيران من جهة أخرى وتحقق أرباحاً طائلة، ومن ثم فليس من صالحها انتهاء الحظر، أو قيام إيران بأية علاقات تجارية رسمية مع دول أخرى. أية علاقات رسمية تعني انخفاض تدفق الأموال إلى هذه الفئات.

إذا حصل اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران غداً ورفع الحظر، فإن هذا لن يؤثر فعلياً في أساسيات أسواق النفط لثلاثة أسباب:

1- إيران تنتج بطاقتها القصوى.

2- إيران تصدر بطاقتها القصوى.

3- انخفاض المخزون العائم بأكثر من النصف خلال الأشهر الـ12 الماضية، وليس هناك إلا نحو 4 ملايين برميل يومياً، ثلثها من المكثفات.

أضف إلى ذلك أن إيران لن تعطي خصومات كما تفعل تحت العقوبات، وهذا يعني ارتفاع ملحوظ في أسعار نفطها، الأمر الذي يخفض الكمية المطلوبة منه.

إلا أنه بمجرد صدور الخبر، كما حصل في الأسبوع الماضي، ستنخفض الأسعار ليومين أو ثلاثة بسبب المضاربات، بعدها يدرك الجميع أنه ليس هناك زيادات من إيران، تماماً كما حصل في الماضي.

إذا رفع الحظر وتدفقت الاستثمارات على إيران فإن إنتاج النفط سيزيد، ولكن هذا سيستغرق وقتاً. والزيادات الكبيرة تحتاج إلى عام ونصف عام إلى عامين على الأقل. حتى هذه الزيادات لن تخفض الأسعار لأنه في ذلك الوقت سيزداد الطلب العالمي على النفط، وسيرحب العالم بهذه الزيادات الإيرانية.

وأفضل ما يعبر عن العلاقات الإميركية - الإيرانية مقالة قديمة لي عنوانها "النووي الإيراني: الأزمة التي لن تنتهي"، كتب منذ 18 عاماً.