تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تفجير منبج رسالة متعددة الأطراف في سوريا

قوات عسكرية
AvaToday caption
تمسك طهران بحصة تسيطر عليها عسكريا في سوريا لتكون ندا لأي تواجد عسكري تركي سيتحوّل إلى تواجد شرعي إذا ما حظي برعاية أميركية روسية
posted onJanuary 17, 2019
noتعليق

أثار تفجير استهدف جنودا أميركيين في مدينة منبج تساؤلات بشأن الجهة التي يمكن أن تبعث من خلال المفخخات برسائل إلى الولايات المتحدة في مدينة مثار خلاف تركي أميركي وتركي كردي، في وقت تشتد فيه تقاطعات المصالح في أعالي الفرات.

وقال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الأربعاء، إن بلاده ستقاتل لتضمن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه جدد التأكيد على خطط الانسحاب من سوريا.

وصرح بنس لتجمع في واشنطن لسفراء الولايات المتحدة في العالم “سنبقى في المنطقة وسنواصل القتال لضمان ألا يطل داعش برأسه البشع مرة أخرى”، مضيفا “سنحمي المكاسب التي حققها جنودنا وشركاؤنا في التحالف”.

وتجد تركيا أن التفجير فرصة مواتية لتقول للأميركيين سلمونا المنطقة لنقضي على الإرهاب الكردي الحميد والإرهاب الداعشي السيّء. ومباشرة تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمواصلة تضييق الخناق على داعش، مستبعدا أن يؤثر هجوم منبج على قرار ترامب بالانسحاب من سوريا.

كما يعطي التفجير مبررا إضافيا لإيران كي تقدم نفسها على أنها باقية ما بقي الإرهاب في سوريا، وهي التي تبحث عن خلافة الوجود الأميركي في سوريا بشكل أو آخر.

وفتحت مناورة الانسحاب الأميركي من سوريا الأعين على حقيقة الأجندات الإقليمية، وخاصة رغبة كل من إيران وتركيا في استثمار الانسحاب المفترض لملء الفراغ والسيطرة على المزيد من الأراضي السورية.

وفيما تسابق أنقرة الوقت لإقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق الصقور في إدارته بتوكيلها لإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، فإن طهران وجدت الفرصة بعد تهديدات إسرائيلية تعارض وجودها لتأكيد أنها لن تسحب قواتها من سوريا.

وسيعطي التكالب الإيراني والتركي على ملء الفراغ في سوريا مبررا إضافيا أمام الدوائر الأميركية، المناوئة لقرار ترامب بالانسحاب، لتطالب بوقف المغامرة، مستفيدة من وقع هجوم انتحاري جاء بمثابة هدية واستهدف، الأربعاء، آلية عسكرية أميركية في مدينة منبج وخلف قتلى أميركيين.

ويعيد بقاء القوات الأميركية في مواقعها شرق الفرات الحل السوري إلى نقطة الصفر، وقد يطيح بتفاهمات أستانة بين إيران وتركيا وروسيا، وهي تفاهمات تفترض تحييد واشنطن عن أي حل مستقبلي في سوريا، وبدلا من ذلك التأسيس لحل يراعي مصالح دول التحالف الثلاثي.

لكن إيران وتركيا لا تريدان الاكتفاء بالمزايا التي يحققها مسار أستانة الذي قد ينتهي إلى اتفاق يلزم القوات الأجنبية بالخروج من سوريا، بما في ذلك الوجود الإيراني والتركي، وهو ما سيمثل ضربة قوية لخططهما الاستراتيجية في سوريا.

وأشارت تقارير إيرانية إلى أن نقاشا يدور خلف الكواليس في طهران لوضع خطة لمواجهة تقاطع أجندات الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل سوريا على قاعدة تقليص النفوذ الإيراني في سوريا والعمل على إخراج هذا النفوذ نهائيا من هذا البلد.

وأعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أن طهران تعتزم الإبقاء على معداتها العسكرية ومستشاريها في سوريا، ما يعني تبديد ما يروج من أن طهران ستضطر لمراجعة تواجدها العسكري في سوريا تحت وقع الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة.

ويرتبط توقيت الموقف الإيراني هذا، وعلى لسان قائد الحرس الثوري، بالرد على “نصيحة” قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، لإيران “بسحب قواتها من سوريا على وجه السرعة، لأن إسرائيل ستواصل شن الهجمات واستهداف هذه القوات، بلا هوادة”.

وتأتي تصريحات نتنياهو لتتواكب مع فحوى الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في المنطقة والتي ردد فيها مواقف تركّز على عزم الإدارة الأميركية على مواصلة الضغوط على إيران لتلبية شروط واشنطن، لا سيما تلك المتعلقة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ طهران وسلوكها في الشرق الأوسط.

ونقلت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية عن جعفري القول، الأربعاء، “طهران ستبقي على معداتها العسكرية ومستشاريها في سوريا (…) ولتخشوا يوما تنزل عليكم صواريخ إيران”.

وتجدر الإشارة إلى أن إيران تنفي وجود قوات لها في سوريا، وتعترف فقط بوجود مستشارين عسكريين بطلب من الحكومة السورية، غير أن مراقبين للشؤون الإيرانية يرون أن طهران بتأكيدها على بقائها عسكريا داخل سوريا، تستغل مناسبة الرد على تصريحات نتنياهو لتوجيه رسائل متعددة المقاصد والأهداف.

ويرى هؤلاء أن إيران التي تشعر بتبدل في المزاج الدولي برمته، وليس الأميركي فقط، تسعى لإظهار نفسها قوية داخل كافة ميادين النفوذ استعدادا لأي طاولة مفاوضات محتملة كان ترامب قد لمّح إليها مؤخرا بين واشنطن وطهران، وأنها ستسعى في ذلك لتوظيف نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وترى مصادر سياسية أن طهران لم ترتح لقرار ترامب بسحب قوات بلاده من سوريا معتبرة أن في الأمر إعادة تموضع أميركي موجه إلى إيران. كما أن طهران التي لطالما جاهرت بالمطالبة بانسحاب القوات التركية من سوريا، تفاجأت بدعوة الرئيس الأميركي لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا على الحدود مع تركيا.

ويراد من الموقف الإيراني المعارض للدور التركي إبلاغ موسكو بعدم استعداد طهران، حتى الآن، لمناقشة مسألة سحب “مستشاريها” كما الميليشيات التابعة لها من سوريا، على الرغم من تلميح موسكو مرارا، وعلى لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه بذلك.

وكان بوتين قد اعتبر في أكتوبر الماضي أن “على دمشق وطهران أن تتفقا معا حول سحب القوات الإيرانية من سوريا، دون أن يكون لموسكو دور في ذلك”.

واعتبر محللون أن تصريحات جعفري تؤكد تمسك طهران بحصة تسيطر عليها عسكريا في سوريا لتكون ندا لأي تواجد عسكري تركي سيتحوّل إلى تواجد شرعي إذا ما حظي برعاية أميركية روسية.

وأشعلت المنطقة “الآمنة” ردود فعل مختلفة لعل أبرزها موقف روسيا التي أكدت أن الأراضي التي ستنسحب منها الولايات المتحدة شرق الفرات لا بد أن تعود لسيطرة النظام السوري، وقطعت بذلك الطريق أمام مساعي الرئيس التركي الذي قال إنه سيناقش الأمر مع نظيره الروسي خلال زيارة مرتقبة له إلى موسكو خلال أيام.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للصحافيين في موسكو، الأربعاء، “نحن على قناعة بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية والهياكل الإدارية”.

وتقدر دوائر تركية أن تشمل المنطقة الآمنة مدنا وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة، وأن تمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 20 ميلا (32 كيلومترا)”.

وأبدى أكراد سوريا، الأربعاء، رفضهم إقامة “منطقة آمنة” تحت سيطرة تركية. وأكد ألدار خليل، الذي يُعد أحد أبرز القياديين الأكراد في سوريا وأحد مهندسي الإدارة الذاتية، الأربعاء، على أن تركيا ليست حيادية وأنها طرف ضمن هذا الصراع.

وقال خليل إن “ترامب يريد تحقيق هذه المناطق الآمنة عبر التعاون التركي” لكن “أي دور لتركيا سيغيّر المعادلة ولن تكون المنطقة آمنة”.

واعتبر أنه “يمكن رسم خط فاصل بين تركيا وشمال سوريا عبر استقدام قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلام أو الضغط على تركيا لعدم مهاجمة مناطقنا”، مؤكدا أنه “لا يمكن القبول بالخيارات الأخرى لأنها تمسّ سيادة سوريا وسيادة إدارتنا الذاتية”.

من جانبها، وصفت دمشق تصريحات أردوغان حول استعداد بلاده لإقامة “منطقة آمنة” في شمال سوريا بأنها “غير مسؤولة”.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إن تصريحات أردوغان “تؤكد مرة جديدة أن هذا النظام راعي الإرهابيين (…) لا يتعامل إلا بلغة الاحتلال والعدوان”.

ويرى محللون أن اقتراح ترامب يلفه الغموض، وهو ما قد يساعد أنقرة على استثماره للضغط على الأكراد. كما أن سكوت الولايات المتحدة عن تفسير شروط المنطقة الآمنة وحدودها ودورها يعد خدمة لإدارة أردوغان التي تتولى تفسيرها على حسب مصالحها.

وقال الباحث في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو “ليس من الواضح ما الذي يودّ ترامب قوله، ولم يصدر حتى الآن أي توضيح من الإدارة الأميركية”.