تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إيران متمسكة بالعراق بعيداً عن محيطه العربي

حدود العراقية الأردنية
AvaToday caption
كان الأردن من أول من حذر من المشروع الإيراني، وذلك حين تحدث الملك عبدالله الثاني سنة 2004 عن الهلال الشيعي
posted onJanuary 16, 2019
noتعليق

تمسك إيران جيدا بمفتاح البوابة العراقية، وتضع عليه حرّاسا موالين لها يقفون بالمرصاد لأي محاولة لفتح الباب ليبقى أمام أي محاولة، منافسة، للدخول إلى العراق، أو مسعى لإعادته إلى محيطه العربي. ويتجلى ذلك بوضوح في الموقف الإيراني الأخير من زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى العراق، في مسعى لإحياء شراكات اقتصادية وسياسية قديمة.

ووضع مراقبون زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى بغداد الاثنين الماضي، وهي الأولى له منذ أكثر من 10 أعوام، ضمن متغيرات إستراتيجية وإقليمية يسعى الأردن لاستغلالها ومقاربة علاقاته مع العراق، وربما علاقاته مع سوريا، في إطارها. وجاءت هذه الزيارة بعد زيارتي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى عمّان الأمر الذي قد يعكس معطيات ملكتها عمان تشجع الأردن على تطوير صلاته مع العراق.

لكن، يبدو التحدي صعبا اليوم في ظل السيطرة الإيرانية الكاملة على صناع القرار العراقي، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، لعرقلة أي محاولة لنفض الغبار عن مشاريع قديمة مع دول “غير حليفة” لإيران. ويزداد التحدي صعوبة عندما يتعلق الأمر بالأردن، الذي ساعد صدام حسين في حرب الثماني سنوات (1980-1988) ضد إيران، حيث أرسل الأردن مساعدات عسكرية وبعض القوات إلى العراق، وتزويده بالإمدادات وفتح ميناء العقبة على البحر الأحمر، الذي أصبح في ما بعد شريان الحياة بالنسبة للعراق. وفي المقابل، كافأ العراق الأردن بتقديم المساعدات وببيعه النفط العراقي بأسعار مخفّضة.

أيضا كان الأردن من أول من حذر من المشروع الإيراني، وذلك حين تحدث الملك عبدالله الثاني سنة 2004 عن الهلال الشيعي. وأعرب عن قلقه من وصول حكومة عراقية متعاونة مع النظام الإيراني ونظام البعث بدمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان. وعلى مدى السنوات اللاحقة، توترت العلاقات، وشهدت في عهد نوري المالكي تصعيدا كبيرا، انتهى إلى شبه قطيعة.

وفاقمت العلاقات المتوترة من مشكلات الأردن المتعلقة بالاقتصاد والطاقة. وفقدت عمان على مدى السنوات الماضية ميزة تلقي النفط بأسعار جيدة من العراق، كما توقف مشروع مد خط أنابيب النفط العراقي الأردني الذي من خلاله يمكن للعراق أن يصدر النفط للأردن عبر خليج العقبة.

ويعتبر محللون أردنيون أن المقاربة الأردنية تجاه العراق تأتي مكملة وليست متناقضة مع مقاربة دول خليجية قامت بالانفتاح على العراق في عهد تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء. ويضيف هؤلاء أن عمان تؤيد فكرة أن تزايد الحضور العربي في العراق يعيده إلى الحضن العربي ويخفف من نسبة ارتماء هذا البلد في أحضان إيران.

وكان العاهل الأردني من أبرز المرحبين بخلافة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي لنوري المالكي. واعتبره أفضل من سلفه المالكي. وبعد هزيمة تنظيم داعش وإعادة فتح الحدود العراقية الأردنية، توقع الملك عبدالله الثاني تحسنا في التجارة الأردنية العراقية التي ستدعم الاقتصاد الأردني المضطرب.

وبدوره رحب رئيس الوزراء العراقي السابق بالعلاقات الودية مع الأردن، وأعرب عن التزامه بتحسين العلاقات مع الدول العربية المجاورة، واستعادة وحماية طريق تجاري مهم مع الأردن، لكن الأمر لم يتجاوز حدود التصريحات، ولم تشهد العلاقات عودة قوية، نتيجة الارتهان السياسي العراقي لإيران. ويبدو أن هذا الأمر هو ما يفسّر تأجيل البعد الإيراني في زيارة العاهل الأردني إلى بغداد، حتى تستقر أمور السلطة في بغداد والتأكد من استمرار عادل المهدي في منصبه كرئيس للوزراء في العراق.

كان الملك عبدالله الثاني أول زعيم عربي يزور بغداد عام 2008، بعد أن تولى السلطة موالون من إيران. وبعد عشر سنوات على آخر زيارة له للعراق، عاد الملك عبدالله الثاني لبغداد.

وكان قد سبق العاهل الأردني إلى العاصمة العراقية رئيس الوزراء عمر الرزاز الشهر الماضي، في زيارة عبدت لتحول سياسي يقوده العاهل الأردني في علاقات الأردن بالعراق؛ وهو تحول رأى فيه البعض من المراقبين مناورة سياسية قد تحسب أنها أيضا باتجاه طهران.

وأعقب الزيارة بيان للحكومة العراقية لا يخلو من تعميمات لا تعكس، وفق مراقبين، نجاح الزيارة، أو إلى أي مدى يبدو العراق مستعدا لهذا التحول.

ومما جاء فيه أن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عقدا اجتماعا ثنائيا تناول القضايا الثنائية بين البلدين والأوضاع الإقليمية، وأهمية توحيد الصف خصوصا لوقف التدهور والتصعيد الذي شهدته بلدان المنطقة وحماية القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس.

وشدد العاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقي على ضرورة المضي قدما في تنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية المشتركة، خصوصا خط أنبوب النفط من مدينة البصرة العراقية إلى ميناء العقبة، وتأهيل الطريق البري بين عمان وبغداد، وإنشاء المنطقة الصناعية المشتركة على الحدود بين البلدين.

كما أكدا أهمية العمل على زيادة التبادل التجاري بين الأردن والعراق وإزالة المعيقات أمام دخول البضائع الأردنية إلى الأسواق العراقية والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في كلا البلدين.

وعقب الاجتماع، تم عقد جلسة مشتركة بحضور أعضاء الوفدين العراقي والأردني تم خلالها بحث تطوير علاقات التعاون بين البلدين الجارين، وتبادل الآراء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وأهمية تحقيق الاستقرار لشعوب المنطقة والتأكيد على تنفيذ نتائج المباحثات الرسمية التي جرت في بغداد برئاسة رئيس الوزراء ونظيره الأردني مؤخرا وما تضمنته من اتفاقات في مختلف المجالات.

وأجرى الرئيس العراقي برهم صالح، الذي زار عمان في شهر نوفمبر الماضي، والملك عبدالله الثاني اجتماعا ثنائيا جرى خلاله التأكيد على عمق العلاقات التاريخية والأواصر المشتركة التي تربط العراق والأردن وضرورة العمل من أجل الارتقاء بها وتطويرها بما يخدم تطلعات الشعبين.

كما ناقش الجانبان عددا من الملفات ذات الاهتمام المشترك لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية وتوسيع آفاق التعاون، بما يضمن تحقيق المصالح المتبادلة وتبادل وجهات النظر بشأن العديد من القضايا العربية والدولية، والتأكيد على الدور المهم للبلدين في تثبيت دعائم السلام والاستقرار عربيا وإقليميا وأن تكون بغداد وعمان مرتكزا أساسيا لتعزيز العلاقات بين الأشقاء العرب ومنطلقا لحوار جاد وبنّاء لإنهاء الأزمات التي تشهدها المنطقة.

وتتقاسم بغداد وعمان حدودا مشتركة مهمة ونقاطا تجارية. وعمل الجانبان على تعزيز العلاقات خاصة بعد الهزيمة الكاملة لجماعة داعش في العراق وتأمين نقطة العبور المشتركة بينهما، وفتح الطريق الدولي بين بغداد وعمان، في محافظة الأنبار غرب العراق. ووقعا مؤخرا مذكرة تفاهم في مجال الكهرباء، التي تعد مشكلة مزمنة بالنسبة للعراق.

لكن، وعلى الرغم من أن ما أعلن رسميا عن الزيارة دار حول مسائل الاقتصاد والاستثمار والتبادلات التجارية بين البلدين، غير أن بعض المراجع الأردنية المراقبة رأت في خطوة العاهل الأردني خطوة مهمة داخل خارطة طريق ستسلكها عمان لتحصين نفسها من أي مخاطر تتعلق بأمنها الإستراتيجي.

وتقرأ الزيارة أيضا في سياقاتها الإقليمية الأوسع، وفي علاقة بالإستراتيجية الأميركية لمواجهة إيران، ولا يفصلها المراقبون عن زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة لعواصم عربية، وتحدث خلالها عن الحاجة إلى مواجهة أكبر تهديد على الإطلاق في الشرق الأوسط، وهو النظام الإيراني وحملات الإرهاب والدمار.

لا يمكن للمراقب إلا أن يتحرى رابطا لزيارة الملك عبدالله الثاني لبغداد مع جولة بومبيو في المنطقة، لا سيما زيارته لبغداد وعمان والقاهرة، والزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى العاصمة الأردنية قبل أيام. ولا يمكن للمراقب إلا أن يستنتج أجواء سياسية أوحت للعاهل الأردني التوجه إلى بغداد مانحا بذلك غطاء ملكيا أردنيا لما تحقق أثناء زيارة رئيس الوزراء الأردني إلى العاصمة العراقية في ديسمبر الماضي.

كما لا يمكن فصل الملف العراقي بالنسبة للأردن عن تطور الموقف الأردني إزاء نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا عن تطور علاقات عمان بموسكو.

وتشير تحركات الأردن إلى أنه يريد أن يستعيد رشاقة تجعله متخلّصا من الاستقطابات الإقليمية والدولية على نحو يتيح تطوير العلاقة مع بغداد، ولاحقا مع دمشق، وفق ما تسمح به التوازنات. لكن، ما يمكن أن يعيق تشكيل علاقات وطيدة مع العراق هو أن هناك قرارا إيرانيا بجعل الاتفاقيات التي تم إبرامها بين عمان وبغداد مؤخرا، وتلك التي تم التوصل إليها في الماضي مجرد حبر على ورق، فحتى وإن كانت للأردن، وبحكم موقعه الجغرافي، مواقف مرنة، قد تكون قريبة من مواقف مصر، حيال كيفية التعامل مع الحالة الإيرانية، فهو إحدى الدول المرشحة لتكون عضوا في تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي (ميسا) الذي تعمل الإدارة الأميركية على رعاية إنشائه، وأبرز أهداف هذا التحالف هو التصدي للمخاطر الإيرانية في المنطقة.

وعلى ضوء ذلك، يبدو من المستبعد أن ترى المشاريع الكبرى التي سبق وأن اتفق على تسريع العمل بها النور قريبا كالبدء في إنشاء منطقة صناعية حرة على الحدود العراقية الأردنية أو مد أنبوب النفط الذي كان قد تم التوصل إلى اتفاق بشأنه منذ العام 2013.

ومن شأن المنطقة الصناعية الحرة أن تساهم في تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين التي بقيت دون المستوى المطلوب، بالرغم من إعادة فتح معبر طريبيل بين البلدين في العام 2017، والذي ينظر كثيرون إلى أن دوافعه سياسية. أما مشروع أنبوب النفط الذي وقع الأردن والعراق في أبريل 2013 اتفاق إطار بشأنه، بكلفة 18 مليار دولار، وسعة مليون برميل يوميا، فهو ورغم الوعود العراقية ببدء تنفيذه بيد أنه لا بوادر على أرض الواقع تشي بذلك رغم فوائده الكثيرة على العراق.