جاء الإعلان المشترك الذي وقعته الولايات المتحدة وإسرائيل باسم "إعلان القدس" ليمثل إعلاناً رسمياً عن مخطط لضم الدول العربية الحليفة لواشنطن وإسرائيل في هيكل أمني مشترك في مواجهة إيران قد يصل إلى حد إعلان ما يعرف باسم حلف الناتو الشرق الأوسطي، وهو الحلف الذي بدأ بعض أنشطته العسكرية بالفعل.
فلقد وقَّع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، الخميس 14 يوليو/تموز 2022، على اتفاق مشترك أطلق عليه "إعلان القدس" تعهَّدا فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي، موحدَين بذلك مواقفهما بعد خلافات طويلة بشأن الدبلوماسية العالمية تجاه طهران.
وجاء التوقيع قبيل توجه بايدن من إسرائيل، غداً الجمعة، إلى السعودية بشكل مباشر، في خطوة لافتة في العلاقات بين الدولة العبرية والسعودية أكبر دول الخليج وموطن المقدسات الإسلامية، وحليف أمريكا الثري الذي يمثل أي تقارب له مع إسرائيل أهمية كبيرة لها.
أهم ما جاء في إعلان القدس
احتوى إعلان القدس على عدة نقاط رئيسية، أبرزها:
– دعم واشنطن لدمج إسرائيل في هيكل إقليمي قوي يضم حلفاء أمريكا العرب في مواجهة إيران.
– تأكيد واشنطن دعمها لحل الدولتين دون تعهدات واضحة لتنفيذ ذلك.
– عدم السماح بامتلاك إيران للسلاح النووي.
– التزام واشنطن بمواجهة الأنشطة الإيرانية المباشرة أو عبر وكلائها.
– تعاون كل من إسرائيل وأمريكا في مشروعات دفاعية جديدة.
"إنه استكمال لاتفاقية السلام الإبراهيمي"
وكانت إدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب في نهاية عهدها قد أعلنت عن صفقة القرن المثيرة للجدل، وقامت برعاية توقيع ما يسمى اتفاقات السلام الإبراهيمية بالبيت الأبيض في أغسطس/آب 2020، والتي ضمت إسرائيل والإمارات والبحرين، إضافة إلى اتفاق مشابه مع المغرب وكذلك توجه مماثل مع السودان، وإن كانت خطواته أقل حدة في التطبيع.
فيما بدا موقف السعودية أكثر غموضاً من اتفاقات السلام الإبراهيمية، حيث لم تعترض عليها، كما أن مشاركة البحرين- الحليف الخليجي الأقرب للرياض- تؤشر على أنها حصلت على ضوء أخضر من المملكة، إضافة إلى بعض الإيماءات السعودية التطبيعية الشعبية، وسط تقارير عن زيارة سرية قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، للسعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بحضور وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو.
ولكن من الناحية الرسمية فإن السعودية مازالت تربط التطبيع باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني أو على الأقل تحقيق تقدم في عملية السلام.
وبعد اتفاقيات أبراهام، بدأ التعاون الأمني والعسكري بين بعض الدول العربية وإسرائيل يخرج للنور.
لم تكن إدارة بايدن متحمسة لاتفاقات أبراهام التي ورثتها عن إدارة ترامب؛ حيث لم يكن بايدن وإدارته مرتاحَين لتجاهل الاتفاقات للقضية الفلسطينية تماماً، ولا ما صاحب الاتفاقيات من اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة للقدس مع صعوبة تراجعها عن الخطوات، إضافة إلى قلق إدارة بايدن من أن تعزيز العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل هدفه الأساسي الضغط على واشنطن في الملف الإيراني بسرعة وطريقة لا تناسبها أو قد تؤدي إلى إشعال حرب لا تريدها.
في عام 2017، حذَّر وزير الخارجية الأمريكي الحالي أنتوني بلينكن، قبل توليه هذا المنصب بسنوات، من ترويج ترامب لـ"الناتو العربي". وكتب بلينكن آنذاك: "إن تحالفاً أمنياً عربياً سنياً يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى الصراع الطائفي بين السُّنة والشيعة".
ولكن حاجة بايدن لزيارة الشرق الأوسط، لحث السعودية والإمارات على خفض أسعار النفط، وهي الزيارة التي بدا أنها تمثل تراجعاً كبيراً من الرئيس الذي سبق أن هدد من وصفهم بالمستبدين العرب وتوعد بنبذ السعودية، جعلت هناك فائدة مزدوجة لفكرة الناتو الشرق الأوسطي بالنسبة لبايدن.
ولذا بسرعة حولت إدارة بايدن أجندة زيارة الرئيس الأمريكي من هدفها الحقيقي المحرج له، وهو استجداء دول الخليج لزيادة إنتاج النفط، إلى هدف يستطيع ترويجه في واشنطن، وهو تعزيز السلام بين العرب وإسرائيل بحيث يصل للتنسيق العسكري أو ما يعرف أحياناً بمسمى حلف الناتو الشرق أوسطي.
ومن الناحية الميدانية، فإنه حتى قبل زيارة بايدن، أطلقت إسرائيل بمباركة ودعم أمريكيَّين مبادرة للتعاون العسكري مع الدول العربية من خلال التعاون في مجال الدفاع الجوي بالمنطقة، في مواجهة طائرات إيران المسيرة وصواريخها، وكذلك تعاون خليجي إسرائيلي تحت رعاية أمريكية في مجال الأمن البحري، وهما المعضلتان العسكريتان اللتان تعاني منهما دول الخليج وإسرائيل على السواء في مواجهة أنشطة إيران بالمنطقة.
ويعتقد أن المبادرة الخاصة بالدفاع الجوي، بدأ تنفيذها بالفعل، وتتطلع إسرائيل إلى توسيعها عبر ربط الرادارات ببعض الدول العربية مع إسرائيل، إضافة إلى ضم مزيد من الدول العربية لها، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
والتعاون في مجال التصدي للمسيرات والأمن البحري الذي بدأ العمل به بالفعل، يقدم فائدة بلا مخاطرة كبيرة لواشنطن؛ إذ سيخفف عن كاهلها عبء الدفاع عن منطقة الخليج ضد تهديدات المسيرات الإيرانية، ويوفر شعوراً لإسرائيل ولدول الخليج، مفاده أن واشنطن تأبه للتهديدات الإيرانية، خاصة في ظل انتقادات الطرفين المشتركة للولايات المتحدة بالتساهل أكثر مما ينبغي مع طهران، وتركها تهدد الجانبين دور رد أمريكي كافٍ.
ترضي زيارة بايدن للمنطقة وإعلان القدس، حلفاء أمريكا الرئيسيين في الشرق الأوسط وقطاعاً كبيراً من الجمهوريين والديمقراطيين في وقت واحد.
إذ سيقلل دعم أمريكا للتطبيع العربي الإسرائيلي ومساعيها لخلق هيكل أمني أو عسكري مشترك من الانتقادات لزيارة بايدن لمنطقة الخليج، في الداخل الأمريكي، لأن الجمهوريين والديمقراطيين على السواء سيرحبون بدعمه للتطبيع العربي الإسرائيلي، لا سيما إذا كان أحد أهدافه التنسيق ضد إيران.
وبالفعل، دافع بايدن عن اجتماعه المرتقب مع قادة السعودية الذين سبق أن زعم أنهم منبوذون، قائلاً إنه يتصرف جزئياً بناءً على طلب إسرائيل، حسب تقرير لوكالة أسوشييتد برس (AP) الأمريكية.
حتى إن النشطاء الديمقراطيين اليساريين الذين أظهروا حماساً لافتاً للقضية الفلسطينية في السنوات الماضية وانتقدوا انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية الحليفة لأمريكا وتداعيات حرب اليمن، لن يستطيعوا الاعتراض علناً على فكرة التطبيع بين إسرائيل وأعدائها العرب السابقين.
وفي الوقت ذاته فإن إعلاء بايدن من أهمية العلاقات بين العرب وإسرائيل والتحالف بينهما من شأنه توفير مبرر له في التخلي عن محاولاته السابقة لعزل السعودية بسبب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وفي الوقت ذاته يحمل البيان تصعيداً ضد إيران يرضي صقور الجمهوريين.
وبالنسبة للمواطن الأمريكي العادي، فإن الزيارة قد تسفر عن زيادة دول الخليج لإنتاج النفط بما يقلل من وطأة أسعار الوقود المرتفعة على المواطنين الأمريكيين بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.
وقال بايدن للصحفيين خلال اجتماعه مع لابيد قُبيل مراسم التوقيع، إن "الإعلان مهم بالنسبة لإسرائيل، لأنه يدمجها تماماً في المنطقة".
من جانبه، وصف لابيد زيارة بايدن للسعودية بأنها "مهمة للغاية لإسرائيل".
وأصبح واضحاً أن إدارة بايدن تخلت عن توجهاتها السابقة التي قللت من أهمية دول الشرق الأوسط في سياستها بعد أن أثبتت الأزمة الأوكرانية أهمية المنطقة، كما تخلى بايدن عن تعهداته خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية بالربط بين مجال حقوق الإنسان وعلاقتها بحلفائها العرب.
أشار إعلان القدس إلى أن كلاً من أمريكا وإسرائيل ستتعاونان في مشروعات دفاعية جديدة من بينها منظومات اعتراضية تعمل بالليزر، وأن واشنطن تدعم دور إسرائيل في "هيكل إقليمي قوي"، وأن زيارة بايدن للسعودية تتصل بهذا الهدف.
يهدف هذا الهيكل الإقليمي إلى دمج إسرائيل وتوسيع دائرة السلام لتشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى، بحسب نص البيان، ولكن الإعلان لم يشر إلى تفاصيل هذا التعاون العسكري والأمني.
غير أن هذا البيان يبدو أنه يقنن عملية التنسيق العسكري التي بدأت بالفعل بين بعض الدول العربية وإسرائيل والتي يعتقد أنها تضم على الأقل الإمارات والبحرين والأردن، وبصورة منفصلةٍ المغرب، والتي تلعب فيها أمريكا دوراً إشرافياً بعد نقل العلاقة العسكرية الأمريكية مع إسرائيل من قيادة الجيش الأمريكي، بأوروبا إلى القيادة المركزية للجيش الأمريكي المكلفة بالتعامل مع الدول العربية، الأمر الذي يمكّن هذه القيادة من توجيه عمليات التنسيق الأمني والعسكري التي بدأت بالفعل بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
في الوقت ذاته، أكد "إعلان القدس" التزام واشنطن بأمن إسرائيل والحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي.
وتطرق البيان إلى موقف أمريكا من القضية الفلسطينية، بشكل بدا روتينياً وخالياً من أي إلزام لإسرائيل، حيث جددت فيه واشنطن تأكيد دعمها لحل الدولتين، وأنها مستعدة للعمل مع إسرائيل والفلسطينيين من أجل هذا الهدف.
ولكن التنسيق الأمني العربي الإسرائيلي يعمّق إحباط الفلسطينيين، الذين يشعرون بالفعل بأن اتفاقيات أبراهام قد باعتهم، ولأنها لم تفعل شيئاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وأعرب البيان عن إدانته لما وصفها بـ"الهجمات الإرهابية المؤسفة" التي استهدفت إسرائيليين في الأشهر الأخيرة، دون التطرق إلى الضحايا الفلسطينيين والانتهاكات الإسرائيلية.
إعلان القدس تضمن تصعيداً لافتاً في لهجة إدارة بايدن تجاه إيران، فحسبما ورد في نصه فإن أمريكا "مستعدة لاستخدام كل عناصر القوة الوطنية" لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، مؤكدةً أنها ستعمل مع شركائها "لمواجهة عدوان إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار"، على حد وصفها.
البيان أكد التزام واشنطن بمواجهة الأنشطة الإيرانية المباشرة أو عبر وكلائها مثل حماس وحزب الله والجهاد.
وكان بايدن قد صرح للتلفزيون الإسرائيلي، خلال زيارته للقدس، الأربعاء، بأنه لا يمانع استخدام القوة "كملاذ أخير" ضد إيران، وذلك رداً، على ما يبدو، على دعوات لابيد للقوى العالمية لتوجيه "تهديد عسكري جاد" لإيران.
هذا التوجه ليس فيه فقط إرضاء لدول الخليج وإسرائيل التي تريد موقفاً قوياً أمريكياً ضد طهران، ولكن يحمل في طياته تقوية لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد، الذي يوصف بالليبرالي، مما يجعله مفضلاً للديمقراطيين، وسيشكل إعلان القدس دعماً له في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وتكتله اليميني المتطرف في أي انتخابات قادمة.
ورغم ذلك، فإن توجه بايدن الجديد لا يحمل حلاً جذرياً للخلاف بين إدارته من جهة وحلفائها الخليجيين وإسرائيل من جهة أخرى بشأن التعامل مع طهران.
لأن إدارة بايدن لم تلمح إلى التخلي عن مساعيها لإعادة إحياء الاتفاق النووي، كما تريد إسرائيل ودول الخليج، حيث يعتقد بعض المسؤولين الإسرائيليين والخليجيين أن تخفيف العقوبات بموجب الاتفاق سيوفر لإيران مزيداً من الأموال لدعم جماعات تنشط بالوكالة في لبنان وسوريا واليمن والعراق، كما يشككون فيما إذا كانت إدارة بايدن ستفعل الكثير لمواجهة أنشطة إيران الإقليمية.
في المقابل، أكد الأمريكيون أنهم ما زالوا مستعدين للاتفاق مع طهران، حيث قال مسؤول أمريكي: "إنه إذا أرادت إيران توقيع الاتفاق الذي تم التفاوض عليه في فيينا، فقد أوضحنا أننا مستعدون".
ولكن تصريحات بايدن حملت تطميناً جديداً لدول الخليج وإسرائيل، بأن الحرس الثوري الإيراني لن يرفع من قائمة الإرهاب الأمريكية كما تريد طهران.
تمثل العلاقات العلنية مع السعودية الجائزة الكبرى لإسرائيل في عملية التطبيع، ولكن المملكة متحفظة بشأن أي تعاون علني مع إسرائيل حتى الآن.
وقال المراقبون والمدافعون في الولايات المتحدة وإسرائيل عن الشراكات الأمنية العربية الإسرائيلية إنهم لا يتوقعون اختراقات كبيرة في هذا الملف خلال رحلة بايدن للشرق الأوسط.
وسبق أن أشار كبار المسؤولين السعوديين ضمناً إلى دعمهم لخطوة القيادة المركزية للجيش الأمريكي في ضم الجيش الإسرائيلي الحديث القوي إلى نفس مظلة التعاون الأمريكي مع الجيوش العربية.
وكان لافتاً أن نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، في أثناء زيارته للولايات المتحدة هذا الربيع، قد ذهب إلى مقر القيادة المركزية الأمريكية في ولاية فلوريدا، للاستفسار عن تنسيق قدرات الدفاع الجوي الإقليمية.
ولكن تبدو السعودية متحفظة على تسريع وتيرة التعاون العربي الإسرائيلي العسكري أو على الأقل انخراطها العلني في هذا المسار حتى الآن، ويبدو أنها كانت تفضل أن يبقى أغلبه طيَّ حالة من الغموض أكثر منه سرية، قد يرجع ذلك إلى الحرج الذي قد يسببه لها بالنظر إلى مكانة المملكة العربية والاسلامية ورغبتها في أن يتزامن التطبيع مع منح بعض المكاسب للفلسطينيين، وتمهيد الأجواء الداخلية السعودية له.
وقد يرجع ذلك بالأكثر أيضاً إلى أن التطبيع من أثمن البطاقات في يد المملكة في مواجهة الانتقادات الغربية لها، وبالتالي فإنها تحتاج إلى استثماره بحذر وعدم إلقائه على الطاولة بسرعة.
ولكن لا يعرف، هل تغير السعودية موقفها من التطبيع العلني بعد إعلان بايدن الأخير نيته دمج إسرائيل في هيكل أمني يضم الدول العربية الحليفة لواشنطن.
حتى الآن لم تعترض الرياض على هذا التوجه، كما أنها قبلت فكرة وصول بايدن لها قادماً من إسرائيل، والأهم أنها حققت مكسباً كبيراً، عبر هذا التوجه الذي وفر مبرراً لبايدن للتغلب على الاعتراضات الداخلية الأمريكية التي تتركز في أوساط الديمقراطيين ضد زيارته المملكة ولقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأول مرة منذ وصوله للبيت الأبيض.
وفي أول خطوة تطبيعية محتملة بعد إعلان القدس، كشفت شبكة CNN الأمريكية، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن السعودية ستعلن خلال أيام، أنها ستسمح لجميع الرحلات الجوية التجارية من وإلى إسرائيل باستخدام مجالها الجوي، وستسمح كذلك للحجاج المسلمين من حملة الجنسية الإسرائيلية بالقيام برحلات طيران مباشرة إلى المملكة؛ ليتسنى لهم القيام بفريضة الحج.
بينما يدعم الأردن، بشكل معلن، فكرة حلف الناتو الشرق الأوسطي، حيث يبدو أنه يفضل المشاركة في صياغة مسار التطبيع العربي مع إسرائيل لدفعه بعيداً عن المساس بمصالحه الحساسة، خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين الفلسطينيين، فإن مصر تبدو الدولة العربية الحليفة لواشنطن الأكثر قلقاً من التعاون العسكري العربي الإسرائيلي، حيث كانت الأوضح في رفضها لفكرة الناتو الشرق أوسطي، عبر تصريح لا لبس فيه لوزير خارجيتها سامح شكري.
المفارقة أنَّ تحفّظ مصر على حلف الناتو الشرق الأوسطي، يأتي رغم أن القاهرة أول من افتتح قطار التطبيع منذ السبعينيات، ونظام الرئيس السيسي وصل بالعلاقة مع إسرائيل لمستوى غير مسبوق، كما أن هناك تقارير عن تعاون عسكري بين مصر وإسرائيل في سيناء وصل إلى درجة قيام تل أبيب بغارات بطائرات مسيرة في سيناء بالتنسيق مع مصر، حسب تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
ولكن هناك أسباب عديدة لهذا التحفظ المصري على الحلف العسكري العربي الإسرائيلي، أولها أن هذا الناتو الشرق الأوسطي، عدوه الأساسي إيران، ومصر رغم أنه لا توجد لديها علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء مع إيران، ورغم غياب أي تبادل تجاري أو تنسيق سياسي ذي مغزى بين البلدين، فإنها في الوقت ذاته حريصة على عدم الانخراط في مواجهة ضد إيران على أي مستوى من المستويات. وفي الملفات المشتركة مثل سوريا ولبنان، هناك هدنة بين الطرفين، وأصدقاء وحلفاء مشتركون مثل نظام الأسد نفسه، والقوى الناصرية اللبنانية الموالية لحزب الله وإيران والصديقة لمصر.
لا تريد مصر أن تجد نفسها منخرطة في عداء مع طهران يشغلها عن ملفات أكثر أهمية بالنسبة لها؛ مثل ليبيا والسودان وفلسطين وأزمة سد النهضة، خاصةً أن إيران أثبتت قدرتها على إيذاء خصومها عبر أذرعها المتعددة.
وعقد مسؤولون إيرانيون ومصريون كبار اجتماعاً سرياً بعُمان في 27 يونيو/حزيران، خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسلطنة، حسبما نقلت صحيفة the jerusalem post الإسرائيلية عن مصادر وصفتها بالمطلعة، حيث أكدت القاهرة لطهران خلال الاجتماع أن قمة النقب التي عقدت مؤخراً وضمت وزراء خارجية أمريكا وإسرائيل وعدد من الدول العربية، ليست موجهة ضد إيران وأنها لن تطلق أي تحركات عسكرية ضدها، وقالت المصادر إن الاجتماع بحث الأوضاع في قطاع غزة والقضية السورية وملفات أخرى بالشرق الأوسط وفتح الباب أمام العلاقات بين البلدين.
إلى جانب ذلك، فإنه رغم نسج السيسي علاقات وثيقة مع حكام تل أبيب منذ عهد نتنياهو، ولكن أن يصل الأمر إلى تعاون أو حلف عسكري بقيادة إسرائيل يتيح لها الاطلاع على أسرار الجيش المصري، الذي ما زال يعتبر تل أبيب عدواً، لهو أمر صعب على الجيش والقيادة السياسية المصرية.
الأهم أنه في ضوء التفوق التكنولوجي الإسرائيلي وتشابه الأجندة الإسرائيلية الخليجية المناهضة لإيران، فإن مصر ستكون مجرد عضو عادي في هذا الحلف، ولن تكون حتى نائباً للرئيس، الأمر الذي قد يجعل الحلف أداة لتقزيم الدور المصري في المنطقة.
قد يكون العراق والجزائر أكثر الدول العربية تحفظاً على أي تحالف عربي إسرائيلي ضد إيران، لأن بغداد لا تريد مزيداً من التعقيد لعلاقتها مع طهران صاحبة النفوذ الكبير في السياسة العراقية خاصةً مع وجود رفض شعبي عراقي للتطبيع، بينما الجزائر لديها مواقف حازمة مؤيدة للقضية الفلسطينية، وتشعر بأن التقارب الإسرائيلي المغربي بدفع خليجي وأمريكي يؤدي إلى تقوية موقف الرباط في خلافاتها مع الجزائر خاصةً حول قضية الصحراء.