حسن فحص
فيما لم تمرّ على عودة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ساعات من قمة الدول المصدرة للغاز "أوبك للغاز" (GECF) التي عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة، خرج الرئيس الأميركي جو بايدن ليعلن حزمة ثلاثية من العقوبات ضد روسيا بعد قرار نظيره فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
لعل الأخطر في قرارات البيت الابيض ما أعلنه بايدن صراحة عن نهاية مشروع "السيل الشمالي 2" الذي من المفترض أن ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا ومنها إلى أوروبا.
وعلى الرغم مما لهذا القرار من انعكاس سلبي على أمن الطاقة في القارة الأوروبية، إلا أن بايدن، وقبل الذهاب إلى هذا الخيار، عمد خلال الأسابيع الماضية، بخاصة لدى استقباله أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، إلى الوقوف على قدرات الدول المصدرة للغاز بتعويض الغاز الروسي وتلبية الحاجات الأوروبية.
رئيسي وفي كلمته أمام قمة "GECF" السادسة، أكد أن "استراتيجية إيران الإقليمية تقوم على رفع إنتاج وتصدير الغاز"، وأن بلاده "تعلن استعدادها للتحوّل إلى ممر آمن لانتقال الغاز بين المنتجين والأسواق المستهلكة"، إلا أن وزير النفط في حكومته جواد أوجي كان أكثر صراحة ومباشرة في هذه النقطة، إذ أعلن استعداد إيران لأن تكون مصدراً ومعبراً للغاز باتجاه دول الجوار والدول الأوروبية.
وبعيداً من الاستعجال في الحكم بإمكان حصول قطع أو تباعد بين طهران وموسكو في المرحلة المقبلة، من الموضوعي التعامل مع هذا الموقف أو إعلان الاستعداد من زاوية البحث الإيراني عن مصالحه الاقتصادية والقومية والاستراتيجية، وهذا لا يعني أن طهران في طور التفكير بالتخلي عن تعاملها مع موسكو أو حتى الاقتراب من هذه الاحتمالية، بل هي خطوة تنسجم مع الاستراتيجية التي وضعها النظام والحكومة الحالية في عدم وضع كل "بيضها" في سلة واحدة، بخاصة أن أبرز وأهم الانتقادات التي تُوجّه إلى الرئيس السابق حسن روحاني أنه عمل وفريقه لوضع كل البيض الإيراني في السلة الغربية، وسعى إلى عرقلة السير في عقد التفاهمات الاقتصادية الاستراتيجية مع كل من روسيا والصين.
ومن منطلق المصالح القومية، وفي محاولة لاستعادة موقعها على خريطة الطاقة والأسواق العالمية، لن تتردد إيران في اعتماد هذا الخيار، بخاصة أنها كانت تشاهد على مدى الأعوام الماضية، وفي مرحلة العقوبات المشددة كيف أن المنتجين الآخرين للغاز والنفط عملوا على سد الفراغ الذي تسبب فيه غيابها عن الأسواق العالمية.
وإعلان طهران عن هذه الاستعداد، وأن تكون معبر ترانزيت الغاز إلى جانب تصديره باتجاه أوروبا، قد لا يعني الدخول في مواجهة مع موسكو أو المساهمة في تضييق الحصار عليها بعد العقوبات الأميركية، بل من الممكن أن تتحوّل إلى حاجة روسية، كما كانت روسيا حاجة إيرانية في مرحلة العقوبات المشددة، للالتفاف على هذه العقوبات، ومدخلاً إيرانياً لتعويض ما خسرته من فرص في قطاع الطاقة وحاجة الأسواق الدولية.
الموقف الإيراني الذي يأتي في وقت تجمع كل الأطراف الدولية المعنية بالمفاوضات النووية الجارية في فيينا على اقتراب موعد التوقيع على الاتفاق الجديد، إلى حد أن البعض منهم دخل في توقيتات لا تتعدى اليومين، 25 فبراير (شباط)، هذا الموقف يبدو أنه منسجم مع حجم هذا التقدم، ويعبّر عن استعداد طهران للتعامل الإيجابي مع المجتمع الدولي، بخاصة الأوروبي في تقديم البدائل في حال اندلاع أزمة طاقة في قطاع الغاز الذي بات يشكل العصب المحرك لكثير من الاقتصادات الأوروبية.
في المقابل، فإن هذا الانفتاح الإيراني لم يأتِ من خارج السياقات التي مهّدت للتقدم في مفاوضات فيينا، وإن الجانب القطري لعب دوراً واضحاً في هذا الإطار. فاستعادة الحراك الذي جرى قبل أسابيع، من زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن إلى إيران قبل أيام من زيارة أمير قطر إلى واشنطن، لا يمكن أن تحصل من دون أن تكون لدى الجانب القطري مؤشرات جدية إلى نيّة الطرفين في التوصل إلى تفاهم يتجاوز الموضوع النووي. وهو الذي وجد ترجمته في المواقف الإيرانية للرئيس ووزير النفط الإيرانيين في قمة الدوحة للغاز.
الدخول الإيراني على خط توريد الطاقة، تحديداً الغاز، إلى أوروبا، لن يواجه صعوبة في التنفيذ، بخاصة أن الجانب الإيراني أكد وجود بنية تحتية تساعد على هذا التنفيذ السريع بالاعتماد على شبكة الأنابيب الداخلية التي أنشأتها إيران لهذه الإمدادات، إضافة إلى التفاهمات والاتفاقيات الأخيرة التي عقدتها، ممثلة برئيس الجمهورية مع أذربيجان وتركمنستان قبل أشهر على هامش قمة "إيكو"، لنقل الغاز من هذه الدول وتوريده إلى الأسواق العالمية عبر مياه الخليج، سواء عبر الأنابيب أو من خلال عملية "سواب" "SWAP" من ناحية، وإمكان رفع مستوى الضخ في الأنبوب المستخدم في تزويد تركيا بالغاز، ما يسهّل عملية نقله إلى أوروبا.
هذه التطورات قد تعيد إحياء الآمال الإيرانية بإمكان تفعيل خط أنابيب "نابوكو"، بخاصة بعد الاكتشافات الجديدة لحقل الغاز الضخم في الجزء الإيراني من بحر "الخزر" (قزوين)، الذي يعيد تصنيف إيران بين أكبر الدول التي تملك أعلى احتياطي للغاز في العالم. وهي آمال تضاف إلى الآمال التي قد تنتج من ترجمة مفاعيل العقوبات الأميركية الجديدة على روسيا ومخرجان قمة"GECF" ، بالتالي ربما تجعل من إيران بديلاً لخط "السيل الشمالي الثاني"، واستبداله بخط السيل الإيراني الشرقي.