تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

فريق جديد ومخاوف جديدة في طهران

خامنئي
AvaToday caption
رفض خامنئي على امتداد الأعوام الخمسة الماضية الاستجابة لعدد لا حصر له من الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية داخل سوريا حصدت أرواح ما يزيد على 5 آلاف عسكري إيراني وجنودهم المرتزقة من أفغانستان والعراق وسوريا وباكستان ولبنان
posted onNovember 7, 2021
noتعليق

أمير طاهري

ماذا تفعل عندما تراودك الرغبة في فعل أمر ما وفي الوقت ذاته تستشعر حرجاً إزاء فعله؟

كان هذا هو التساؤل الذي واجهه «المرشد الأعلى» لجمهورية إيران الإسلامية، آية الله علي خامنئي، هذا الأسبوع بينما كان يفكر في كيفية التعامل مع واحد من طقوسه السنوية للاحتفال بالاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز دبلوماسيين أميركيين رهائن في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979.

خلال فترة السنوات الثماني التي قضتها المجموعة التي عرفت باسم «صبية نيويورك» في سدة الحكم تحت قيادة الرئيس حسن روحاني، تخلص طقس الاحتفال بهذه المناسبة من بعض أقسى جوانبه ليتحول في نهاية الأمر إلى مجرد تجمع رمزي في موقع السفارة الأميركية سابقاً والتقاط بعض الصور لصالح التلفزيون الرسمي.

والملاحظ أنه خلال العامين الماضيين على وجه التحديد، طوى النسيان كثيراً من العناصر البارزة التي لطالما ارتبطت بمثل هذا الاحتفال.

على سبيل المثال؛ نجد أن ندوة «عالم من دون أميركا» السنوية، التي ظل يحضرها على امتداد عقود مهنيون مناهضون للولايات المتحدة من جميع أرجاء العالم؛ بما في ذلك من الولايات المتحدة نفسها، حُذفت من البرنامج.

كما أن الأسماء المألوفة؛ من أمثال لويس فرخان وأوليفر ستون وشون بِن... وغيرهم من الأميركيين الكارهين أنفسهم، لم تعد تُوجَّه إليها الدعوة للقيام برحلة الحج السنوية إلى طهران. وكذلك لم يحظ الإيرانيون بترجمة أخرى لأحدث خطابات الكراهية التي أطلقها ناعوم تشومسكي ضد الولايات المتحدة.

أيضاً؛ جرى إلغاء مؤتمر حول تأسيس دولة «سوداء» بالكامل في مسيسيبي بجنوب الولايات المتحدة.

ومن بين العناصر الأخرى التي اختفت ندوة «نهاية إسرائيل» التي كانت تجمع منكري المحارق النازية بحق اليهود (الهولوكوست) من مختلف أرجاء المعمورة، ومعرض الرسوم الكاريكاتورية الدولي المعادي للسامية الذي كان يصاحبها.

ورغم أن مجموعة «صبية نيويورك» ضمت العشرات من «الطلاب» الذين أغاروا على السفارة واحتجزوا الرهائن، فإنه بحلول نهاية عام 2020 توقع بعض المراقبين أن تختفي طقوس الاحتفال السنوي بهذا الحدث تماماً.

ومع ذلك، فإنه مع الدفع بمجموعة «صبية نيويورك» نحو الظل، خلال الوقت الراهن على الأقل، كان من المتوقع استعادة الاحتفال كامل قوته تحت قيادة «الفريق الثوري الجديد» بقيادة الرئيس الدكتور آية الله إبراهيم رئيسي.

المثير للدهشة أن هذا لم يحدث؛ بل والأغرب أن الفريق الجديد اختار، على ما يبدو، تقليص الاحتفال السنوي بدرجة أكبر.

وحاول المسؤولون فعل ذلك عبر سبل عدة؛ من بينها محاولة إلصاق شعارات أخرى بـ«أحداث الرابع من نوفمبر» التي كان من المفترض أنها تحتفي بـ«إذلال الشيطان الأكبر الأميركي».

ومن بين التسميات الجديدة التي أطلقت على الفعاليات «سنوية خروج الامام الخميني إلى المنفى» عام 1964، رغم أن ذلك حدث في الخامس من نوفمبر؛ وليس الرابع. وهناك تسمية أخرى أضيفت في الوقت الحاضر؛ هي «يوم المذبحة التي ارتكبها الشاه بحق طلاب مدارس ابتدائية وثانوية وأطفال» عام 1976، رغم أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث على الإطلاق.

الواضح أن «الفريق الثوري الجديد» حريص على تخفيف حدة خطاب النظام المعادي للولايات المتحدة بقدر ما كان «صبية نيويورك».

والسؤال هنا: لماذا؟

اللافت أن «الفريق الثوري الجديد» بنى جزءاً من خطابه حول الادعاء أن «صبية نيويورك» تخلوا عن جهاد الخميني ضد «الشيطان الأكبر» مقابل وعود فارغة من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

أحد التفسيرات وراء هذا الأمر، الذي طرحه بعض أنصار «الفريق الثوري الجديد»؛ بما في ذلك صحيفة «كيهان» اليومية، أن «الشيطان الأكبر» لحق به بالفعل وهن شديد، مثلما اتضح في سياسة الانسحاب السريع من أفغانستان، بل ويدعي الميجر جنرال حسين سلامي، قائد «الحرس الثوري»، وأحد أبرز المتحدثين في مثل هذه الفعاليات، أن الولايات المتحدة خسرت بالفعل مركزها القيادي العالمي بينما يصعد الثلاثي الصين وروسيا وإيران بوصفها القوى الكبرى الجديدة المتحكمة في مصير البشرية.

وتبعاً لما ذكره آية الله تائب، المفوض السياسي - الديني لـ«الحرس الثوري»؛ فإن الولايات المتحدة أشبه اليوم بجيفة حمار ميت لا داعي لجلده.

ومع ذلك، فإن مثل هذا السلوك المتكبر والمتفاخر من جانب الصفوة الخمينية غالباً ما يخفي وراءه مخاوفهم. وفي هذا الإطار، يتمثل الخوف الأول في أن إدارة بايدن ربما لا تكون حريصة على إلغاء سياسة «الضغوط القصوى» التي انتهجها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي؛ طبقاً لما ورد في تقرير أصدرته «منظمة الخطة الإسلامية» في طهران، دفعت بالجمهورية الإسلامية نحو حافة الإفلاس.

ويتمثل خوف آخر في أن بايدن، حتى لو رغب في ذلك، ربما لا يتمكن من رفع ما يكفي من عقوبات عن كاهل الجمهورية الإسلامية بما يعينها على استعادة عافيتها، خصوصاً أن رفع غالبية العقوبات يتطلب موافقة الكونغرس الأميركي؛ الأمر الذي لا يمكن لبايدن التعامل معه على أنه أمر مضمون.

ومع ذلك، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، خطيب زاده، أن إيران لن تعاود التزامها بـ«الاتفاق النووي» الذي أبرم مع أوباما إلا إذا رفعت الولايات المتحدة أولاً جميع العقوبات.

ومن بين المخاوف كذلك أن بايدن ربما منح إسرائيل الضوء الأخضر من أجل تنفيذ «عمل محدود؛ لكن حاسم» ضد المواقع النووية الإيرانية. ومن شأن مثل هذا التحرك إجبار النظام على تجاوز الخط الأحمر الذي التزمه على مدار 4 عقود من خلال تقديم استجابة حقيقية تجاه عمل عسكري ضده.

يذكر في هذا الصدد أن الخميني رفض عام 1988 تجاوز هذا الخط للاستجابة لهجوم ضخم شنته الولايات المتحدة ضد قواعد تتبع «الحرس الثوري» الإيراني في مياه إيران الجنوبية.

وبالمثل؛ رفض خامنئي على امتداد الأعوام الخمسة الماضية الاستجابة لعدد لا حصر له من الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية داخل سوريا حصدت أرواح ما يزيد على 5 آلاف عسكري إيراني وجنودهم المرتزقة من أفغانستان والعراق وسوريا وباكستان ولبنان.

ومع ذلك، فلن يكون من السهل إخفاء تعرض منشآت نووية لهجوم مباشر. والمؤكد أن عدم الاستجابة لمثل هذا الهجوم سيكون مؤشراً على ضعف استراتيجي ويمكن أن يشجع على موجة جديدة من التمردات المحلية.

على الجانب الآخر؛ فإن الاستجابة قد تعني اشتعال حرب شاملة تبدو الجمهورية الإسلامية غير مستعدة لها على الإطلاق.

ويتمثل خوف آخر في أن «الشيطان الأكبر» ربما جند جماعة «طالبان» في أفغانستان بهدف فتح جبهة جديدة ضد الجمهورية الإسلامية في الشرق. جدير بالذكر هنا أنه في عامي 1995 و1996 تراجع خامنئي عن الدخول في مواجهة مع «طالبان»، رغم إقدام الأخيرة على إعدام دبلوماسيين وصحافيين إيرانيين بوحشية، خوفاً من «السير نحو هذا المستنقع».

ورغم الهجمات القاتلة ضد مساجد شيعية داخل أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، فإن خامنئي رفض أن يدلي بكلمة حادة واحدة ضد «طالبان».

الملاحظ أن النظام الخميني لطالما كان «قوياً» في انتقاء الأهداف السهلة، مثلما الحال في لبنان واليمن أو حيثما يكون باستطاعته لعب دور «روبن» برفقة «باتمان» قوي، مثلما الحال داخل سوريا تحت القيادة الروسية.

وربما تقف خلف قرار النظام تخفيف حدة «طقوس الاحتفال باقتحام السفارة الأميركية» أسباب أخرى؛ منها أنه للمرة الأولى لا أحد من «الطلاب» الذين تورطوا في هذا الحدث الإجرامي يتقلد منصباً رفيعاً في النظام. أيضاً؛ ربما أدركت العناصر الأكثر حكمة داخل النظام أن الخطابات المناهضة للولايات المتحدة بشدة لم تثمر سوى عزلة دبلوماسية وتراجع اقتصادي وصورة سلبية.

وعليه؛ فإن الخطوة التالية التي سيتخذها بايدن ربما تكون حاسمة... إذا استسلم بسهولة شديدة؛ فإنه بذلك قد يبث روحاً جديداً في شياطين طهران القديمة. أما إذا اختار بايدن التصريحات الفارغة التي لا جدوى منها؛ فإنه بذلك قد يهدر فرصة لتقديم يد العون لأولئك الذين يسعون لتغيير النظام في طهران.