تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرياض، طهران وما بينهما.. بغداد

صورة قاسم سليماني في بغداد
AvaToday caption
التواصل بين البلدين لم ينقطع وإن كان على مستويات منخفضة أو على مستوى الخبراء، لكنه في بغداد أخذ طابعا جديا بعد أن انتقل إلى مستوى صناع القرار، وجاء بالتزامن مع مفاوضات فيينا النووية
posted onMay 15, 2021
noتعليق

مصطفى فحص

نجحت بغداد في تحقيق الاختراق بين الجانبين، وأمنت لهما مساحة مشتركة يمكن استغلالها في محاولة إعادة بناء الثقة بينهما، ثقة تحتاج إلى ورشة عمل طويلة غير مقيدة بالوقت، لكنها محكومة باستعادة حسن النوايا. وهذا ما تحتاجه شعوب المنطقة قبل حكوماتها، بعدما استنزفت بحروب فرعية وأخرى بالوكالة، كان يمكن تجنبها أو التخفيف من تداعياتها لو اقتنعت بعض الأطراف بأنها لا تستطيع أن توسع مساحة نفوذها كما لو أنها توسع مقاساتها. فالجغرافيا ثابتة ولا يغيرها النفوذ أو الهيمنة.

ما بين مايو 2014 وأبريل 2021 مرت 7 سنين عجاف، كان يمكن للمنطقة تجنب الكثير من الأهوال. قبل 7 سنوات أعلنت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني رغبتها في إعادة إحياء الحوار مع الرياض، قوبلت بترحيب سعودي على لسان وزير الخارجية الأسبق الراحل الأمير سعود الفيصل، حينها علقت الآمال على إمكانية التوصل إلى تسوية إقليمية بين قطبي المنطقة، تضع حدا لأكثر من عشر سنوات من الخلافات والأزمات، وإمكانية إطفاء حرائق امتدت من سوريا إلى العراق واليمن وصولا إلى لبنان.

رغبة الرئيس روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف اصطدمت بمشاريع الحرس الثوري التوسعية وتهديده المباشر للأمن القومي السعودي، خصوصا بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين سنة 2015 وتصاعد التهديدات الحدودية من الجانب العراقي، لكن الاحتقان انفجر بشكل مباشر في 2 مايو 2016 عندما قامت مجموعات متشددة إيرانية باقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد وإحراقهما، ما أدى إلى قطع العلاقات بين البلدين وتصاعد حدة الاشتباك، خصوصا بعدما أقر الرئيس ترامب العقوبات القصوى على طهران ومنعها من تصدير نفطها، فحاولت طهران حينها استهداف البنية التحتية للطاقة في السعودية عبر العراق واليمن.

مما لا شك فيه أن ما أُعلن في بغداد رسميا على لسان رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، قد سبقة بعدة أشهر محاولات جس للنبض بدأت على الأرجح في السنة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي لم يكن مستعدا للتورط بمواجهة مباشرة مع طهران، بالرغم من تفوقه العسكري الهائل، وهذا ما دفع الرياض إلى الابتعاد أولا عن أي مواجهة أميركية إيرانية، وثانيا إلى تجنب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بين البلدين ليست في مصلحة أحد.

التواصل بين البلدين لم ينقطع وإن كان على مستويات منخفضة أو على مستوى الخبراء، لكنه في بغداد أخذ طابعا جديا بعد أن انتقل إلى مستوى صناع القرار، وجاء بالتزامن مع مفاوضات فيينا النووية، التي تعاني من مخاطر الفشل أو استهلاك الوقت، وقد لا تصل إلى نتائج ملموسة. وهذا على الأرجح ما دفع العاصمتين إلى تخطي بعض العقبات بينهما، بهدف تأمين مستويات من الاستقرار الضروري في المرحلة المقبلة، خصوصا أن طهران المنقسمة داخليا، تريد ترتيب بيتها الداخلي في مرحلة انتقالية حساسة تستعد فيها إلى اختيار رئيس جديد يفتح الطريق من أجل التهيئة لاختيار مرشح لخلافة المرشد.

مستقبل الحوار في بغداد مرتبط أكثر  بطهران، المُطالبة بالقيام بخطوات فعلية من أجل إقناع الطرف الآخر بأنها مستعدة لأن تكون جزءا من الجهود المبذولة لتكريس الاستقرار والازدهار في المنطقة بما فيه مصلحة الجميع، إلا أن التخوف من أن جهات إيرانية مصرة على ممارسة السلوك نفسه في المنطقة بعيدا عن حسابات فيينا وبغداد.

وعليه، نجحت بغداد في أن تستفيد من الليونة السعودية والارتباك الإيراني، الأمر الذي ساعد على  بناء أرضية مشتركة لبدء الحوار بينهما، متجاوزين ما تراكم من سلبيات وتباعد واختلافات عميقة وجذرية في وجهات النظر، بالرغم من أن هناك صعوبة في الوصول إلى نتائج إيجابية ملموسة وسريعة، تعكس ما هو مأمول من طهران وهو أن تقرر العمل على إعادة بناء الثقة مع جيرانها وخصوصا السعودية.