تسعى زيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى قطر والعراق لإظهار رغبة بلاده في مواصلة التقارب مع السعودية وتحريك جهود الوسطاء الإقليميين لدعم هذا المسار، في الوقت الذي يقول فيه متابعون إن الهدف من هذه الجولة ليس طمأنة السعوديين ولكن خلق تأثير لدى دول غربية، وخاصة الولايات المتحدة، بأن إيران جادة في الحوار وتريد طمأنة دول الجوار بشأن برنامجها النووي.
ويزور ظريف قطر والعراق الأحد وفق ما أفاد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده. وتأتي الزيارة بعد أيام من تقارير عن استضافة بغداد في التاسع من أبريل لقاء بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين في مساع لتهدئة خلافاتهما الإقليمية.
وأوضح زاده في بيان أن الجولة تأتي “في إطار تطوير العلاقات الثنائية ومتابعة المباحثات الإقليمية وما هو أوسع منها”، مشيرا إلى أن ظريف سيلتقي خلال زيارته عددا من المسؤولين البارزين في البلدين.
ويقول المتابعون إن وزير الخارجية الإيراني يتحرك في منطقة رمادية، وإنه يعرف أنه لا العراق ولا قطر قريبان كثيرا من السعودية التي لا يهمها اسم الوسيط بقدر اهتمامها بما ستقود إليه هذه الوساطة من نتائج خاصة في الملف اليمني.
ويرسل ظريف إشارات أكثر من خطوات تجاه الرياض، وأن المقصود ليس طمأنة السعوديين ولكن لفت نظر الأميركيين إلى أن الدبلوماسية الإيرانية تجلس مع السعوديين وتتحدث معهم وأن تصفية الأجواء تتم بشكل جيد. لكنه لا يستطيع الرد على سؤال مهم لماذا تستمر المسيّرات والصواريخ الإيرانية في استهداف مواقع حيوية في السعودية من الجانب الحوثي.
وتسعى إدارة بايدن لفتح قنوات مباشرة مع طهران بالرغم مما يبديه الإيرانيون من تعنّت سواء في البرنامج النووي أو في الملف الإقليمي. لكنها لا تريد أن يؤدّي الانفتاح على إيران إلى إغضاب السعودية واللقاءات بين البلدين، وإنْ كانت شكلية، يمكن أن تجنّب باين وإداراته هذا الحرج.
وأرسلت الجولة الأولى من المحادثات المباشرة بين الخصمين الإقليميين السعودية وإيران، التي جرت في العاصمة العراقية، إشارات عن مسعى لبحث خفض التصعيد من الجانبين، لكن لا أحد يتوقع نتائج سريعة لهذا المسار.
وذكرت مصادر عراقية مطّلعة أن الإيرانيين أظهروا، خلال الجولة الأولى، حماسا للتقارب مع السعوديين، لكن دون أن يقدموا أيّ مبادرة عملية يمكن أن تسهّل على السعوديين الاستمرار في جلسات قادمة.
وقال مصدر عراقي لـ”العرب” إن الحماس الذي أظهره الوفد الإيراني يكشف أن الهدف هو اللقاء في حد ذاته، وأن المسؤولين في طهران يريدون توظيف مجرد اللقاء مع السعوديين، بقطع النظر عن نتائجه، في حملة إعلامية لإظهار أن إيران لا تمثل تهديدا لمحيطها الإقليمي.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن اللقاء الأول يمكن وصفه بأنه مجرد لقاء اختبار نوايا بين الطرفين ليس أكثر، مشددا على أن العراق هو المستفيد المباشر من هذا اللقاء من خلال لعب دور الوسيط.
وردّت السعودية بقوة على تسريبات إيرانية توحي بأنها قبلت الاستمرار في التفاوض دون أي تعهدات من طهران بشأن الملف النووي والدور الإقليمي، فيما بدا وكأن الرياض قابلة بالأمر الواقع.
وحث بيان سعودي الجمعة إيران على “الانخراط في المفاوضات النووية الجارية بجدية وتفادي التصعيد وعدم تعريض أمن المنطقة واستقرارها إلى المزيد من التوتر”.
ودعا البيان، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، إلى “ضرورة توصل المجتمع الدولي لاتفاق بمحددات أقوى وأطول، مع تنفيذ إجراءات الرصد والمراقبة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي وتطوير القدرات اللازمة لذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار قلق دول المنطقة العميق من الخطوات التصعيدية التي تتخذها إيران لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي”.
وتعدّ استضافة المحادثات السعودية – الإيرانية خطوة مهمة للعراق الذي تربطه علاقات مع كل من الولايات المتحدة وإيران، ويتحمل وطأة التنافس السعودي – الإيراني.
وقال مسؤول عراقي رفيع إن الزيارة الأخيرة التي نظّمها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى السعودية والإمارات ساعدت في جلب المحاورين الإيرانيين والسعوديين إلى طاولة المفاوضات.
واعتبر المحلل العراقي جواد العطار أن بغداد نقطة ارتكاز مهمة في أمن الشرق الأوسط واستقراره لو أحسن ساسة العراق استثمار علاقاتهم مع كافة الأطراف من أجل التهدئة لا التصعيد.
ولم تقدم إيران ولا السعودية تأكيدا رسميا على إجراء المحادثات، على الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين ألمحوا إليها ورحبوا بها.
وأشاد السفير الإيراني في العراق الثلاثاء بجهود بغداد الدبلوماسية الأخيرة، ملمحا إلى المحادثات السعودية – الإيرانية دون أن يذكر المملكة.
وقال إيراج مسجدي لوكالة أنباء إيرنا الحكومية في مقابلة في بغداد “يبدو أن الوضع الإقليمي والدولي خلق أجواء أكثر إيجابية لحل بعض المشاكل بين إيران ودول أخرى… سنكون سعداء إذا كان العراق قادرا على لعب أيّ دور في اتجاه تقارب إيران مع الدول التي واجهنا معها تحديات مما أدى إلى فتور العلاقات معها”.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت الوساطة العراقية قد أثمرت قال إن المحادثات “لم تتوصل إلى أيّ نتيجة واضحة ولم تحقق أيّ تقدم ملحوظ”.