تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أي شيعة يحكمون بغداد؟

مقتدى الصدر مع هادي العامري
AvaToday caption
إيران لا تسمح لأحد بأن يزاحمها في العراق وهو نوع من فرض القوة والإرادة
posted onDecember 11, 2018
noتعليق

د. ماجد السامرائي

تلاشت شعارات السياسيين الشيعة القائمة على المظلومية الطائفية وتلبس دور الضحية، واختفت تلك الشعارات بعد أن انفتحت أمامهم أبواب القصور والخزائن في بغداد وتحولوا إلى ظالمين قساة ومحتكرين للسلطة ودعاة للاحتراب، وتبين يوما بعد آخر أن تلك الشعارات ليست إلا غطاء للمصالح الخاصة.

وحّد هؤلاء صفوفهم ووجهوا نيرانهم الطائفية نحو العرب السنة في السنوات الأولى بعد العام 2003، وبتعاون وثيق مع المحتل الأميركي كان الهدف التدريجي هو الهيمنة السياسية عبر وصفة الانتخابات البرلمانية التي قدمها لهم الأميركان في الدستور والتي لم تتضمن إقامة جمهورية إسلامية مثلما قامت في طهران عام 1979، بل إن دستور العراق لم يوزع الثروة والسلطة على أساس مكوناتي طائفي مثلما تم تطبيقه في ما بعد.

تم توظيف المشاعر العاطفية للجمهور الشيعي ومخادعته بأن أعداءهم العرب السنة يحاولون سرقة السلطة، وتم استغلال مرجعية السيستاني بالنجف لتمرير القوائم الموحدة للأحزاب الشيعية الرئيسية تحت عنوان “الائتلاف الموحد”.

ولكن هذه الوحدة كانت شكلية، فمنذ وقت مبّكر دبّت الخلافات المركبة بين المصالح النفعية وبين المرجعيات المذهبية العربية والإيرانية المتصارعة، وذلك بالتنافس على المراتب العليا في القيادة والتفرد بها، إلى درجة أن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، قاد حملة عسكرية سميت آنذاك “صولة الفرسان” ضد زعيم التيار الصدري وجيشه “المهدي” في العام 2008 في البصرة، واحتفظ ضده ببعض الملفات، ذلك أن نوري المالكي وجد نفسه القائد الشيعي المميز كونه رئيس حزب الدعوة الذي توفرت له فرصة قيادة الحكم والإمساك بجميع المؤسسات العسكرية والأمنية، فيما أعطيت الفرص للميليشيات المسلحة لكي تهيمن على الشارع، وفعلت ما فعلته بحق المواطنين الأبرياء من قتل وتشريد وإشاعة للفوضى الأمنية العارمة.

لكن نوري المالكي لم يتمكن من التجديد لولاية ثالثة بإيحاء من مرجعية النجف وصمت طهران لما تحقق في ظله من هيمنة للفاسدين، وما حصل في كارثة اجتياح الموصل واحتلال تنظيم داعش لثلث أراضي العراق.

واستعاد الصدر نشاطاته السياسية بعد اعتزاله عام 2014 احتجاجا على ما أسماه “بهيمنة الفاسدين وبائعي أرض العراق”، ولكن مع ذلك لم تؤدّ الكوارث التي حصلت للعراقيين إلى إحداث الصدمة في رؤوس قادة الأحزاب، لأن تلك الرؤوس لم تنشغل بهموم العراقيين.

كان من الطبيعي أن تنتقل الأزمات الحياتية المغطاة طائفيا، من العرب السنة وباقي الأقليات، إلى الشيعة المحرومين من الخدمات.

سقوط داعش بدماء العراقيين الأبطال الذين تصدوا لمشروعه التخريبي عطّل الذرائع الطائفية المسوفة الخادمة لمشاريع الأحزاب الحاكمة، فبماذا يصف قادة هذه الأحزاب أبناء البصرة وكربلاء والعمارة والناصرية، ويواصلون إهانة كرامات الناس وحقوقهم، لم يجدوا صفات يلصقونها بهم سوى أنهم أبناء بعثيين أو ملبون لأجندات خارجية لأنهم تظاهروا في مدن الجنوب من أجل العيش.

لكن أولئك المتظاهرين السلميين عبروا عن مشاعر الشيعة العراقيين الحقيقية في التشبث بوطنيتهم ورفضهم التدخل الإيراني المضر بهم.

وليس من باب المقارنة، لكن تظاهرات باريس في وجه قرارات فرض الضرائب فرضت إذعان الحكومة لتلك المطالب، ومع ذلك فإن انتفاضة شباب البصرة الأبطال قد شقت الطريق أمام تعزيز الرفض الشعبي للأحزاب وإسناد التوجهات الإصلاحية والوطنية لبعض رموز وقادة الشيعة في الكتل السياسية التي فازت بانتخابات 2018.

ولهذا تضاعفت حدّة الكراهية والحقد ضد مقتدى الصدر لأنه إلى جانب مطالباته بعزل الفاسدين وعدم دخولهم مجددا في الحكومة، كانت لديه مواقفه العروبية ودعواته إلى الانفتاح على بلدان الخليج العربية، ولم يتركوا له فعلته بزيارة الرياض تمر دون عقاب.

لقد تجدد الصراع داخل البيت الشيعي الآن وهو يدور في فلك ليست له علاقة بمصالح المواطنين وحقوقهم ولكنه يشتعل حول الاستحواذ على النفوذ وتأمين مسارات الفساد في الحكومة الجديدة لعادل عبدالمهدي، ولأن طهران انتقلت إلى مرحلة جديدة من وسائل الهيمنة على العراق لا تسمح فيها لذوي الدعوات الوطنية العراقية بأن تكون لديهم كلمة في القرار السياسي العلوي.

انتقل الصراع إلى التلويح بالعنف السياسي بين أطراف الكتل الشيعية الرئيسية وخاصة “سائرون” من جهة، و”الفتح ودولة القانون” من جهة ثانية، على هامش مسألة تعيين وزيري الداخلية والدفاع، إلى درجة أن نوري المالكي راح يقول عبر الإعلام “لن نسمح لرئيس الوزراء ولا لكتلة الفتح بتغيير ترشيح فالح الفياض لوزارة الداخلية لأن ذلك يعني فرض قائمة الصدر لإرادتها”.

وفسر كل فريق شيعي تحذيرات مرجعية السيستاني من تداعيات العنف السياسي الحاصل بينهم لمصلحته. فجماعة هادي العامري تقول إن المقصود هو الصدر، وجماعة الصدر تقول العكس. وهذا مؤشر على أن الأمور وصلت إلى درجة عالية من التوتر.

والهدف من كل ذلك هو تحجيم محاولات مقتدى الصدر، ليس في منعه توزير بعض الوجوه، وإنما لتطويقه سياسيا ومنع الرموز السياسية الأخرى في كتلة “الإصلاح” من أن تتوفر لديها قدرات المبادرات السياسية داخل البرلمان وخارجه، بما يعزز قدرات السياسات المناوئة لطهران أو في إعاقة محاولات إدخال الفاسدين في هيكل الحكومة الجديد.

دوافع المصالح تصل الآن إلى درجة خطيرة تهدد أمن المواطنين لأن الشارع العراقي المتعب من نقص الخدمات والفوضى الأمنية ملغم بترسانة السلاح متعدد المصادر، والميليشيات متأهبة لخوض كل أنواع المواجهات.

طبعا المقصود هو العمل بقوة السلاح من أجل فرض هيمنة التوجهات الإيرانية في العملية السياسية، وإشاعة القلق والخوف بين الناس.

إيران لا تسمح لأحد بأن يزاحمها في العراق وهو نوع من فرض القوة والإرادة، والمقصود بصورة مباشرة إعادة مقتدى الصدر من ساحة الاشتباك السياسي في بغداد إلى مقره بالحنانة في النجف، أو إخضاعه لآليات ترتيب الحكومة الجديدة، ولا مانع لديها من إطلاق بياناته عبر تغريدات تويتر.

المواطنون العراقيون لا علاقة لهم بتأجج حالة الصراع هذه بين الزعامات الشيعية، وهم يتساءلون في ما بينهم أي سياسيين شيعة يحكمونهم الآن:

شيعة إيران أم شيعة العراق؟ العراقيون يطالبون بزعيم وطني، ولا يهمهم إن كان شيعيا أو سنيا أو كرديا أو تركمانيا أو مسيحيا.

ولكن في النهاية مواعظ التاريخ العراقي القريب تقول لا يوجد حاكم دائم سواء كان حزبا أو زعيما مطلق الولاية، فشعب العراق لم تتغير جيناته تجاه حكامه في الحساب القاسي وقد يكون داميا.

كاتب عراقي