تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عقلية صانعي القرار في إيران أمام رسائل بايدن "الإيجابية" إليهم

بايدن
AvaToday caption
موقف خامنئي يشير إلى معضلة يواجهها، فبينما يريد رفع العقوبات عن إيران وتحسين الوضع الاقتصادي، لا يريد أن يحدث ذلك على النحو الذي يؤثر في مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإذا تم رفع العقوبات الآن في ظل الولاية المتبقية لروحاني، فقد يحسب هذا إلى رصيد ما يعرف بالمعتدلين على حساب رصيد المتشددين من حلفاء خامنئي
posted onFebruary 26, 2021
noتعليق

هدى رؤوف

نتابع منذ مجيء إدارة جو بايدن حال الإجراء في مقابل الإجراء، تلك التي انتهجتها كل من طهران وواشنطن، وهو ما يعني فرض كل منهما شروطاً استباقية، قبل الشروع في التفاوض من أجل إحياء الاتفاق النووي.

وعلى الرغم من ذلك، قامت إدارة بايدن ببضع خطوات من شأنها توجيه رسائل يفترض أن تكون مطمئنة لإيران، حتى تمتثل لالتزاماتها بالاتفاق ومن ثم تبدأ مرحلة التفاوض، لكن الخطوات الثلاث التي قامت بها الإدارة الأميركية بهدف تحريك المسار الدبلوماسي لم تفلح حتى الآن، فقد قامت الإدارة منذ أيام بسحب طلب قدمته إدارة دونالد ترمب لمجلس الأمن من أجل تنفيذ "سناباك" ضد إيران، أي إعادة العقوبات الأممية عليها.

الخطوة الثانية كانت رفع القيود عن تحركات الدبلوماسيين الإيرانيين المعينين في الأمم المتحدة، أما ثالث الخطوات الأميركية فكانت عدم الرد على سقوط أكثر من عشرة صواريخ إيرانية الصنع في محيط مطار أربيل الدولي في إقليم كردستان بشمال العراق، مما أسفر عن مقتل متعاقد مدني وإصابة آخرين بمن فيهم أحد أفراد الجيش الأميركي، على الرغم من أن طهران نفت اتهامات وجهت إليها بالضلوع في الهجوم الأخير على أربيل، ورافق ذلك سلسلة إدانات دولية، فيما تجنبت إدارة بايدن توجيه اتهام، مستشهدة بتحقيق مستمر تقوده السلطات العراقية.

ربما نضيف إعلان الولايات المتحدة إمكان المشاركة في لقاء مجموعة الدول الموقعة على الاتفاق مع إيران بشكل غير رسمي، إذ يمكن اعتبار تلك الخطوة رسالة إيجابية من بايدن، تعبر عن رغبة إحياء الاتفاق.

ويُلاحظ أنه تزامن مع الخطوات الأميركية مزيد من التعنت الإيراني الذي تمحور حول تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي بأن طهران قد تخصب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، وتوقفها عن العمل بالبروتوكول الإضافي، ورفض مجلس الشورى الإيرانى الاتفاق المؤقت الذي عقدته حكومة حسن روحاني مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وينص الاتفاق على أن تحتفظ إيران ببيانات معينة لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، وإذا تم رفع العقوبات عنها فستسلم البيانات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإذا لم ترفع العقوبات فستحذفها، لكن الاتفاق رُفض من قبل مجلس الشورى الذي يسيطر عليه المتشددون، وطالب النواب بملاحقة المسؤولين في الحكومة، وهنا تدخل خامنئي الذي أعلن تأييده قانون مجلس البرلمان الصادر فى ديسمبر (كانون الأول) الماضي لوقف التزامات إيران، لكنه في الوقت نفسه دعا الحكومة والبرلمان إلى عدم الانقسام، مما يعني دعمه موقف الحكومة في ما يخص الالتزامات.

تترافق تلك التطورات مع تطورات إقليمية وهي هجمات الحوثيين الإرهابية على جنوب غربي السعودية، على الرغم من الزيارات التي قام بها مبعوث بايدن وقائد القيادة المركزية للجيش الأميركي إلى اليمن.

موقف خامنئي يشير إلى معضلة يواجهها، فبينما يريد رفع العقوبات عن إيران وتحسين الوضع الاقتصادي، لا يريد أن يحدث ذلك على النحو الذي يؤثر في مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإذا تم رفع العقوبات الآن في ظل الولاية المتبقية لروحاني، فقد يحسب هذا إلى رصيد ما يعرف بالمعتدلين على حساب رصيد المتشددين من حلفاء خامنئي، الذين سيطروا أخيراً على كثير من مؤسسات الدولة، بل إن خامنئي ذاته في ظل الحديث عن صحته وخليفته قد يكون ميالاً لوجود رئيس محسوب على التيار المتشدد، ليضمن ثوريته وحفاظه على النظام القائم، ولعل هذه المسألة هي التي تواجهه حالياً.

أمام التساهل الأميركي الهادف إلى تسهيل المسار الدبلوماسي ومنح بعض الثقة لطهران، نجد الموقف المتعنت المشار إليه أعلاه، وهنا يبرز التساؤل: هل كانت طهران تنتظر بعض إجراءات الثقة من جانب واشنطن لتشجيعها، لا سيما أن هناك آراء داخل إيران تشكك في نيات الإدارة الجديدة وتعتبرها مثل سابقتها، وأنها تريد مواصلة سياسة الضغط الأقصى لترمب؟

حقيقة الأمر أن التوترات التي حدثت، سواء في أربيل وبعدها في بغداد إضافة إلى هجمات الحوثيين، يمكن اعتبارها نوعاً من الضغط الذي تمارسه إيران ضد إدارة بايدن، لتوجيه رسالة مفادها أن رسائله السابقة ليست كافية، وأن ما قد يكون أكثر إيجابية وتحفيزاً لطهران هو الرفع الكامل للعقوبات،

أما الموقف المتعنت والمتشكك من إيران بشكل عام فهو راجع إلى فقدان الثقة في الغرب عموماً والولايات المتحدة بخاصة، فالناظر إلى العقلية الإيرانية يجد أنها ليست مرتبطة بنظام الخميني الذي أنشئ منذ نحو 40 عاماً وحسب، وإنما هي عقلية تمتد جذورها إلى القرنين الـ 18 و19، ونتج منها إحساس بالاضطهاد والريبة بسبب فقدان كثير من أراضيها جراء عدد من الاتفاقات مع الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا وروسيا، أدت إلى إحداث ثورة التبغ ثم أزمة مصدق في الخمسينيات، وكل ذلك غذّى مشاعر الاضطهاد والظلم والمعاناة.

ومنذ تأسيس النظام الإيراني بعد الثورة، استمرت تلك المشاعر وغذتها حال العداء بين طهران وواشنطن، وبالتالي فقدان الثقة، لكن على الرغم من ذلك كانت هناك فترات تحسّن للعلاقات وتعاون بينهما، وإن كان بشكل غير معلن، مثل التعاون أحياناً في العراق وأفغانستان في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وطلب طهران التعاون مع واشنطن في مواجهة الإرهاب، لكن هذا يفسر أن الركيزة الوحيدة الأكثر تحديدًا فى التفكير الأمني ​​الإيراني، تكمن في عدم الثقة العميق في القوى العالمية والنظام الدولي، لذا فأفضل وصف لعقلية صانعي القرار الإيرانيين أنها دفاع مستمر أمام اضطهاد أجنبي، لذا دائماً ما يسيطر على مفرداتهم كلمات الدفاع ومحاربة القوى التي تريد الهيمنة عليهم، وهنا قد يكون من المفيد التساؤل أنه هل يمكن لأي اتفاق مع إيران في ظل هذه العقلية المشككة، على الرغم من رغبتها في التفاوض حتى وإن كان جيداً من وجهة نظرها، أن يغير إدراك صانعي القرار الإيراني لدورهم ومكانتهم في المنطقة، ودور الدول الأخرى كذلك؟ المرجح أنه ما لم تتخل طهران عن طموحها نحو الهيمنة ووجود تحالفات وتوازنات في مواجهة محاولتها تغيير ميزان القوى الإقليمي، فستظل مسيطرة عليها فكرة أنه لا يوجد سلام ليس مقدمة لحرب أخرى.